
نشرت وزارة العدل الأميركية جزءًا آخر من «ملفات جيفري إبستين». غير أنه وفقًا للقانون كان من المتوقع نشرها كاملة حتى يوم الجمعة. كثير من الوثائق التي تجاوزت مئة صفحة أو أكثر جاءت محجوبة بالكامل. ومع ذلك، فإن ما نُشر من وثائق يقدّم فكرة كافية عن جيفري إبستين، الذي قيل إنه انتحر في السجن عام 2019، وعن الأعمال القذرة التي قام بها.
وتُظهر الصور أن إبستين أقام نظام كاميرات متكاملًا في قصره الواقع في جزيرته الخاصة. ويبدو أن إبستين وثّق، كما لو كان يصوّر فيلمًا، زبائنه «الخاصين جدًا» المنتمين إلى أعلى طبقات عالم السياسة والمال والتكنولوجيا في الولايات المتحدة.
إبستين، الذي حوكم بتهم استغلال فتيات قاصرات وإجبارهن على الدعارة، لم يكن شخصًا عاديًا. فقد كان مليارديرًا يُقال إنه يعمل في «الأعمال المالية». وقد قُدِّرت قيمة قصره في أحد أرقى أحياء نيويورك في سنة محاكمته بأكثر من 70 مليون دولار. ومن الواضح أن إبستين لم يقم بهذه الأعمال من أجل المال فقط. فـ«المال» لم يكن سوى «غطاء».
حاول الإعلام الأميركي التقليدي منذ البداية إبراز جانب الدعارة فقط في قضية إبستين. وعندما حوكم للمرة الأولى في منتصف العقد الأول من الألفية، خرج من القضية باتفاق مع المحكمة وعقوبة خفيفة. وحتى في تلك القضية، لم يتم التساؤل عن الهدف الحقيقي وراء ما كان يفعله إبستين.
الجمهوريون والديمقراطيون يستخدمون «ملفات إبستين» لشنّ الهجوم على بعضهم بعضًا بشكل انتقائي. فالجمهوريون يركّزون على الصور التي تظهر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بينما يركّز الديمقراطيون على الوثائق التي جرى حجبها. وفي خضم هذه السجالات الثنائية، كان يجري تجاهل السؤال الأهم: ماذا كان يمكن لإبستين أن يفعل بهذه التسجيلات؟
أما شريكته في الجريمة، غيسلين ماكسويل، فقد حُكم عليها بالسجن 20 عامًا. وكان يُقال إنها ترغب في عقد صفقة من أجل إعادة محاكمتها. بل إن هناك شائعات تحدثت عن احتمال أن يعفو عنها ترامب. وكان نائب المدعي العام الأميركي، تود بلانش، قد التقى ماكسويل في تموز/يوليو الماضي، ونُشرت محاضر هذا اللقاء أيضًا.
في «محاضر بلانش–ماكسويل»، قالت ماكسويل إنها لم تشهد على أي سلوك يرقى إلى الجريمة من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبعد هذا اللقاء نُقلت ماكسويل إلى سجن تتوفر فيه ظروف أفضل. وأكثر من ذلك، فقد قالت خلال اللقاء إنها ليست مذنبة، بل على العكس، إنها «ضحية بحسن نية» لعلاقتها الخاصة بإبستين.
ولا يفوت المراقبين أن الأشخاص الذين أنقذوا إبستين بعقوبة مخففة في محاكمته الأولى يحاولون اليوم إنقاذ غيسلين ماكسويل أيضًا. فقد نقلت وسائل الإعلام الأميركية أخبارًا عن قيام أحد محامي إبستين في القضية الأولى، البروفيسور ألان ديرشوفيتز، بالضغط لمنح ماكسويل حصانة مقابل أن تدلي بشهادتها أمام لجنة الكونغرس.
وفي حديثه لصحيفة «بوليتيكو» في تموز/يوليو 2025، لفت ديرشوفيتز إلى أن ماكسويل يمكن أن «تروي كل ما تعرفه» عن إبستين إذا حصلت على الحصانة. ولا شك أن هذا «الكل» لن يتضمن «المشتبه بهم المعتادين» الذين يقفون خلف إبستين. فالمسألة الأساسية تتعلق بإخفاء الجهة التي أعدّت إبستين ليكون منفّذًا لفخٍّ عالمي من نوع «فخ العسل» تكون الولايات المتحدة في مركزه. وقد نجحوا في القيام بذلك في قضيته الأولى. أما اليوم، فإبستين «رجل ميت»، ومن الضروري ألّا تروي ماكسويل، التي هي صندوق أسرار، «كل ما تعرفه».
وتُطرح آراء — حتى داخل الجناح الذي ينتقد إسرائيل في المعسكر المقرّب من ترامب — تقول إن جيفري إبستين كان مرتبطًا بعدد من أجهزة الاستخبارات، وفي مقدمتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. فقد اشتكى أحد أبرز شخصيات هذا الجناح، تاكر كارلسون، في خطاب له خلال فعالية نظمتها منظمة الشباب المحافظة المؤيدة لترامب «Turning Point USA»، من أنه لا يُسمح حتى بمناقشة كون إسرائيل «المشتبه به المعتاد» خلف إبستين.
ولا أحد يشكّ في أن إبستين أقام شبكة ابتزاز موجّهة إلى شخصيات ذات تأثير بالغ في آليات اتخاذ القرار في عالم السياسة والمال والتكنولوجيا. أما مَن يمكن أن يكون قد حصل على نسخ من التسجيلات والصور التي كانت بحوزته، فالأمر يمكن تخمينه إلى حدّ بعيد.
وقد لا ينكشف لمن كان إبستين يفرض قرارات معيّنة عبر تسجيلاته إلا من خلال نبشٍ تاريخي شامل. لكن الزلزال السياسي الذي قد يحدث إذا سُحبت «الطوبة» من المكان الصحيح سيكون عنيفًا للغاية. أما محاولات حصر «ملفات إبستين» في الأفعال الشاذة لبعض الشخصيات رفيعة المستوى، فليست سوى محاولة للتغطية والتعتيم. ولن يسمحوا أبدًا بسحب الطوبة من المكان الصحيح.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة