|

من يدعم صفقة القرن ولماذا؟

- خطة ترامب ليست فقط اقتراحا عنصريا، ولكن واقع خطير يمكن أن يتحقق من قبل واحدة من أكثر بلدان العالم الخارجة عن القانون

12:36 - 20/02/2020 الخميس
تحديث: 13:02 - 20/02/2020 الخميس
الأناضول
من يدعم صفقة القرن ولماذا؟
من يدعم صفقة القرن ولماذا؟

أثارت خطة السلام الأمريكية المزعومة المعروفة بـ "صفقة القرن" والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً في مؤتمر صحفي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نقاشًا محتدمًا.

وقد عُرضت "صفقة القرن" بهدف إضفاء الشرعية على الواقع الخارج عن القانون، الذي تم خلقه بالقوة، وشرعنة الاحتلال، والدفع بالوضع الإقليمي إلى مزيد من الفوضى.

وتتألف خطة السلام المزعومة من جزأين: "إطار سياسي" و "إطار اقتصادي"؛ وبموجب الخطة، تربط الجسور والأنفاق دولة فلسطين وأراضيها ببعضها البعض، الأمر الذي من شأنه أن يجعل البلاد مجزأة، وغير قابلة للحكم.

وستترك القدس بالكامل لإسرائيل ويعترف بها كـ "عاصمتها غير القابلة للتجزئة"؛ وبالتالي، فإن مساحة الأراضي في الضفة الغربية سوف تتقلص من 95% إلى حوالي 75%.

وسيتم تجاهل قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 تماما، وتجريد حوالي ستة ملايين لاجىء فلسطينى من حقهم في العودة، بينما سيتم الحفاظ على وجود مستوطنات يهودية فى الضفة الغربية.

وأحد الشروط الأولية للخطة المقترحة من أجل الاعتراف بحماس كمحاور في غزة هو تخليها عن الكفاح المسلح.

وبالتالي، فإن أدنى فرصة لهذا البلد للعمل بشكل مستقل تتلاشى تمامًا لأنه في نهاية هذه العملية، يُترك مفككًا، معتمدًا تمامًا على إسرائيل في السياسة الخارجية وبدون جيش.

كذلك تشكل هذه الخطة التي روج لها ترامب أمام الجمهور الدولي باعتبارها "الفرصة الأخيرة لفلسطين"، تهديداً للفلسطينيين، وقد تنتهي بهم للتمرد.

ومن المفيد التذكير بأن هذه الخطة ليست مشروعا عنصريا أيديولوجيا فحسب، بل هي أيضا اقتراح خطير يمكن أن تحققه واحدة من أكثر البلدان الخارجة على القانون في العالم، بما لها من عواقب وخيمة في نهاية المطاف.

ولكي نفهم كيف سيتكشف الوضع في فلسطين في سياق الخطة، علينا أن ننتظر ونرى نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 2 مارس / آذار.

ومن المعروف أن هناك خلافًا معينًا حول "جدول ضم الأراضي الفلسطينية" بين السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان وصهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، حيث يكره الأخير السلطة الفلسطينية بشكل خاص.

بينما يريد السفير فريدمان المضي قدما في عملية الضم في أقرب وقت ممكن لضمان إعادة انتخاب نتنياهو. ومع ذلك، يفضل كوشنر تأجيل الضم في الوقت الراهن من أجل الحصول على المزيد من الدعم للخطة من الدول العربية.

وفي النهاية، أسفرت اقتراحات كوشنر لنتنياهو عن قرار تأجيل الضم إلى ما بعد انتخابات 2 آذار/مارس.

وكانت تركيا وإيران، هي الدول التي أبدت أقوى معارضة لهذه الخطة، إذ يمكن لها أن تغرق الشرق الأوسط في فوضى غير مسبوقة.

وقد ذكرت تركيا أن الخطة تهدف إلى تدمير حل الدولتين ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وأعلنت أن القدس "خطها الأحمر"، وتبنت موقفا سياسيا قويا.

ومع ذلك، وخلافا للاعتقاد السائد، فإن الذين يؤيدون هذه الخطة ليسوا قلة، إذ تؤيد بلدان كثيرة الخطة لكن بدرجات متفاوتة.

من ألمانيا إلى الإمارات وفرنسا والسعودية، ما هي الدوافع وراء الدعم الظاهر والخفي لهذه الخطة؟ كيف حصل مثل هذا القرار الفاضح والخارج عن القانون على هذا القدر من الدعم؟

** العالم العربي

أولاً، علينا أن نتذكر أننا نواجه شكلاً جديداً من الجغرافيا السياسية العالمية وسياسات الشرق الأوسط التي بدأت خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ثم أصبحت واضحة بشكل كبير في عهد ترامب.

في هذا العصر الجديد، تُركت قضية فلسطين في الأصل من حيث أهميتها، وانخفضت التوقعات والتدابير المتعلقة بالقضية.

فبالنسبة للقوى العالمية والإقليمية على السواء، أصبحت قضية فلسطين الآن مسألة ثانوية؛ ونتيجة الصراعات القائمة في الشرق الأوسط مثل الحروب في سوريا والعراق واليمن، فقدت قضية فلسطين أولويتها في المنطقة.

وعلى أجندات السياسة الخارجية ومصالح الأنظمة العربية، بالكاد كان لقضية فلسطين مكان، وكان الوضع مماثلا بالنسبة للخليج والسعودية وحتى بالنسبة لمصر لفترة طويلة.

ومن منظور مؤسسي، أصدرت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إعلانات بمعارضتهما للخطة.

ومع ذلك، تبقى العديد من الدول العربية في صمت تكتيكي الآن حول هذه المسألة، وقد يظهرون تأييدهم الواضح للخطة في المستقبل.

ومما يؤكد صحة هذا الافتراض، استشارة العديد من الدبلوماسيين العرب في عملية إعداد صفقة القرن المزعومة، وتواجد سفراء عمان والبحرين والإمارات في البيت الأبيض أثناء الإعلان عنها.

وأحد الأسباب الهامة وراء هذا الدعم العربي للخطة هو أن إيران تستخدم قضية فلسطين بشكل فعال جدا كواحدة من قواعد قوتها العسكرية والأيديولوجية في الشرق الأوسط.

ونجد أن نخب الأنظمة العربية (مثل لوبي الإمارات في واشنطن) يريد إنهاء نفوذ إيران وسعيها للهيمنة في المنطقة، إذ تعتبرها تهديدًا لأمن أنظمتها.

** أوروبا

كما أن دعم خطة السلام الأمريكية المزعومة من قبل بعض البلدان الأوروبية جدير أيضا بالملاحظة؛ كالدعم المقدم على سبيل المثال من حكومات المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.

وبينما كان يحلل الخطة في دعوته الفلسطينيين إلى النظر فيها بشكل عادل، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إنه ينبغي عليهم "التعامل مع الوضع من وجهة نظر صادقة وعادلة" واعتبار هذه الخطة "خطوة أولى محتملة لمزيد من المفاوضات".

ولا يشكل تأييد المملكة المتحدة للخطة مفاجأة، بالنظر إلى أن رئيس الوزراء المنتخب حديثاً بوريس جونسون قد حصل على دعم اليمين الأمريكي، وخاصة كبير الاستراتيجيين السياسيين السابق في البيت الأبيض ستيف بانون.

كما أن فكر إدارة ترامب، التي يعمل فيها المحافظون جنباً إلى جنب مع اليمين المتطرف، يتوافق أيضاً مع نهج المملكة المتحدة في التعامل مع هذه القضية.

وبالنسبة لألمانيا، يمكن القول إن رد فعلها على الخطة الأمريكية كان أكثر لفتًا للانتباه.

ومن الممكن سرد بعض الأسباب لدعمهم لها: الأول هو الإرث التاريخي. فمما لا شك فيه أن التاريخ النازي لألمانيا وجرائم المحرقة هي إحدى الديناميات الرئيسية التي شكلت علاقتها مع إسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية وتأسيس إسرائيل في عام 1948.

وعلى هذا المنوال، أُعلن عن الخطة المذكورة أعلاه بعد يوم واحد من اليوم الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود في 27 يناير / كانون الثاني.

ومن الممكن التوصل إلى استنتاج مفاده أن الحكومة الألمانية حساسة للغاية من حيث تجنب الانتقادات الشديدة حول الخطة، بالنظر إلى زيارة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين إلى برلين أواخر يناير /كانون الثاني الماضي، وحضوره فعالية إحياء ذكرى الهولوكوست في البرلمان الاتحادي، وحقيقة أن وسائل الإعلام الألمانية كانت تناقش قضية الصراع مع معاداة السامية في هذه اللحظة بالذات.

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الحالية بين البلدين، فمن الصواب أن نفترض أنه بعد أن أنهى وزير الخارجية الألماني السابق سيغمار غابرييل فترة توليه منصبه، بدأ عهد جديد من سياسة التقارب مع إسرائيل.

مباشرة بعد تولي خليفته هايكو ماس منصبه، قال إنه تولى منصبه "بسبب أوشفيتز"، مشيرًا إلى أن فترة الإدلاء بتصريحات مثل "الفلسطينيين يعيشون في نظام الفصل العنصري" وإدانة المستوطنات اليهودية (التي قام بها غابرييل، تاركاً بها بلاده وجها لوجه مع أزمة دبلوماسية مع إسرائيل) قد انتهت الآن.

وتتخذ ألمانيا، التي يمكن تعريفها بأنها الضامن عبر الأطلسي للعلاقات الثنائية مع إسرائيل وسياستها الخارجية، خطوات منسقة مع حليفتها الأكثر أهمية، الولايات المتحدة.

وهناك أيضا أسباب سياسية داخلية في متناول اليد هنا إذ ترى الحكومة الحالية أن أمن إسرائيل هو أحد أسباب وجودها، بينما تحتاج أيضاً إلى الحفاظ على مصداقيتها الداخلية ضد حزب "البديل من أجل الديمقراطية" اليميني المتطرف.

وبالنظر إلى الوراء، فإن الحزب اليميني هو أقوى حزب معارض في ألمانيا له علاقات وثيقة مع نظام الليكود في إسرائيل.

وإلى جانب ذلك، من المفيد التذكير بأن الحزب اليساري دي لينكه، الذي أدان خطة السلام بوصفها مشروع ضم يقوض القانون الدولي، يمثل موقفا مهمشا إلى حد كبير في نظر الجمهور الألماني.

وتحاول ألمانيا، تحقيق سياسة توازن بين سياستها المتمثلة في الاندماج في الخطابات السائدة في المنابر الدولية (مثل سيادة القانون) من ناحية، ودعم مصالح إسرائيل وأمنها، من ناحية أخرى.

أما فرنسا، فيمكن ملاحظة أن مقاربة فرنسا لخطة ترامب إيجابية بشكل عام.

وجاء في البيان الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية أن "حل الدولتين على أساس القانون أمر لا غنى عنه من أجل تحقيق السلام في المنطقة".

وبالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على أن "فرنسا ستواصل العمل مع حلفائها الأوروبيين والولايات المتحدة وجميع الشركاء الآخرين الذين يهدفون إلى المساهمة في تحقيق هذا الغرض".

ومن بين هؤلاء "الشركاء"، من دون شك، يمكننا أن نحصي مصر والسعودية والإمارات، التي تتصدر قائمة الدولة التي تستورد الأسلحة الفرنسية.

إن الموقف الحالي لدول المنطقة، الذي ينحرف بين الدعم والامتناع عن التصويت، هو فرصة لفرنسا، التي تسعى جاهدة إلى علاقات جيدة مع أمريكا ترامب وكذلك مع إسرائيل.

ويأتي هذا الدعم دون أي تكلفة من حيث السياسة الخارجية وله صدى مماثل في السياسة الداخلية أيضاً.

العام الماضي، كان ادعاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن معاداة السامية لا تختلف عن معاداة الصهيونية مؤشراً على القرار الذي وسع نطاق معاداة السامية، رقم 154-72 وأقره البرلمان.

وبالنسبة لإسرائيل، التي اعتبرت هذا القرار انتصارًا سياسيًا، فإن حقيقة أن حكومة ماكرون تدعم خطة ترامب وأن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي قد تضيف إنجازا خطيرا في عملية شرعنة الاحتلال.

** الولايات المتحدة

لدى إدارة ترامب هدفان رئيسيان من خطة السلام المزعومة.

أولا، إذا نظرنا إلى توقيت جميع قرارات ترامب المتعلقة بإسرائيل، يمكننا التوصل إلى استنتاج بأنه يحاول التستر على الفضائح السياسية الداخلية.

على سبيل المثال، قبل يومين من الإعلان عن الخطة، صرح مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون بأن ترامب كذب بشأن قضية أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن اختزال هذه الخطة إلى دوافع مماثلة (مثل محاكمات العزل) سيكون خطأ، فهناك انتخابات رئاسية في غضون تسعة أشهر.

سيعتمد ترامب إلى حد كبير على الدعم المالي لأسماء معينة مثل الملياردير المقامر ورجل الأعمال اليهودي شيلدون أديلسون (الذي كان إلى جانب ترامب بينما كان يعلن عن خطة السلام) إلى جانب متبرعين إنجيليين آخرين، بعضهم كان حاضراً أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، يريد ترامب تعزيز يد نتنياهو، الذي يواجه تحدياً سياسياً أكبر بكثير منه، في الانتخابات التي ستجرى في 2 مارس / آذار.

وإلى جانب كل هذه الحسابات السياسية الداخلية، نحتاج إلى أن نرى أن هذه الخطة تغذي الاستراتيجية "الكبرى" الجديدة للولايات المتحدة.

وكما نعلم، فإن الولايات المتحدة تريد تقليص نفوذ الصين وروسيا في الشرق الأوسط، الذي نما بشكل كبير خلال عهد أوباما.

والواقع أن كراهية السعودية ودول الخليج لأوباما، والتي نجمت عن توقيع حكومته على الاتفاق النووي الإيراني، جعلتهم أقرب إلى الصين وروسيا.

وتريد إدارة ترامب وقف تقارب كل من إيران والسعودية مع الصين، والقضاء على هذا الاتجاه تماما.

باختصار، يمكننا أن نقترح أنه مع الإعلان عن استقلالها في إمدادات الطاقة، لم تعد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضمن حدود سياسة الدولة، بل تخضع للمنافع الشخصية (كوشنر) والأيديولوجيات (الصهيونية المسيحية).

إن الدعم العلني والخفي لهذه الخطة الفاضحة القادمة من مختلف دول العالم والتخلي عن القضية الفلسطينية بشكل عام يظهر أن القانون الدولي والسياسة الخارجية لا يحبذان ما هو معقول. وبالتالي، قد تواجه فلسطين المزيد من العزلة في ساحة السياسة العالمية الدولية.

وينبغي لتركيا أن تقيّم خياراتها وأولوياتها في هذا الوضع. وقد تواجه فلسطين أوضاعًا أكثر صعوبة في المستقبل القريب. ولهذا، يجب أن تكون تركيا مستعدة لعملية دبلوماسية محكمة وصعبة.

------

كتب هذا المقال البروفسور تونجاي قارداش والباحثة سيرا جان.

قارداش.. رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة صقاريا الذي يركز على الدراسات الأمنية الحرجة، وعلم اجتماع الحرب، وسيميائية وسائل الإعلام.

وسيرا كان.. باحثة مشاركة في معهد الشرق الأوسط في جامعة صقاريا وتركز على العلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط.

-----------------

* الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول

#الولايات المتحدة
#صقثة القرن
#فلسطين
#واشنطن
٪d سنوات قبل