|
منظمة الدول التركية التي أثارت حماس "سيزاي كاراكوتش"

كتب البعض أن قمة "منظمة الدول التركية" التي انعقدت قبيل رحيل شاعر النهضة "سيزاي كاراكوتش" بأيام، حيث انتقل إلى جوار ربه الأسبوع الماضي؛ أثارت حماسه بشكل كبير. بل نقلت الكاتبة التركية "زينب كاراجا" بأنه أخبرها خلال زيارتها له قبيل وفاته بثلاثة أيام فقط، أن أول مقال سيكتبه حين استعادة صحته سيكون حول هذا الموضوع.

لا شك أن قمة "منظمة الدول التركية" التي انعقدت 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في إسطنبول، انعقدت وسط جو مثير ومختلف للغاية مقارنة مع القمم السابقة. ولعل العامل الأكثر أهمية في خلق هذا الجو هو أن القمة انعقدت والاحتلال الأرمني لإقليم قره باغ الأذربيجاني قد انتهى أخيرًا نتيجة النضال الذي خاضته أذربيجان بدعم وتضامن تركيّين.

لقد أظهر عضوان في هذه الدول (أذربيجان وتركيا) مثالًا ملموسًا في الواقع، على أن التضامن حينما يحضر يمكنه تحقيقه شيء على الأرضن ويجعل من المتضامنين قوة فعّالة. ولا شك أن النصر الذي تجلى نتيجة هذا التضامن، قد منح لهذا الاتحاد روحًا مختلفة، وحماسة وحافزًا.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تحولت الجمهوريات التركية إلى منطقة ذات أهمية في السياسة التركية، وإلى مصدر مهم من حيث تغذية الهوية الوطنية. إلا أن تلك الآمال في تحقيق وحدة وتضامن يربطان بين أواصر هذه الجغرافيا الثقافية، لم يُكتب لها القبول على أرض الواقع. وذلك لأن أجيال الجمهوريات التركية التي ترعرعت ونشات في ظل الحكم السوفيتي لنحو 70 عامًا، لم تنظر إلينا بالطريقة التي ننظر بها إليها.

بعبارة أخرى، لم يتمكنوا من النظر إلينا بالطريقة ذاتها، لأنهم عاشوا بشكل مكثف في ضوء ثقافة سوفيتية روسية، وكانت أبجديتهم أبجدية روسية، ونشؤوا على أن ثقافتهم وتاريخهم أقرب للشراكة مع تاريخ الروس وثقافتهم، والأهم من ذلك أن الأجيال التي نشأت تحت نظام تعليمي أيديولوجي مكثف على مدار 70 عامًا، تحولت إلى العلمانية بل والإلحاد أيضًا.

تصف الكاتبة "سيفيل نوريفا" ذلك الواقع، وقد خبرت تلك المرحلة وعاشتها عن كثب، حيث تقول: "كان الثقل الروسي مسيطرًا على الجميع، ومع ذلك كان الثقل الغربي موجودًا بالدرجة ذاتها. لم يكن هناك وجود للوعي التركي والإسلامي على الإطلاق".

تقول أيضًا: "لكن (من جديد) كان العصب الرئيسي مبنيًّا دومًا على الهوية الوطنية والدينية. لكن حتى هذه قُلبت رأسًا على عقب بتأثر من الغرب أحيانًا، ومن روسيا أحيانًا، ومن الحكام أنفسهم أحيانًا أخرى. لا سيما وأن حكام هذه البلدان أنفسهم تغيروا على مستوى الهوية الوطنية".

ستقولون؛ وهل كانت هناك فرصة متوفرة لهذه البلدان وشعوبها كي يكونوا ضمن صف واحد؟ لكن التاريخ يحكي لنا أن أشد الحروب فتكًا ودمًا حصلت بين أناس تجمعهم اواصر قرابة مختلفة. وعلى مر التاريخ نجد أن الشعوب العربية بسبب الحروب القبلية، والشعوب التركية بسبب حروب الإمارة، زادوا -كل على حدة- من حجم ضعفهم بدلًا من العمل على تقوية بعضهم البعض.

فالأمير تيمورلنك هو تركي تسبب بإيقاف تمدد العثمانيين نحو أوروبا لفترة طويلة من الوقت. الشيء ذاته ينطبق على الدولة الصفوية التركية التي كانت أكثر من أعاق طريق الدولة العثمانية أكثر من أي أحد آخر، بل إن تبعات هذا الصراع لا يزال حاضرًا في الوعي التاريخي بشكل حقيقي. فضلًا عن العديد من الأمثلة المشابهة.

والعصور الحديثة لا تختلف من هذه الناحية عما حدث في الماضي، حيث أن المفاهيم والتجارب المختلفة للقومية خلقت فرصًا مختلفة. وفي وقت كانت فيه رياح القومية تدمر الإمبراطورية العثمانية، كانت الطورانية كنموذج متصاعد خيارًا لتركيا الجديدة. وعلى الرغم من أنه كان خيارًا ضروريًّا من الناحية النظرية بالنسبة للقومية التركية المعتمَدة، إلا أنه كان مستحيلًا من الناحية العملية. وذلك لأن النظام العالمي الذي تشكل في ذلك الوقت رسم حدودًا للجمهورية التركية، ولم يسمح باللجوء إلى هذا الخيار، وبالتالي لم يكن يسمح بتشكيل مركز قوة جديد عبر توحيد الشعوب التركية. كما لم يسمح بأي محاولة لإعادة تأسيس الاتحاد الإسلامي الذي كان ينتظره الانهيار الكامل في الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق ذاته، نجد أن الجمهورية التركية التي تأسست للتو كانت مقيّدة بقيدين سياسيين إلى جانب التقييدات الجغرافية العديدة؛ فلن تسعى نحو اتحاد إسلامي أولًا، ولا إلى اتحاد تركيّ ثانيًّا.

حتى أنّ حظرَ مصطفى كمال أتاتورك للطورانية على الرغم من تبنّيه الكامل للقومية التركية، لم يكن يتعلق بواقعية أتاتورك فحسب، بل أيضًا بالحدود السميكة التي فُرضت وأحس بها على جميع المستويات في ظل ظروف ذلك اليوم.

حين الحديث عن فشل الإمبراطوية العثمانية أو فكرة الاتحاد الإسلامي في ذلك، يعتقد البعض أن ذلك مرتبط بالأساس أو القاعدة التي صمدت من خلالها الدولة العثمانية طيلة 600 عام. بيد أن الدولة العثمانية كانت صاحبة نجاح مثبت وحقيقي في هذا الإطار، أما انهيارها فلا يتعلق بمشروع سيء أفشلها، بقدر ما يتعلق بكونها خسرت الحرب. وحينما نوصمها بالفشل بسبب خسارة الحرب فهو أيضًا نقاش غير مثمر، حيث أنها على الرغم من خسارتها الحرب، إلا أنها كانت قادرة على توحيد 72 دولة منتشرة في 3 قارات، وعلى حكمها بالعدالة وإدارتها بشكل نموذجي.

أما اليوم فنحن في نقطة مختلفة، وإن التقاء الدول الإسلامية واجتماعها بشتى المجالات يعتبر خطوة تساهم في تشكيل عالم مفيد وبديل مرة أخرى.

لا يمكن النظر إلى "منظمة الدول التركية" كبديل عن الاتحاد الإسلامين بل كخطوة متممة له، أو خطوة تسرّع الطريق نحو على الأصح.

إن تشكيل هذا النوع من المنظمات القائمة على التقارب المناطقي أو اللغوي بين الدول الإسلامية، يعتبر أفضل بكثير من ترك هذه الدول متفرقة دون تنظيم يلم شملها. لكن بالطبع يجب تعزيز وتقوية كل بلد من هذه البلدان على حدة من أجل الخروج بنتيجة ملموسة، كما يجب تحقيق تضامن فيما بينها كذلك كي تصبح أقوى.

لكن مع ذلك، لا ينبغي التفكير على الإطلاق أن المقاومة التي ظهرت في الماضي ضد هذ التكتلات/المنظمات قد اختفت أو ستختفي تمامًا. بل سنشهد مقاومة جديدة سواء عبر الداخل في كل دولة على حدة، أو عبر قوى أخرى.

وفي هذا الصدد نجد أن الكاتبة "سيفيل نوريفا" ليست مخطئة حينما تشير إلى المخاوف المحتملة لدى كل من روسيا والصين تجاه ذلك. ويمكن أن نضيف عليها كذلك الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي النتيجة هذا النوع من الاتحاد لن يمتنع عن المساس بالمحاصصات المستمرة التي فرضها النظام العالمي عقب الحرب العالمية الأولى، لأنه من المستحيل تأسيس عالم جديد أكثر عدلًا دون مساس تلك المحاصصات.

#منظمة الدول التركية
#تركيا
#سيزاي كاراكوتش
#ياسين أقطاي
#أذربيجان
#قره باغ
٪d سنوات قبل
منظمة الدول التركية التي أثارت حماس "سيزاي كاراكوتش"
وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في إنقاذ ترامب
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية