|

مقتنيات الجزازي التراثية.. جواز سفر عبر الماضي الأردني

المقتنيات توارثتها عائلته جيلاً بعد جيل، وتضم فانوس الزّيت وقنديل بيت الشعر وهاون ومحماسة لتحميص القهوة والمبهاش وغير ذلك من الأدوات القديمة

09:51 - 8/08/2022 الإثنين
تحديث: 17:26 - 8/08/2022 الإثنين
الأناضول
مقتنيات الجزازي التراثية.. جواز سفر عبر الماضي الأردني
مقتنيات الجزازي التراثية.. جواز سفر عبر الماضي الأردني

"هذه الأشياء هي جواز سفري".. كلماتُ اختزل بها الأردني يوسف الجزازي كلّ الكلام، واختصر بها طول الحديث، مُعبّراً من خلالها عن عمق ارتباطه بمقتنياتٍ تراثية توارثتها العائلة عبر الأجيال.

في منزله الواقع في مدينة السّلط غرب العاصمة عمّان، اختار الجزازي (71 عاماً) أن يعرّف عن هويته من خلال أدواتٍ ومقتنيات، يحرص منذ عقودٍ على الاحتفاظ بها.

ما لبثت هذه المقتنيات أن باتت بمثابة عرضٍ واقعيٍ لتاريخٍ عاشَه، وشاهدٍ حيٍّ يُدلّل فيه على نقلةٍ نوعيةٍ ينعمُ بها جيل الحاضر.

لا يخلو ركنٌ في المنزل من قطعة معلّقة على الجدار أو موضوعةً على الأرض من مقتنيات الجزازي، التي لم يأتِ بأيٍّ منها من الخارج، فجميعها موروثٌ عائليٌّ خاص.

لم يحصر السّبعيني الأردني تلك الأشياءَ في مكانٍ واحد، بل وزّعها وفق تنسيقه الخاص، وبطريقةٍ تخلقُ لزائره شغفَ الوصول إلى النهاية دون أن يُدركها، ففي كل زاوية شيءٌ جديد، وفي قرارة نفسه يقول هل مِن مزيد!

هواية الجزازي لم تأتِ عبثاً أو بمحض الصّدفة، فحبّه للفنون الجميلة التي اختار أن يدرسها بإيطاليا عام 1970 وعاد دون أن يُكملها بسبب مرض والده، كانت دافعاً كافياً له للتشبّث بأطلال الماضي، وفق ما روى لمراسل الأناضول.

تواجه الزائر أرقامُ مركباتٍ قديمةٍ مثبتة على الجدران، وبالقرب من موقف سيارته الخاصة، يُشاهدها كلّما أراد الخروج أو العودة، لتذكّره بتاريخ جدّه ووالده، فهما من كبار ملّاك قطاع النقل من مدينته إلى باقي محافظات المملكة.

29 حافلةً لنقل الركّاب داخل المملكة، وأخرى من عمّان إلى القدس ورام الله ونابلس، وخط لنقل المسافرين من الشّام إلى عمّان ثم إلى القدس، شكلت معاً أسطول عائلة الجزازي في النصف الأول من القرن الماضي.

أرشيفٌ غنيٌّ من الصور التاريخية كان يستعرضها أمام كاميرا الأناضول، كان من بينها قوافل حجيج إلى الديار المقدّسة، وأخرى لنقل المعلمين من بلاده إلى السعودية عام 1962، فوالده كان يحرص على الرحلة الأخيرة بسبب حبه للعلم والتّعلم، حسب ما يقول.



قرّر الجزازي أن يغير تلك المهنة، فتحوّل إلى قطاع معاصر الزيتون، التي يحرص على الصناعة التركية منها، فهو زبونٌ دائمٌ لمصانعها في إزمير، على حدّ قوله.

ولكنه لم يتخلّى عن أي قطعة كانت تخصّ قطاع النّقل، فهي من ضمن المقتنيات التي ما زال يحتفظ بها لأقدم الحافلات التي مرّت بتاريخ المملكة على الإطلاق، كمقياس الزيت المصنوع من التنك، وزماميرها الأشبه بأبواق موسيقية، كان سكان العاصمة يسمعون أصواتها من أبعد الأماكن.

وفي غرفة أخرى، يحتفظ الجزازي بطناجر مختلفة الأحجام مصنوعة من الألمنيوم والنّحاس، كان جدّه ووالده يقدمون الطعام بها لمن يحتاجونه دون أدنى تأخير، لأنهم عرفوا منذ قديم الزمان بأنهم "يطعمون الزّاد"، وفق تعبيره.

فانوس الزّيت وقنديل بيت الشعر ولَكس الشّمبر، جميعها مسمّياتٍ محلية لأدواتٍ كانت تستخدم للإنارة، تحتلّ مكاناً خاصاً لمقتنيات الجزازي، إضافةً إلى غرابيل القمح والشعير، وسكك الحراثة على الدّواب، وقَدّوم (أداة لقطع الأخشاب والشجر).

ومن بين المقتنيات أيضاً، فرنُ طابون (مصنوع من الصلصال) لصناعة الخبز، وزجاجة كبيرة الحجم يُطلق عليها قنينة زيت ألفين (أو ألفيّة)، تتسع لنحو 48 كغ من زيت الزيتون الذي كان يُحفظ داخلها، كتب عليها الجزازي "عدم اللمس"، حرصاً على عدم كسرها وفقدان أحد مورثاته.

وإلى جانب كل ذلك، يوجد في المكان هاون ومحماسة لتحميص القهوة والمبهاش الأردني القديم، وعدد من دِلال القهوة النحاسيّة، ومدقّة يدوية لهرس اللحوم، وغيرها الكثير.

إلا أن أقدم الأشياء على الإطلاق، كان الجزازي يحتفظ به داخل المنزل، وهو آلة بيانو مصنوعة عام 1852، والذي بيّن بأن العائلة تتجمع حول حفيده لسماع عزفه عليه، وراديو خشبيّ مصنوع في بدايات القرن الماضي.

لم يُخفِ الجزازي فخره بجمع تلك الأشياء والاحتفاظ بها، ويقول للأناضول: "من الجميل أن يحافظ الإنسان على ماضيه، فبلا ماضي ليس لك أي حاضر".

#الأردن
#الأردني يوسف الجزازي
#السلط
#المقتنيات التراثية
٪d سنوات قبل