|
لقد منع السعوديون كتابي أيضًا!

سرعان ما تسبب المقاطعة السعودية للبضائع التركية، في مشاكل للسوق السعودي ذاته منذ انطلاقها بفترة وجيزة. على الرغم من أن المقاطعة لم يُعلن عنها بشكل رسمي، إلا أنّ تصريحات لرئيس غرفة التجارة هناك عجلان العجلان، إضافة لسوء المعاملة الجمركية مع البضائع القادمة من تركيا، تشير بوضوح إلى أن الدوائر الرسمية السعودية تقف خلف ذلك، بل إنها تشير مباشرة إلى محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.

بالنسبة لي لا أهتم للأرقام وأبعادها في هذه القضية؛ وفقًا للسعوديين فإن الأضرار التي ستصيب تركيا جرّاء المقاطعة تصل إلى 20 مليار دولار، بينما الأرقام التركية تقول أنها لا تتجاوز 3 مليار دولار. وفي كلا الحالتين يمكن لتركيا تلافي تلك الأضرار، بل وتعويضها بشكل أفضل. إلا أن التأثير النفسي الذي سينجم عن ذلك يعتبر أقوى بكثير من تلك الأضرار، وفي الواقع ستكون السعودية المتضرر الأكبر من ذلك.

لقد انطلقت حملات في السعودية تعرض بدائل للمنتجات التركية المقاطعة. لقد رأينا ذلك حتى في الفترات التي شهدت انحسارًا في استيراد المنتجات الخارجية بسبب تدابير فيروس كوفيد-19، حينها كان السعوديون يتحدثون عن بدائل لمعالجة السوق المضطرب أصلًا. بل إن صحيفة الشرق الأوسط "السعودية"، تحدثت في مقال طويل الأحد الماضي، عن إمكانيات الإنتاج السعودي وأن مقاطعة المنتجات التركية فرصة للتشجيع على الإنتاج المحلي.

هل هذا ممكن يا تُرى؟

حتى ولو تمت رؤيته ممكنًا من الناحية النظرية، إلا أنه مستحيل عمليًّا. يؤكد ذلك أن النخيل الذي تشتهر به السعودية وتحتل به 18% من مجمل الإنتاج العالمي، لا يتم إنتاجه من قبل السعوديين أنفسهم، بل من خلال العمالة الأجنبية في البلاد. هناك تناقض واضح بين الحد من العمالة الأجنبية في البلاد من ناحية، وبين محاولات زيادة الإنتاج، مما سيتسبب بآثار سلبية على الاقتصاد السعودي على المدى القريب، حيث تمثل العمالة الأجنبية العنصر الأكبر في أي عملية إنتاج محلية في البلاد. لا شك أنه سيتعرض لأضرار كبيرة نظرًا لسياسة "السعودة" ورؤية 2030 المفروضة من الخارج؛ إضافة إلى التراجع في الإنتاج الناجم عن انخفاض القوى العاملة، وأخيرًا مقاطعتها للمنتجات التركية.

إن حيلة المكر التي تقوم بها السعودية، من قبيل أن الحملة شعبية خالصة وليست رسمية، من أجل النيل من تركيا؛ لن تؤتي أكلها وسترتد على أعقابها. وكما يقول المثل التركي الجميل؛ "إن الخل الثقيل يضرّ بحامله".

دعونا نكرر ونقول من هنا مرة أخرى، ليعلم الشعب السعودي وليكن على يقين، بأن تركيا ترغب في رؤية السعودية تزيد من إنتاجها ولا تعتمد على أحد من الخارج. وإن ذلك ليس نابعًا إلا من نهج "الأخوة" الذي تسير عليه تركيا وهو نابع من أعماق قلبها.

واسمحوا لي أن أستشهد بتجربة شخصية، تشرح لكم العقل الذي يقف وراء تلك المقاطعات:

عندما صدر كتابي "الحركة الوهابية وظهور الدولة السعودية"، عن مؤسسة التاريخ التركي عام 1998، لفت انتباه مؤسسة التاريخ السعودي "دارة الملك عبد العزيز". حيث قامت المؤسسة على الفور بترجمة كتابي ودراسته، ومن ثمّ التواصل معي بشكل مباشر. زعموا أنهم يرغبون بنشر الكتاب، ومن أجل ذلك جرت عدة لقاءات بيني وبين مسؤولي المؤسسة، وأظهروا رغبة في التعارف، وفي نهاية المطاف تم الاتفاق على إنشاء صيغة عقد عبر مشاور قانوني، لشراء حق التأليف بهدف النشر، وصلتني نسخة من العقد كي أطلع عليها، كانت صيغة كلاسيكية نمطية، إلا أن الرقم كان مغريًا وكبيرًا، بيد أن آخر مادة في العقد كانت تنص على أن لديهم الحق في نشر الكتاب من عدمه، وبمعنى آخر أرادوا شراء التأليف عبر حيلة المستحق المادي الباهظ، ومن ثم التعتيم على الكتاب وعدم نشره.

سألتهم بشكل مباشر، أنتم الآن لديكم الحق في عدم نشر هذا الكتاب لديكم، فلماذا تريدون دفع نقود لأجل ذلك؟ وبالطبع لم أحصل على جواب لذلك. ثم قدّمت لهم عرضًا يخوّلهم الحق بعرض الكتاب على أي مؤرخ شاؤوا، ودراسته بشكل أكاديمي وأن يعرضوا كلّ ما يجدونه مغايرًا للدراسة الأكاديمية، ووضع ذلك في هوامش، ومن ثمّ نشر الكتاب حتى دون مقابل مادي. لكن بالطبع حتى هذا العرض لم يلق ردًّا أو قبةلًا، لأن النية أصلًا ليست نشر الكتاب، بل وضع اليد عليه وحظره. لكن أخيرًا صدر الكتاب باللغة العربية في بيروت عام 2000.

في ذلك الحين كانت السعودية قد منعت دخول الكتاب إلى أراضيها، لكن ما الذي حصل؟ لقد حاز الكتاب آنذاك على صفة "الأكثر مبيعًا" في معارض الكتاب التي أقيمت في دول الخليج، وعلاوة على ذلك بيع بأسعار أكثر بكثير من سعره العادي. والأهم أنه اكتسب سمعة واسعة لم يكن ليكسبها لو تم نشره في السعودية، لا سيما وأنه طُبع على عدة طبعات. على الرغم من أنه تم حظر بيعه وتداوله في السعودية، إلا أنه وصل لكل قارئ سعودي. حتى دخل إلى قائمة أكثر الكتب طلبًا، وعلى الرغم من أن الحظر لم يُرفع عنه، إلا أنه كان يستخدم كمصدر مساعد للباحثين في الدراسات العليا في السعودية.

بالطبع أنا لا أقوم هنا بالحديث عن مهاراتي وجدارتي، لأنني واثق مما أنجزه أصلًا لقد اعتمدت في كتابي ذاك على الأراشيف العثمانية التي لم يتطرق لها أحد حتى ذلك اليوم. ومن ناحية أخرى كان الكتاب يلبي حاجة مهمة في تاريخ الخليج، مما لم تسطتع حيل السعودية إعاقته والوقوف بوجهه. وإلى جانب الاهتمام الذي كان يحظى به الكتاب آنذاك، فإنه لا يزال يحافظ إلى اليوم على الاهتمام ذاته، سواء في تركيا أو الخليج أو حتى في السعودية ذاتها.

باختصار، لقد تغير العالم. حينما يكون منتجك صحيحًا لا بد له أن يصل إلى المشتري بطريقة أو بأخرى. فلا داعي للقلق، فترة وستمضي.

#السعودية
#تركيا
#المنتجات التركية
4 yıl önce
لقد منع السعوديون كتابي أيضًا!
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة