الأطماع الإمبريالية الفرعية للإمارات وإسرائيل

08:3229/12/2025, الإثنين
تحديث: 30/12/2025, الثلاثاء
سلجوك توركيلماز

سبق أن أكدنا مرارًا، أن الدول الأوروبية تتحمل مسؤولية مباشرة عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية التاريخية. ولا يصحّ، على وجه الخصوص، تصنيف بريطانيا وألمانيا ضمن خانة "الدول الداعمة" فحسب؛ إذ إن علاقة هذين البلدين بإسرائيل تتجاوز مفهوم "الدعم" بمراحل لتصل إلى مستويات أعمق بكثير. فضلًا عن ذلك، فإن اهتمام هاتين الدولتين — ولا سيما بريطانيا — بالأراضي التاريخية لفلسطين ليس اهتمامًا ظرفيًا أو عابرًا، بل إن بريطانيا ومعها الولايات المتحدة ترتبطان بفلسطين ضمن "منظومة" متكاملة. وعلى

سبق أن أكدنا مرارًا، أن الدول الأوروبية تتحمل مسؤولية مباشرة عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية التاريخية. ولا يصحّ، على وجه الخصوص، تصنيف بريطانيا وألمانيا ضمن خانة "الدول الداعمة" فحسب؛ إذ إن علاقة هذين البلدين بإسرائيل تتجاوز مفهوم "الدعم" بمراحل لتصل إلى مستويات أعمق بكثير. فضلًا عن ذلك، فإن اهتمام هاتين الدولتين — ولا سيما بريطانيا — بالأراضي التاريخية لفلسطين ليس اهتمامًا ظرفيًا أو عابرًا، بل إن بريطانيا ومعها الولايات المتحدة ترتبطان بفلسطين ضمن "منظومة" متكاملة. وعلى مدار قرنين من الزمان، تبلورت أبعاد هذه المنظومة المنهجية في تجلياتها الدينية، والأيديولوجية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية.

ومن هنا، تبرز ضرورة تناول الأحداث التي شهدتها الأراضي التاريخية لفلسطين ضمن إطار مفاهيمي شامل. وفي هذا السياق، يغدو التوقف عند تاريخ الاستعمار وأشكاله أمرًا بالغ الأهمية، وهو ما يفرض علينا التركيز بشكل خاص على تاريخ "الأنجلوسكسون" وسياستهم الاستعمارية. ولا شك أنه حين نشير إلى "الاستعمار الأنجلوسكسوني"، فإننا نقصد تاريخ الأحداث وسياقها، وإلا فإن ما يُطبق في فلسطين هو "الاستعمار الاستيطاني".

إن الأبعاد الدينية والأيديولوجية والثقافية والسياسية والاقتصادية للمشهد تجعل من الضروري إعادة النظر في ثنائية "الشرق والغرب" بعيون جديدة. فمن المؤسف أن القضية الفلسطينية عولجت لدينا -في كثير من الأحيان- بنهج اختزالي؛ والسبب الرئيسي في ذلك هو ندرة الدراسات الشاملة حول "الصهيونية" والتركيز المفرط على اللاهوت اليهودي. فحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الكثيرون يترددون في الحديث عن القضية الفلسطينية بدعوى عدم رغبتهم في مهاجمة اليهود، في حين أن المشكلة القائمة تكاد لا تكون لها أي صلة باليهودية من الأساس. ويمكن توصيف هذا الوضع بنوع من العمى الفكري؛ حيث فُرض على الجميع التحرك داخل إطار رسمته "صناعة الهولوكوست". وللأسف، كان لبعض النصوص المرجعية التي أسهمت في تشكيل الوعي داخل الأوساط المحافظة في تركيا أثر بالغ في تكريس هذا العمى. ونتيجة لذلك لم يكن من السهل توجيه الاهتمام نحو السياسات الإمبريالية لدول مثل ألمانيا وبريطانيا. في حين كان من الأجدر نبش الآثار والندوب التي خلفتها السياسة البريطانية في المنطقة وكشف حقيقتها للعالم.

لا أعتقد أننا نستطيع كشف كامل الأثر الذي خلفته بريطانيا في منطقتنا اعتمادًا على مفهوم الاستعمار وحده بصيغته التقليدية. فعلى سبيل المثال، تحت أي مسوغ يمكننا إدراج الكوارث التي تسببت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم في الجغرافيا التركية والإسلامية ضمن فئة الاستعمار؟ إن الإمارات دولة صغيرة للغاية، وتعتمد على قوتها الرأسمالية تماماً كما تفعل إسرائيل.ودخول دولة بهذا الحجم المحدود في مغامرات إقليمية كبرى يحمل دلالات بالغة الأهمية. كما أنّ حجم الأسلحة المستخدمة في العمليات التدميرية التي تديرها الإمارات يتجاوز بكثير ما يمكن تفسيره بمجرد "القوة المالية".

وخلال الأيام القليلة الماضية، كثر الحديث عن الأنشطة التي تقوم بها هذه الدولة، بالتعاون مع إسرائيل، في المنطقة المعروفة بـ "أرض الصومال"، التابعة رسميًا للصومال. ومن اللافت للغاية أن دولة يُنظر إليها ظاهرياً على أنّها مسلمة وعربية، تسعى، بالشراكة مع إسرائيل، إلى فصل منطقة في غاية الأهمية كـ "أرض الصومال" عن الصومال. والأدهى من ذلك، هو ما بات معروفاً من استخدام الإمارات وإسرائيل لهذه المنطقة كقاعدة لإدارة العمليات الموجهة ضد دول أخرى مثل السودان.

كانت الإمارات تحت الحماية البريطانية حتى عام 1971، علماً بأن أنظمة الانتداب والحماية ما هي إلا شكل من أشكال الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر. لقد أنشأت بريطانيا نظام انتداب في فلسطين، كما استمر وجود "الصومال البريطاني" (أو أرض الصومال البريطانية) حتى عام 1960. ومن المعلوم أنّ السودان بدوره كان في مرحلة من تاريخه مستعمرة بريطانية. إنّنا إزاء حالة منظومية متكاملة.

ومن ثمّ، ينبغي تقييم العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في إطار النظام الذي أسّسته بريطانيا. فمع أنّ الدولتين تبدوان اليوم ككيانين صغيرين يعجزان عن كبح طموحاتهما، فإنّ العامل الحقيقي المحرّك لهما هو الرغبة في التحول إلى "قوى إمبريالية فرعية". فإسرائيل كيان استعماري استيطاني، في حين تشكّلت الإمارات عبر نظام الحماية. وكلتاهما تحملان، إلى حدّ بعيد، بصمة بريطانية واضحة. لذا، ينبغي تقييم المناورات الجيوسياسية لهاتين القوتين الثانويتان على أرض الصومال في سياق بريطانيا.

وتختلف "المستعمرات الاستيطانية" عن "أنظمة الانتداب والحماية" وعن "المستعمرات الاستغلالية"، وبالتالي تختلف ردود أفعال الشعوب التي عاشت فيها. وفي هذا السياق، من الخطأ اعتبار علاقة دولة كالإمارات ببريطانيا ناتجة عن "الضرورة"؛ بل إن الإمارات ترى في إنتاج السياسات بالاعتماد على الدول الإمبريالية كبريطانيا -ضمن شبكات العلاقات الاستعمارية- وضعاً مربحاً، ولديها في إسرائيل نموذج واضح تحتذي به. وهذه الحالة لا يمكن تفسيرها ضمن أطر الدين أو القومية.

وليس من قبيل المصادفة أن تسعى الإمارات إلى إبراز خصائصها الثقافية التي تعود إلى "ما قبل الإسلام".


#الأطماع الإمبريالية
#بريطانيا
#الاحتلال الإسرائيلي
#الإمارات
#أرض الصومال