- المحلل السياسي الإسرائيلي روعي روبنشتاين: مؤيدو نتنياهو ومعارضوه يتفقون على أنه "غير أمين على الأسرار" - زعيم المعارضة يائير لابيد: نتنياهو غير جدير بقيادة إسرائيل ويستغل أسرار الدولة لأغراض سياسية ومصالح شخصية - الوزير السابق بيني غانتس: القضايا المثارة بشأن مكتب نتنياهو ليست اشتباها بتسريب بل متاجرة بأسرار الدولة لأغراض سياسية - رئيس تكتل الديمقراطيين يائير غولان: نتنياهو بالحاق الضرر بالجيش وأمن إسرائيل في زمن الحرب عن علم وقصد عبر تسريباته
أعطت المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف مياره، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، الضوء الأخضر للسلطات المعنية للتحقيق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قضايا تسريب وتزوير وتغيير بروتوكلات تخدم مصالح الأخير وتثير جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وينص القانون الإسرائيلي على أنه لا يمكن فتح تحقيق ضد رئيس الوزراء إلا إذا صدقت على ذلك المستشارة القضائية للحكومة.
** 4 تحقيقات
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، تجري السلطات تحقيقات في 4 قضايا مرتبطة بمكتب نتنياهو. وثمة تحقيق آخر يواجهه رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وهو مقرب من نتنياهو.
التحقيق الأول والأهم يتعلق بسرقة معلومات من الجيش وتحريفها وتسريبها لوسائل إعلام أجنبية؛ بهدف التأثير على الرأي العام بشأن صفقة تبادل الأسرى المحتملة مع الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة. وضمن هذا التحقيق تم اعتقال 5 أشخاص، بينهم مستشار في مكتب نتنياهو وضابط كبير.
فمع تصاعد الاحتجاجات في إسرائيل من أجل الضغط عليه للموافقة على إبرام صفقة تبادل الأسرى، سرب نتنياهو لصحيفتي "بيلد" الألمانية و"جويش كرونيكل" البريطانية بشكل انتقائي عبر مكتبه وثائق حصل عليها الجيش الإسرائيلي من غزة، مع تحريف محتواها من خلال الادعاء بأنها تعود لقائد "حماس" الراحل يحيى السنوار.
وهذه التسريبات التي تدعي أن "حماس" لا تريد صفقة تبادل وتسعى لتهريب الأسرى عبر محور "فيلادلفيا" الحدودي مع مصر، استند إليها نتنياهو في 2 سبتمبر/ أيلول الماضي لتبرير اجتياح رفح جنوب قطاع غزة، ورفض مطالب عقد صفقة تبادل.
ويتعلق التحقيق الثاني بمحاولة تغيير محتوى وثائق بشأن تلقي إنذارات مبكرة قبل أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، للتأثير على أي تحقيق رسمي بشأن الإخفاقات الأمنية في ذلك اليوم.
والتحقيق الثالث يتعلق بمساعي مسؤولين بمكتب نتنياهو لابتزاز ضابط رفيع بفيديو مخجل وقع بين أيديهم مقابل الحصول على معلومات سرية.
والتحقيق الرابع يتعلق بشريط فيديو لوزير الدفاع السابق يوآف غالانت يوثق منعه على يد الحراس من دخول ديوان نتنياهو بعد اندلاع الحرب بأيام.
في سياق متصل، يجري التحقيق مع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي بشبهة تلقي رشوة بقيمة 10 آلاف شيكل (2677 دولارا) مقابل خطاب توصية. وهو مقرب من نتنياهو ومحسوب على محيطه.
** تاريخ مع التسريبات
هذه التحقيقات تثير الاهتمام بـ"تاريخ نتنياهو الحافل بالتسريبات"، كما ذكر المحلل السياسي روعي روبنشتاين في مقال نشره بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الخاصة، في 8 نوفمبر الجاري.
في مقاله، قال روبنشتاين إن مؤيدي نتنياهو ومعارضيه يتفقون على أنه "غير أمين على الأسرار"، واستشهد على صحة ما يقول بوقائع تسريب معلومات ووثائق للأخير سواء عندما كان رئيسا للوزراء أو زعيما للمعارضة، أو حتى عضوا بالكنيست فقط.
وأشار روبنشتاين في هذا الصدد إلى أن أحد أشهر وقائع تسريب المعلومات التي تورط فيها نتنياهو كانت عام 2007، حينما كان زعيما للمعارضة.
إذ اعترف نتنياهو وقتها بأن إسرائيل هاجمت منشآت نووية سورية، وهنأ رئيس الوزراء حينئذ إيهود أولمرت على هذا الهجوم، مخاطرا بانتهاك "سياسة الغموض" التي اتبعتها تل أبيب حيال هذه الملفات التي تصفها دوما بالسرية.
** "أكبر مسرب بإسرائيل"
وفي مقال نشره بصحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية الخاصة في 15 فبراير/ شباط 2024، وصف المحلل السياسي يوآف ليمور نتنياهو بأنه "أكبر مسرِّب في إسرائيل".
ومدللا على صحة توصيفه، استشهد ليمور بتسريب نتنياهو وثيقة تناولت إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا عام 1995، حينما كان زعيما للمعارضة آنذاك.
وإضافة إلى ما ذكره المحللان السياسيان روبنشتاين وليمور، شهدت السنوات العشر الماضية وقائع تسريبات كثيرة تورط فيها نتنياهو.
ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، حدثت تسريبات من جلسات المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية "كابينت" لمناقشات تخص خططا لضرب إيران، ما أثار قلقاً بشأن أمن المعلومات داخل القيادة الأمنية وأدى إلى اتهامات بأن تسريب مثل هذه المعلومات قد يكون مرتبطا بصراعات سياسية داخلية.
وخلال مارس/ آذار 2015، كُشف عن تسريب إسرائيل معلومات سرية تتعلق بمضمون مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، إلى أعضاء في الكونغرس الأمريكي لمحاولة التأثير على موقفهم من الاتفاق. واعتبرت هذه التسريبات محاولة للتأثير على السياسة الأمريكية من خلال استخدام معلومات سرية.
كل من هذه القضايا أثار جدلا واسعا في إسرائيل بشأن إدارة المعلومات الحساسة ومدى تأثير التسريبات على الأمن القومي، وطرح تساؤلات عن دور القيادة السياسية في حماية هذه المعلومات.
** التسريبات معضلة قديمة
لكن يبدو أن معضلة التسريبات في إسرائيل ليست وليدة اللحظة، وإنما تعود إلى سنوات أبعد من ذلك بكثير، وهو ما يظهر في وثائق وتحقيقات لجنة شيمون أجرانات، الخاصة بحرب 6 أكتوبر 1973.
فخلال مشاورات عقدت في مكتب رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، في السابعة من صباح 9 أكتوبر 1973، أكدت الوثائق الإسرائيلية المترجمة عن تلك الجلسة أن مائير طرحت فكرة "مجنونة" على حد وصفها.
وتقضي الفكرة بالسفر إلى واشنطن لمدة 24 ساعة لإطلاع الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيسكون على آخر تطورات الحرب، مطالبة الحاضرين بعدم "تسريب" تلك الفكرة، بقولها "أستحلفكم بالله أن يظل هذا الأمر سرا بيننا"، بدعوى أن "السرية هنا مصيرية".
وفي سؤال للجنة أجرانات عن وجود نظام معين لما يُقال للحكومة الإسرائيلية وما لا يُقال بشأن المعلومات المهمة والخطيرة، أجابت غولدا مائير بقولها: "ثمة كارثة تُفسد أمورا كثيرة، فموضوع التسريبات أمر يهدد أشياء عديدة".
** اتهامات لنتنياهو ومكتبه
وفور الكشف عن قضايا مكتب نتنياهو، وجه زعيم المعارضة يائير لابيد انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء، واصفًا إياه بأنه "غير جدير بقيادة إسرائيل، ويستغل أسرار الدولة لأغراض سياسية ومصالح شخصية".
وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس في 7 نوفمبر الجاري، أن "التسريبات خرجت من مكتب نتنياهو، ويجب التحقق مما إذا كان رئيس الوزراء على علم بها".
بينما رأى الوزير السابق في مجلس الحرب الذي جرى حله، بيني غانتس، في اليوم نفسه، أن ما جرى "ليس اشتباها بتسريب، بل متاجرة بأسرار الدولة لأغراض سياسية".
أما رئيس تكتل الديمقراطيين في إسرائيل يائير غولان، فاتهم نتنياهو بإلحاق الضرر بالجيش وأمن البلاد في زمن الحرب عن علم وقصد عبر تسريباته.
وقال غولان، عبر منصة إكس في 6 نوفمبر الجاري، إن "نتنياهو يفضل نفسه على مواطني إسرائيل.. فهو غير صالح لشغل منصبه، لدينا رئيس وزراء غير شرعي وحكومة غير شرعية".
على النقيض من تلك الرؤى، أثارت وزيرة المساواة الاجتماعية مي غولان الجدل عندما قارنت بين نتنياهو والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، من خلال إشارتها إلى أوجه التشابه بين الاثنين، خاصة في طريقة مواجهتهما لخصومهما السياسيين والمؤسسات القضائية والإعلامية.
وقالت غولان في كلمة لها بالكنيست في 7 نوفمبر الجاري، إن "نتنياهو وترامب يواجهان مطاردة قضائية، حيث يتم استخدام النظام القضائي ضدهما لتحقيق أغراض سياسية".
وتحاول غولان أن تعكس بتلك المقارنة تعزيز صورة نتنياهو "قائدا" ليس داخل الحزب الحاكم "الليكود" فحسب، ولكن بوصفه "زعيما شعبيا"، مستلهمة من تجربة ترامب نموذجا للعودة من جديد إلى الحياة السياسية.
** اختبار كشف الكذب
وبينما سبق أن حمّل نتنياهو أعضاء في حكومته المسؤولية عن التسريبات مطالبا بإخضاع جميع الوزراء لـ"اختبار كشف الكذب" لكشف المسؤول عنها، طالب الكاتب ليمور، عبر مقاله بصحيفة "يسرائيل هيوم" بإخضاع نتنياهو نفسه لهذا الاختبار قبل أي شخصية سياسية أخرى في إسرائيل.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، أن نتنياهو يرفض دوما إجراء اختبار كشف الكذب.
وخلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "معاريف" العبرية الخاصة، في 7 نوفمبر الجاري، قال ليبرمان إنه اقترح أكثر من مرة، عندما كان في الحكومة، خضوع كل وزير أو عضو في الكابينيت لاختبار كشف الكذب مرة واحدة في السنة، لكن نتنياهو كان ينسف هذا الاقتراح دائما.