رابعًا: لو كان اضطهادا دينيا، لما راعى محمد الفاتح مشاعر المسيحيين حتى وهو يحول الكنيسة إلى مسجد، حيث أنه لم يغير معالمها البيزنطية، وأبقى على الصور الموجودة على الجدران، غير أنه غطاها بالجير حتى لا تظهر الصور تماشيا مع التعاليم الإسلامية، وإلى اليوم توجد هذه التصاوير على جدرانها، وليس هناك من تفسير لإبقائها سوى المحافظة على مشاعر المسيحيين، وهذا لا ينسجم مع مزاعم الاضطهاد الديني بأي حال.
ثانيًا: آيا صوفيا وأردوغان:
لا يخفى أن الغرب منزعج بسبب مساعي القيادة التركية الحالية لإعادة متحف آيا صوفيا إلى سابق عهده كمسجد، والسبب هو أن المسجد يعيد للأذهان الهزيمة البيزنطية أمام الدولة العثمانية التي توغلت في أوروبا، ومن ثم كانت المناشدات للحكومة التركية للتخلي عن هذه الفكرة، بزعم أنها تؤجج مشاعر الغضب لدى المسيحيين.
لكن الأكثر غرابة من ذلك، أن العرب المسلمين الذين يفترض فيهم أن يستبشروا ويفرحوا بخبر عودة هذا المسجد التاريخي، يقف بعضهم موقفا سيئا من هذا المشروع، ويكيل الاتهامات للقيادة التركية أنها "تستغل العاطفة الدينية لتحسين صورتها" في أي استحقاقات انتخابية قادمة، وللتغطية على "فشلها" في إدارة بعض الملفات كما يزعمون.
تجاهل هؤلاء جميعا، أن الحكومة التركية لا تحول كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وإنما تعيد متحف آيا صوفيا إلى مسجد كما كان طيلة ما يقرب من خمسة قرون، فالقيادة إذن لم تعتدِ على مشاعر المسيحيين، لأنها تعاملت مع متحف، ولم تتعامل مع كاتدرائية.
الأمر الثاني الذين تجاهلوه عن عمد، أن تحويل هذا الأثر التاريخي إلى مسجد، هو شأن تركي داخلي، وأي محاولة لإثارة المشاكل حول ذلك تعتبر من قبيل التعدي على السيادة التركية، والأمر متروك في النهاية للهيئة القضائية، فتركيا دولة مؤسسات، لا تتم فيها مثل هذا الإجراءات بقرار شخصي منفرد عن الطبيعة المؤسسية للجمهورية التركية، والشعب التركي وحده من له الحق في وقف هذا الإجراء عن طريق مؤسساته التي تنوب عنه، أو عن طريق صناديق الاستفتاءات إن وُجد ذلك.
وعلى من يتعاملون مع آيا صوفيا على أنها كنيسة بيزنطية، أن ينادوا بعودة كل المساجد التي تم تحويلها إلى كنائس ومعابد، فلينادوا إذن بإعادة مسجد قصر الحمراء في مدريد بعد أن تحول إلى كنيسة سانتا ماريا.
ولينادوا بإعادة مسجد المردوم في طليطلة بعد أن تحول إلى كنيسة نور المسيح، ثم إلى مزار سياحي.
ولينادوا بإعادة مسجد إشبيلية الذي تحول إلى كنيسة ماريا، ثم إلى كاتدرائية، وإلا فإن كل شراستهم بالاعتراض على هذا القرار التركي، ما هو إلا محض كيد سياسي، لا أكثر.