|
وماذا عنا وسط الأعاصير السياسية؟

يخجلني بشدة أنا العربية المسلمة أن أرى الساسة الأتراك ونساءهم بمن فيهم السيدة أمينة أردوغان في مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلادش، يمسحون الجروح، ويحتضنون المظلومين بحب، ويشعرون بعظم المأساة، بينما ينشغل ساسة العرب وعلماءهم بحروبهم العقيمة فيما بينهم.


ففي الوقت الذي تتحضر دول الاحتلال للانقضاض على سوريا والعراق لتقسيمها وتفتيتها بعد تدميرهما، وتلوح في الأفق بوادر حروب إقليمية، ويستمر مسلسل الذبح في البلدين، نجد أن رد الفعل كان بسحب الدعم من المعارضة السورية المعتدلة، وترك البلاد لمصيرها بل لأعدائها، في حين تلوح في الأفق حكايات علاقات غير مسبوقة مع إسرائيل، فضلا عن حملات اعتقال غير مسبوقة للعلماء.


ولعل من واجبنا تجاه أنفسنا في ظل هذه الأعاصير السياسية المحبطة أن نحفظها أولا، فنحملها إلى جانب التفاؤل بعيدا عن كل ذلك القدر من الأسى والإحباط الذي تجلبه لنا أخبار الوكالات والمحطات الإخبارية، وننظر إلى الجانب المشرق من الحكاية وكذلك لما يمكننا فعله، فأغلب الأمراض النفسية وفقدان الثقة في هذا العالم التي تصنعها الأحداث الخارجية سببها أنك لا تملك قدرة على فعل شيء حيال ما يحصل.


وربما يكون من الظلم الشديد لأنفسنا أن نتشاءم مما يحدث ونحن أمة الإيمان، فالتاريخ لا يحسب بعامين أو ثلاثة ولا حتى عشرة أعوام، وعلينا أن نكون متأكدين من أننا نعيش مرحلة التغييرات الكبيرة في هذا العالم، وأننا في وسط الزوبعة تماما، لكن يجب أن نجد دورنا الفاعل ومكاننا النافع لننشغل عن أحزاننا التي لا نعرف إلى متى ستمتد.


قد يكون أجمل ما وجدناه في محنتنا كسوريين أننا استخرجنا إيمانا صحيحا في نفوسنا لم نكن ندرك وجوده وحسنه وقوته، ففي لحظة انكسار قال لي أحد كبار السن في غوطة دمشق عندما سألت عن رأيه فيما يشاع عن سحب الدول للدعم المقدم للمعارضة أن قال: "مستمرون، فما بدأناها بهم ولن ننهيها بانسحابهم، هي ثورة لله وستستمر"، كانت هذه الكلمات كافية لتعيد لي التوازن والثقة، فالرجل فقد ولده وعدد كبير من أفراد عائلته ناهيك عن أملاكه والإصابات البدنية التي ما زال يعاني منها ولده، وهي أحداث كافية لقتل الروح المتعلقة بالدنيا، لكنها الروح القوية المتعلقة بوعد الله وحسب.


وأعتقد جازمة أن أجمل ما في محنتنا الكبيرة في دول الربيع العربي أيضا أننا استطعنا استعادة مفهوم الأمة الواحدة وخرجنا من المفاهيم الأخرى الضيقة التي حصرتنا بها الأنظمة، وأننا رأينا الاتراك كما لم نرهم ونعرفهم منذ مئة عام وعرفونا هم أيضا، ولعلنا سنعرف بقية الامة ونقترب منهم قريبا جدا، فلسنا وحدنا في هذا العالم ولم نكن الضعفاء أبدا كما أوهمونا.


ولعل أهم ما علينا استدراكه ونحن نرى حملات الاعتقالات والاغتيالات، وكشف الأقنعة عن شخصيات أقنعتنا يوما، أن نبدأ بالتعويض وملء المكان، فالأنظمة المستبدة تخشى العقول والمفكرين وحسب، لأنهم عصب الأمة والقوة التي يتوازن فيها الامر معهم، والطاقة التي تلهم العامة وتحفزهم كذلك.


مسلسل الاغتيالات للعقول وللمفكرين وللعلماء ليس جديدا البتة، وربما بدأ في الإسلام منذ بدايته عندما رأى قادة قريش أن قتل النبي صلى الله عليه وسلم هو الضمان لوأد الدين الجديد، وربما استشهاد سيدنا عمر ابن الخطاب كان أول صفعة على جبين الأمة وتوالت الصفعات بعد ان أثبتت الطريقة أنها ناجحة.


حرصت الأنظمة الاستبدادية منذ أن تسلمت مقاليد الحكم من المستعمر الغربي على توظيف معركتها ضد العقول والمفكرين، فكان طريقهم بعد التضييق عليهم إما نحو الهجرة ليستفيد منهم الغرب وينقطع تواصلهم مع محيطهم، أو إلى السجون والمعتقلات وما اكثرهم فيها، كما حرصت على تجهيل الشعوب عبر النظم التعليمية المستوردة من دول الولاء، وعبر السيطرة على حركة النشر وتوكيل أمرها إلى تجار لا عقيدة لهم، إضافة إلى تجحيم وتقييد الأخرين ممن لا يدعم توجهاتها، وتسطيح المنشور، والترويج للتافه منه.


كما أن الحرب استمرت على الشخصيات المؤثرة عبر تهميشها والتقليل من شأنها والدفع بالشخصيات السطحية والموالية لها نحو الشهرة وقيادة المجتمعات الشابة فكانت النتيجة مجتمعات تشبهها.


ولعلي أتقدم نحو المرأة أولا كونها من يبني، ومن له علاقة مباشرة مع النشء، لتعلم ان بين يديها أجيالنا القادمة التي نرجو أن ننتصر بها، فتكف أولا عن النظر لأولادها كعبء تسارع للتخلص من إزعاجه وحركته المستمرة نحو الدفع به نحو القنوات الكرتونية التافهة والموجهة، ونحو الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تخلق كائنات لا فائدة منها ترغب في المزيد من الراحة والتجول في مواقع التواصل وتناول الطعام.


دور المرأة المسلمة في هذه المرحلة من حياة الأمة أشد خطرا، وهي المعول عليها لتقدم للأمة قادة وعلماء، وعسكريين، وساسة، وثوار، ومناضلين، ومؤمنين حقيقيين أولا.


وهي المكلفة بداية في ظل نظم تعليمية تحارب الدين والتعلم كذلك، بأن تعلم أطفالها ما يحتاجونه من علم شرعي ومن علوم الحياة، التربية فن ليس بالسهل لكنه المشقة الممتعة، والتي تجد نتيجتها بردا على قلب فاعلها الحق وعلى الأمة أجمع.


متى ما عرفت المرأة دورها الحقيقي انطلقت وهانت عليها الصعاب وخرجت من قوقعة التفاهات التي حصروها بها وجعلوها عبرها مهمشة سخيفة سطحية تعتبر نفسها سلعة لتسلية الرجال وخدمتهم دون أن تدرك ان مسؤوليتها أعظم وهي بناء أعمدة للأمة نحتاجها لنهضتنا.


ورغم تحفظي على الكثير من مفاهيم النسويات وأساليبهن إلا أنني أكبر فيهن أمرين هما عدم قبول تسليع المرأة وأيضا دفعها للعمل والإنجاز وتحقيق طموحاتها وأن تخرج من نظرة المجتمعات العقيمة لها بأنها مواطنة من الدرجة الثانية غير مؤهلة إلا للخدمة والإمتاع.


ما نحتاجه هو أن تعرف المرأة عظيم دورها ومكانتها، وأن تدرك أن التربية لا تعني الإطعام والتنظيف والإشراف على أداء الواجبات، بل هي أن تغرس في أولادها المفاهيم الحقة، كالعقيدة الصحيحة، والثقة بالنفس، والولاء للأمة، والشجاعة، والإقدام، والأهداف الكبيرة، وأن تعي أن كل هذا لا يكون إلا بالقدوة، وأن يكون لها هي أولا دور في هذا المجتمع بعيدا عن التسطيح والتسليع كما سلفنا.


وأن يعي الرجل هذا أولا فيدفع ببناته نحو العلم والعمل، والاعتماد على النفس، وتحقيق الطموحات، ومن ثم أن يكون لها هدف كبير هو دعم الأمة ورفدها بشخصيات راقية ترفع من شأنها إناثا كانوا أو ذكورا لا فرق، و أن تنسخ فكرة هامشيتها وأنها أداة مساعدة لتسهيل حياة أحدهم وحسب، وأن لها وقفة بين يدي خالقها ستخجل منها لو لم يكن لها عمل كبير تستشفع به لديه سبحانه و به تفخر.

#الأعاصير
#السياسية
#المجتمع
٪d سنوات قبل
وماذا عنا وسط الأعاصير السياسية؟
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة