|
قضية الحجاب والعلويين.. بين نمطين من السياسة

اتخذت جبهتا الحكومة والمعارضة، الأسبوع الماضي، خطوتان في آن واحد، حيث أتيحت الفرصة لنا رؤية ومقارنة الأسلوب الخاص للسياسة التي يتبعها كلا الطرفين.

وفي هذا الصدد، أطلق زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو تصريحات حول قضية الحجاب، حيث اُعتبر تحدثه عن هذه المسألة غريبًا، ولا سيما أنها باتت بمثابة موضوع قد عفا عليه الزمن في وقتنا الحاضر.

من جهة أخرى، حل حزب العدالة والتنمية قضية الحجاب خلال العشر السنوات الماضية، حيث خاض الحزب معركة شرسة مع حزب الشعب الجمهوري بخصوص هذه المسألة. لذلك خروج كليجدار أوغلو وحديثه عن حل مسألة الحجاب يعتبر خارج السياق وعديم الفائدة وغير مناسب في وقتنا الحاضر.

وعلى الرغم من ذلك، يجب علينا أن نعترف بأن بهذا الخروج كان له القدرة لأول مرة على تشكيل حالة من التشويش على عقول الناس.

ويُفهم من خروج كليجدار أوغلو أن مصدره الحاجة إلى تقديم الضمانات للشعب والدفاع ضد انعدام الثقة الكبيرة التي خيمت على كليجدار أوغلو وحزبه. لقد كان ذلك ردًا دفاعيًا من رئيس حزب الشعب الجمهوري على المخاوف الكبيرة التي تسيطر على الشعب بأن حزب الشعب الجمهوري لن يتردد في فعل ما كان يفعله في الماضي إذا وصل إلى السلطة.

وعندما كان يلقي تلك التصريحات، حاول تهدئة مخاوف المحافظين ولكنه تسبب .إظهار وكشف النوايا داخل حزبه

وقبل اتهام كليجدار أوغلو بعدم المصداقية من قبل المحافظين، كانت ردود فعل أعضاء حزبه بمثابة تبريرات لجميع مخاوف المحافظين. وسرعان ما تم تداول جميع التصريحات والكلمات التي أدلى بها الأشخاص المؤهلين خلال الفترة المآساوية لقضية الحجاب.

وسمعنا مرة أخرى حديثهم وتصريحاتهم حول الفرق بين الحجاب والنقاب والتي أصبحت من الأمور المنسية لدينا، وسمعنا مرة أخرى الاستهزاء والإهانات التي كانت تطلق في الماضي حول طريقة لف الحجاب وضغطه على الرأس من قبل السياسيين والأكاديميين والصحفيين التابعين لحزب الشعب الجمهوري.

ويتضح أن أعضاء حزب الشعب الجمهوري يتحملون بصبر أن قضية الحجاب لم تعد تمثل مشكلة نتيجة التطبيع الذي تحقق في المجتمع خلال العشر سنوات الماضية. ويعتقدون، بكل تكبر وغطرسة، أن الحرية التي يعيشها هذا التطبيع هي حالة مؤقتة سيتم تصحيحها في النهاية.

وعلى الرغم من كل الأحداث التي عاشها الناس، وكل الصفعات التي تلقوها، إلا أن حزب الشعب الجمهوري ما زال متمسكًا بعقليته القديمة ولم يعقل بعد. وإلى الآن لا يرون القضية على أنها قضية حقوق وحريات أساسية لا يمكن اقتراح مناقشتها أو النظر فيها. ما زالوا لا يدركون أن حظر الحجاب في بلد مسلم يعتبره الشعب احتلال وعداء للإسلام.

وإذا نظرنا إلى كل التصريحات والأقاويل التي أُطلقت، نرى أنه من الجرأة الكبيرة أن يقوم كليجدار أوغلو بمثل هذا الخروج ضد أعضاء حزبه.

ومن المفهوم أن الترتيبات الدستورية التي ستمنع حزب الشعب الجمهوري من إلحاق الأذى بالبلد وحمايته من الآثار السلبية المحتملة التي سيقوم بها حزب الشعب الجمهوري أمر ضروري، وربما يحاول كليجدار أوغلو تقديم هذه الضمانات.

وبعد تصريحات كليجدار أوغلو، جاء بيان الرئيس أردوغان عن العلويين، حيث تم التأكيد على أن الأعمال، التي بدأت منذ فترة طويلة وتم الإعلان عنها قبل أيام، قد وصلت إلى نتيجة.

العلويون في تركيا لديهم مطالب، والتي تم التعبير عنها بكثرة في فترة التسعينيات على وجه الخصوص. بالماضي مُنع العلويون حتى من التعبير عن أنفسهم على أنهم علويون. وهذا ما قدمه حزب الشعب الجمهوري للعلويين، الذين اعتبرهم مستودعًا للأصوات وقام بتهميشهم وإنكار هويتهم وتجاهل معتقداتهم وتقاليدهم بشكل كامل، وتطبيق عمليات الاستيعاب العلماني عليهم.

وبسبب تطبيق سياسة الاستيعاب بحقهم، بدأ العلويون، منذ ثمانينات القرن الماضي، في البحث عن هوياتهم ومعتقداتهم ،للتعبير عن أنفسهم وتشكيل المجتمع الخاص بهم. وكانت هذه عملية موازية لاكتشاف الهويات الدينية والثقافية التي تطورت بالتوازي مع الهجرة السريعة والتوسع العمراني في تركيا والعالم.

ولم يعد هناك شيء يمكن التغاضي عنه وفقا لتصريحات أطلقها رئيس تركي سابق: "لم يكن هناك أحد من قبل، من أين جاء العلويون، من أين جاء الأكراد، من أين جاء الحجاب"

من جهة أخرى، تطرح الديناميكية الاجتماعية دائمًا مشاكل ومطالب جديدة وتضعها أمام السياسي. وتكمن مهمة السياسي في محاولة فهم هذه المطالب الجديدة وتلبيتها. والأطراف التي لا يمكن تلبيتها من قبل السياسي إذا كانت مسألتهم تتضمن تعدي على حقوق الآخرين.

لكن ما هي حقوق الأتراك التي يمكن أن تكون مطالب العلوين والسنة والأكراد بمثابة تعدي عليها.

ويمكننا القول أن إدارة الجسد السياسي بشكل جيد تنظر إلى كل تلك المطالب الاجتماعية وتلبيها.

واحدة من أهم المشاكل هي أن شرائح مختلفة من المجتمع تشترط مزاعمها الخاصة بانتهاك حقوق الآخرين. حظر الحجاب هو مطلب بالنسبة لهم ولا يمكن تحقيقه دون انتهاك حقوق وحريات الآخرين.

لكن الأخطر من ذلك في هذه المرحلة هو أن أولئك الذين يطالبون بحظر الحجاب يمكنهم أن يروه حقًا بالنسبة لهمحيث يقوم من خلال ذلك بفرض قيود على حقوق الآخرين. وهذه إحدى الحقوق الغريبة التي تكمن في فرض قيود على حقوق الآخرين. وبكل تأكيد لا يوجد شيء من هذا القبيل. لكن السياسات التي ينفذها حزب الشعب الجمهوري كانت ترى دائمًا أن لديها الحق في تحديد دين المواطن وثقافته ومعتقده ووعيه التاريخي وملابسه. ومارس هذا الحزب جميع أنواع حقوق الاستبعاد ضد المعارضين لتلك السياسات.

ولمدة 80 عامًا، كان العلويون والأكراد والمحجبات ضحايا هذه العقلية والسياسات. أما حكومة حزب العدالة والتنمية لبت متطلبات (العلويين والأكراد والمحجبات) ومنحتهم الحق في التعبير عن هويتهم الخاصة.

السياسة التي يتبعها حزب العدالة والتنمية خلال حله لتلك المشكلات أظهرت وبينت للعلن الفوارق والاختلافات بينه وبين عقلية وسياسة حزب الشعب الجمهوري.

فبدلًا من تجاهل أولئك الذين لديهم مطالب اجتماعية وممارسة الضغوط عليهم وفقًا لتعريفات وتصنيفات تتناسب مع عقليتك، استمع إليهم وحاول الاستجابة لمتطلباتهم.

لذلك نجد أن حزب العدالة والتنمية لم يتحدث عن العلويين ولم يحاول فرض عقليته الخاصة وتعريفاته عليهم، بل على العكس تحدث معهم واستمع إليهم وحاول التعرف على مشكلاتهم وفهمهم كما هم يصفون ويعرفون أنفسهم.

بالمقابل، لم يقوم حزب الشعب الجمهوري وحكومة الحزب الواحد بالاعتراف بالعلويين والأكراد والمحجبات وفقًا لتعريفاتهم الخاصة، بل فرض عقليته عليهم. ونرى اليوم النتيجة التي خلفتها تلك السياسة.

وسأتحدث فيما بعد عن الطريقة التي تم بها التوصل إلى هذا الاستنتاج.

#الحجاب
#الحجاب في تركيا
#الأكراد
#الأتراك
#العلويوين
#ياسين أكتاي
1 عام قبل
قضية الحجاب والعلويين.. بين نمطين من السياسة
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا