|
افعلوا ما شئتم فلن تستطيعوا تغيير حقيقة الانقلاب

التاجر المفلس ينظر في دفاتر حساباته القديمة، لعله يجد دَيناً يحصله، وإن لم يستطع إنقاذ نفسه يكون هذا بمثابة عزاء له. إن مرتكبي الجرائم الكبيرة أملاً في تحقيق مكاسب كبيرة إما أن ينجوا بفعلتهم فيشيدوا عالماً لأنفسهم أو يقبض عليهم فينزلوا إلى الحضيض ويخسروا كل ما لديهم، لكن الوضع أسوأ لمن قاموا بجريمة الانقلاب، فالانقلاب جريمة تحتوي شتى أنواع الجرائم مالم يتكلل بالنجاح، فإن نجح تلغى كل هذه الجرائم ولا يبقى لها اعتبار، وهذا بالضبط ما يجعل الانقلاب مغرياً وجاذباً، فبغض النظر عن مدى كون الانقلاب جريمة غير أخلاقية بحد بذاته ، أو باحتوائه على كل الجرائم غير الأخلاقية يمكن للانقلابين أن يفسروا كل جرائمهم وأكاذيبهم على أنها خطط استراتيجية وخطوات ذكية وأن يظهروا أنفسهم كأبطال.

معظم الحكام ، المعروفون بالأبطال والمنقذين في أنحاء كثيرة من العالم ، هم في الحقيقة لصوص محترفون وخونة وكذابون وعديمو الأخلاق، لأنهم في الواقع انقلابيون، لكن هذه السمات غير معروفة عنهم لأن انقلابهم كان ناجحًا وهم يعيدون كتابة التاريخ بأكمله.

في حالات الانقلابات الفاشلة ، يكون الأمر مأساويًا للانقلابين. إذ تنكشف خيانتهم وجرائمهم وأكاذيبهم وجشعهم على حقيقتها فليس لديهم ما يقولونه ولا حجج للدفاع عن أنفسهم. لأن كل شيء ظاهر للعيان.

في 15 يوليو / تموز، تم القبض على الانقلابين متلبسين ، لقد حاولوا بكل خبثهم وجشعهم تدمير البلد ورغم كل الاستعدادات السرية التي قاموا بها لفترة طويلة فقد تم إلقاء القبض عليهم ورأى الجميع وعرفوا ما فعلوه، في البداية ولفترة طويلة ، لم ينبس أحد ببنت شفة لا المقربين من الانقلابين ولا البعيد عنهم، وفي الأيام الأولى لم يصدر حتى بيان من جماعة تنظيم غولن الإرهابي ينفي مسؤوليتهم عن الانقلاب الذي اتهموا به. في ليلة 15 يوليو / تموز ، دعا زعماء تنظم غولن الإرهابي الناسَ علانية إلى عدم الخروج إلى الشوارع لإيقاف الانقلاب، بل طلبوا من الناس أيضاً الاستسلام.

لكن، مع مرور الوقت ، تحول الأمر إلى مسألة دفاع عادي، من ناحية أخرى بدأ الدفاع يتمسك بأدنى دليل أو حجة أو شبهة بأمل كبير. هذه دائماً أكثر أشكال الدفاع المألوفة في القضايا الجنائية.

حتى أن هناك شخصاً تم القبض عليه متلبسًا ممسكاً بالسلاح الذي ارتكب به جريمته أمام الجميع، في تلك اللحظة طلب محامياً له، عندما سمعه الحاضرون قالوا له: "ماذا يمكن لمحاميك أن يفعل لك وأنت في هذه الحال؟". فقال: "في الحقيقة أنا أيضاً يعتريني الفضول بشأن هذا، كيف يمكن للمحامي أن يدافع عني في هذا الموقف؟"

أعتقد أن مدبري الانقلاب في 15 يوليو / تموز لم يتساءلوا في البداية كيف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم في ذلك الوقت، لم يكن لديهم استعدادات لكتابة تاريخ ما بعد الانقلاب بأنفسهم لأنهم كانوا واثقين من نجاحه، لكن مع مرور الوقت شرعوا في ابتكار حيل وطرق الدفاع عن أنفسهم في مثل هذا الموقف.

كان "الانقلاب المخطط له" أكثر حجة دفاعية تشبثوا بها، حسنًا حتى لو تم تنحية كل الأسباب والوقائع ووضعها جانبًا وافترضنا صحة مسألة التخطيط هذه، فإن هذا يشير إلى أن الطرف الذي تعرض للانقلاب ـ أي الحكومةـ كان على علم مسبق بأولئك الذين حاولوا الانقلاب واستعدوا له مسبقًا. وهذا لا يبرر الانقلاب ولا يبرئ أصحابه. في النهاية فقد حدثت تلك الخيانة هناك في أوضح صورها وعلى مرأى الجميع.

من وقت لآخر ، كان أعضاء تنظيم غولن الإرهابيون ينبشون الدفاتر القديمة ويتصرفون كما لو أنهم قد حصلوا على دليل كبير يتعلق بالانقلاب المخطط له.

ما هذ( هذا الدليل بزعمهم) ؟ في تلك الليلة ، أثناء اتصال الرئيس بـ CNN Türk ، تم الاتصال من هاتف نوح يلماز بهاتف هاندا فرات، لقد سعى أعضاء تنظيم غولن الإرهابي وأعضاء حزب الشعب الجمهوري خلف هذه المعلومات بأمل كبير وكأنهم توصلوا إلى دليل قاطع سيغير الموازين. إذا اتصل نوح يلماز بهاند فرات في تلك الليلة أو قابلها في اليوم السابق ، فهذا استنتاج رائع يوضح أن كل شيء معروف مسبقًا وأن كل شيء مخطط له. إن هذا الاستنتاج مشابه تماماً لمن قال لابنته بعد أن قيَّد أرجل الأرنب وأمره أن يمشي فلم يمشي: " نسنتج أن الأرنب إذا ربطت أرجله يفقد حاسة السمع".

في تلك الليلة أردت الاتصال شخصيًا بالعديد من القنوات التلفزيونية والتواصل معها قبل وبعد وصولي إلى البرلمان التركي.

أستميحكم عذراً ولكن ، ما الذي يفترض لمن تعرض للانقلاب أن يفعله في تلك الليلة سوى أن يحشد كل إمكانياته في تلك الليلة ليستطيع المقاومة واتخاذ التدابير اللازمة؟ أليس هذا ما يجب أن يُفعل بطبيعة الحال؟

هناك بعض القنوات التلفزيونية تمكنت من الاتصال بها وبعضها لم أتمكن من الاتصال بها. اتصلت أيضًا بـ قناة سي إن إن ترك وانضممت إلى البث المباشر ، وقلت: إن الانقلابيين "سيعودون أدراجهم خائبين كما جاءوا".

الآن سأسألكم سؤالاً: هل قلت هذا الكلام لمعرفتي مسبقًا أنهم سيعودون، أم بدافع إرادتي للمقاومة وإيماني بأننا سنفوز؟

أعتقد أنني كنت آخر شخص اتصل بـ سي إن إن ترك قبل أن يسيطر الانقلابيون على القناة ويقطعوا البث ، وقد تم قطع اتصالي من قبل مدبري الانقلاب.

ألم يقل عمر المختار للضابط الإيطالي الذي أظهر له نقوداً رومانية وجدها في ليبيا ليقنعه أن ليبيا أرض إيطالية: "يمكنك أن تجد الكثير من النقود الفينيقية والإغريقية ومن كل الحضارات مقبورة في رمال ليبيا فلا تحاول شراء الكثير بها فهي لم تعد صالحة"

مهما جئتم بحجج واهية فلا يمكنكم تغيير حقيقة أن 15 يوليو كان انقلابًا غادرًا ، ولا التقليل من قصة الشعب التي تصدى له بقوة وعزيمة.

#الانقلاب
#ياسين أكتاي
٪d سنوات قبل
افعلوا ما شئتم فلن تستطيعوا تغيير حقيقة الانقلاب
هجوم أصفهان
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى