|
دروس من تحت الأرض


تركت كارثة انفجار منجم التعدين، في منطقة "أماسرا" بولاية بارطن، جراحًا لا تندمل داخل 41 منزلاً. ومنذ اللحظة التي سمعنا بها عن الحادث شعرنا كأمة بألم وحزن ودهشة الكارثة. وشاهدنا كيف أنّ طاقة ومعنويات الجميع قد انخفضت بسبب هذه الكارثة.وخلال الأيام الماضية، انتشرت صور الحادثة بكثرة بين الناس وفي كل مرة يتم الحديث عنها يبدو أن هناك قانونًا وطنيًا يحضر.

وبكل تأكيد إن من مثل هذا النوع من الحالات، يمثل الكثير من المتاعب والقلق لذوي ضحايا الحادث. لكن ربما مشاركتهم المشاعر لتخفيف الآلام سيخفف من حدة المعاناة.

الجراح لا تندمل عند ذوي الضحايا، وهذا النوع من المعاناة على رأس أجندة بلد بأكمله وتسبب للجميع بالآلام. ولنتقبل الأمر ونواجهه من مكان مختلف. إلى متى سيستمر الآخرون في الشعور بهذا الألم وسط الأجندة العالمية الغزيرة والمنشغلة ؟

إذا لم يتم الكشف عن سبب هذه المشاكل والحوادث ونسيانها، فهل يمكننا منع حدوث كوارث أخرى عبر الاستفادة من التجارب والدروس السابقة؟ ماذا جرى بعد كارثة المناجم التي وقعت في مناطق صوما وإرمينك وشيرفان؟ حيث أن العائلات ما زالت تعاني من آلامها.

وبكل تأكيد الحياة استمرت بالنسبة لذوي الضحايا، لكن كيف استمرت؟ وماذا حدث لأمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم وإخوتهم خلال هذه الفترة، هل أحدكم يعرف كيف؟

وقعت كارثة منجم شيرفان قبل 6 سنوات. وكتبت حول الحادثة حينها: "أشهد نهاية العالم (القيامة) على نطاق صغير في منجم شيرفان".خلال هذه الكارثة التي وقعت، تشعر بمدى تفاهة ما يحدث في بقية العالم، وكيف يتحول إلى أشياء فارغة وبلا معنى.

بينما يعيش الناس وسط هذه الكارثة الكبيرة، حتى أقرب الأشخاص إليهم لا يشعرون بهذه المعاناة إلا قليلًا.

يوجد لديهم مثل هذه القناعة ومع ذلك، فمن الملاحظ أن هذه القناعة لم تضع بالحسبان الكارثة الكبيرة التي شعر بها أثناء انتظار أحد أقاربه ليكون قادرًا على إخراجه حيًا من تحت الأرض، وإن كان احتمال إنقاذه ضعيف جدًا.

نسميها التدابير اللازمة والأمن الوظيفي، وفي كل مرة نتذكرها ونكررها .ولكن في المرة التي نتذكرها بها، يتم تذكر عشرات الأشخاص الذين لقوا حتفهم ودفعوا ثمن حياتهم مقابل تدابير لم يتم اتخاذها. يبدأ تذكرهم كنوع من المعاناة، ثم يتحولون إلى مجرد أرقام، ونعود مرة أخرى لعدم اتخاذ تدابيرنا اللازمة لمنع مثل هذه الكوارث.

بالمقابل، الحذر هو أخ القدر. وربما تُتخذ كافة التدابير اللازمة. وقد أدرج التشريع ونصّ على اتخاذ التدابير اللازمة لكافة التفاصيل والنشاطات والظروف. وقد يؤدي السعي وراء هذا التشريع إلى عجز بشري غير متوقع في مكان ما خلال مواجهة ثقافتنا في اتخاذ التدابير.

قد تكون هناك تدابير صغيرة تُهمل تحت فكرة التسليم والرضا بإنه لم يحدث شيء حتى الآن لذلك لن يحدث شيئ فيما بعد. وفي تلك اللحظات بالذات يقع كل شيء غير متوقع ولم يكن بالحسبان.

إذا لم تتعرض لحادث من قبل فهذا لا يعني أنك محصن ضد الحوادث. وحتى لو لم ترتكب من قبل أخطاء، فعليك التعلم من أخطاء الآخرين وأخذها في عين الاعتبار.

إن ثقافة الإهمال والتجاهل هذه، والتضحية بمتاعب اتخاذ التدابير من أجل الراحة، لا تزال ترافقنا بنفس اللامبالاة في حركة المرور وبكل أمور حياتنا، ليس فقط في انفجارات مناجم التعدين.

ما زالت التحقيقات لمعرفة سبب الانفجار مستمرة، وفي الحقيقة، لا أحد من الذين صرحوا يعرف ما حدث بالضبط.

مجال التعدين هو مجال مجهول وبالتالي لا يمكن منع المخاطر المحيطة به تمامًا. ولكننا نفترض مستوى متقدم نسبيًا من الوعي الذي توصلنا إليه بشأن اتخاذ التدابير اللازمة لدرء المخاطر.

ولا يمكننا قبول بأن حوادث التعدين هذه تودي بحياة الكثيرين، لأننا أصبحنا أكثر تطورًا من الناحية التقنية، وبلدًا أكثر تقدمًا من قبل. ولعل الغضب من هذه الحوادث يرجع إلى عدم توافق هذه الحوادث مع ادعاء التطور هذا.

بالطبع، حساب الله تعالى فوق كل الحسابات، وقدره فوق كل شيء، ولكن إذا كان اعتقادنا هذا يقودنا إلى أدنى قدر من الرضا في اتخاذ التدابير اللازمة في المرة القادمة، فمن الضروري أن نعرف أنه لا يحق لأحد أن يرمي المسؤولية على الله سبحانه وتعالى.وبكل تأكيد هذا الشيء ليس إيمانًا بالقدر.

ولو كان الأمر كذلك، فسيكون من المستحيل تحميل أي شخص المسؤولية عن الحادث، ولن تكون هناك جريمة ولا عقوبة. من جهة أخرى، إذا كان هناك خطأ ما وقع فهناك مسؤول يتحمل وقوعه، ولا توجد هناك عدالة إذا لم تكن هناك مساءلة.

وفي هذا السياق، فإن الأمثلة العظيمة للبطولات التي ظهرت بعد كل حادث من حوادث انفجار المناجم تخبرنا كيف نشأت الشهامة بين هؤلاء الأشخاص الذين تربطهم وحدة المصير تحت الأرض.

تظهر هذه الأمثلة بعد كل حادث انفجار منجم ويقولون إن عمال المنجم يمتلكون قلبًا شجاعًا وشهامة كبيرة لأنهم يضحون بأنفسهم من أجل أصدقائهم ويحملون أعباء بعضهم البعض وأعباء الإنسانية بتضحياتهم الكبيرة. محاولين أن لا يكونوا عبئًا على الآخرين.

عندما نموت أو نشهد موت أحد أصدقائنا، يجب أن يكون لهذه الأمثلة تأثيرات محفزة لنا ضد العديد من مناقبنا المفقودة.

هذه الضحايا والشهادات تضع دين كبير على عاتقنا وتصفعنا على وجوهنا لنتعلم دروس في المسؤولية والقليل من تأنيب الضمير.

#منجم بارطن
#انفجار منجم تركيا
#ياسين أكتاي
#أردوغان
2 yıl önce
دروس من تحت الأرض
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات