|
قرن كامل على وعد بلفور .. فماذا تعلمنا؟
بدأت الحكاية بوصول "هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية إلى إسطنبول سعيا لملاقاة السلطان عبد الحميد الثاني، ومحاولة إقناعه بالسماح لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين، عبر استخدام الثغرة الأكبر في الدولة حينها وهي سداد ديونها.


كان السلطان العثماني على دراية بما يحاك لفلسطين من قبل الحركة الصهيونية، يشعر بخطرها وما يتهدد البلاد جراء تحركاتها وأطماعها، وأصدر مذكرة قانونية عام 1876 بعنوان "مذكرة الأراضي العثمانية" منع فيها بيع الأراضي العثمانية وبخاصة في فلسطين لليهود، وجهز فرقة من الشرطة تتابع الأمر، وخصص أوقاتا قصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين، ثم أتبعها عام 1983 بأخرى تشدد على عدم بيع الأراضي وجعل 80%من الأراضي في فلسطين وقفا للدولة، و20%منها أملاكا خاصة، وهو ما استطاعت الحركة الصهيونية النفاذ من خلاله وشراء أراض فلسطينية بطرق غير مباشرة.


 قدم "هرتزل" عرضه بعد عامين من التردد على إسطنبول لمحاولة لقاء السلطان قائلا: 


-       "إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويلة تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والاستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل ما نريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها".


وكان رد السلطان العثماني:


-        "لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة، ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة، والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين".


عندما يئست الحركة الصهيونية من إقناع السلطان عبد الحميد الثاني بإعطائهم حق إقامة وطن لهم في فلسطين عبرعروضهم السخية، وأوضحه "هرتزل" بقوله في مذكراته:


-       "أقر على ضوء حديثي مع السلطان عبد الحميد الثاني أنه لا يمكن الاستفادة من تركيا إلا إذا تغيرت حالتها السياسية عن طريق الزج بها في حروب تهزم فيها، أو عن طريق الزج بها في مشكلات دولية، أو بالطريقين معًا في آن واحد».


اتخذ التحرك أشكالا أخرى تجلت في محاولة التخلص من السلطان عبد الحميد عبر دعم الحركات المناوئة له في الداخل، وتنفيذ وصية "هرتزل" من قبل الدول الاستعمارية الأخرى من الخارج، والتي أدت إلى ضعف الدولة العثمانية، إضافة للحشد العالمي واليهودي عبر مسارات عدة، نالت الحركة الصهيونية نتيجتها بعد الحرب العالمية الأولى متمثلة بوعد بلفور الذي حصلت بموجبه على حق إقامة وطن لليهود في فلسطين من قبل بريطانيا التي غدرت في الوقت نفسه بكل ما قدمته من وعود للشريف حسين الذي كان أداتها الأولى في التخلص من الدولة العثمانية.


مر مئة عام على وعد "بلفور"، و"سايكس بيكو" قبله، والذي ضمن هدوء المنطقة وحسن قمع الشعوب واستنزافها لوقت طويل.


 ثم بدأت ملامح فشله وصحوة الشعوب تتجلى خلال الربيع العربي ،والذي أظهر أن الأمة ما تزال حية، وأن دين الله الذي ظنوا أنهم أحسنوا وأده حي في قلوب المسلمين، وكانت تركيا بحكومة حزب العدالة والتنمية قد سبقت الموكب بسنوات، فكان لا بد من سايكس بيكو جديدة بعد ضمان "تغير حالتها السياسية" كما أشار هرتزل في مذكراته يوما.


وقفت تركيا في وجه الأطماع من جديد عندما وجد الشعب السوري والمظلومين من الشعوب الأخرى منفذا لهم فيها، ووقفت حائلا إلى اليوم في وجه التقسيم كذلك، ويبدو أن السياسات المعادية للأمة لا تتجدد ولا تعرف اليأس أيضا، والتي بدأت في الثورات المضادة، وترك الشعوب لمصيرها، ومحاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، وتزكية النزعات الانفصالية، إضافة لاستخدام المتطرفين الإسلاميين أو ما يسمى بداعش كأفضل وسيلة للتبرير التدخل العسكري في البلاد واحتلالها بحجة محاربته.


إن للسلطان عبد الحميد الثاني والذي كان الحائل بين تمزيق البلاد واحتلاها سياسات علينا أن نتعلمها ونعيها ونحن مستمرون في ربيعنا وربيع الأمة، والذي لن يتحقق إلا بها، نذكر منها:


-       ثباته وتنزهه عن الأطماع الدنيوية المتجلية في سداد ديون دولته مقابل منح الأرض، وهو ما يتطلب منا حسن اختيار القيادات، وعدم التهاون في قبول من يفرض أو يظهر على الساحة دون تحقق.


-       شعاره "يامسلمي العالم اتحدوا"، وهو ما يستميت أعداء الأمة لمحوه ونسخه من ذاكرتنا.


-        "امتلاكه لأفضل أجهزة المخابرات والاستخبارات والتي عمقت السخط الغربي عليه وأصبح التجسس على الدولة العثمانية في عهده واحدة من أصعب المهام على أجهزة التجسس الغربية، وبالمقابل كانت الأجهزة العثمانية تحقق النجاح تلو الآخر حتى يقال إن رسائل المبعوثين الدبلوماسيين الأوروبيين في إسطنبول إلى بلدانهم كانت تصل إلى مكتب السلطان قبل وصولها إلى وجهتها الأصلية".(نهاية الامبرطورية العثمانية -الجزيرة)


-       المنافقين والعملاء سر انهيار الدول وضياعها، وهو ما نلمحه في واقعنا الحالي في كل الدول العربية والإسلامية، وما يستوجب حلا قاطعا لا هوادة فيه ولا تراخي.


وهذه النقاط للمتأمل هي أكثر ما حرمنا انتصاراتنا في ثوراتنا فقد:


-        وكلنا الأمور لغير أهلها.


-        ولم نحتط من المنافقين رغم تأكدنا من عمالتهم.


-       لم نمتلك أي أجهزة للمخابرات تكشف لنا خبايا ومخططات الأعداء ونواياهم.


-       لم نتوحد وما زلنا.


فهل ستجعلنا احتفالات اليهود بوعدهم الثمين نستيقظ.


المراجع :


وثيقة رفض السلطان عبدالحميد الثاني بيع فلسطين  - جلال السلمي


موسوعة اليهود واليهودية والصهيوينة  - الدكتور عبد الوهاب المسيرى


اليهود والدولة العثمانية - د. أحمد نوري النعيمي.


نهاية الإمبرطورية العثمانية - الجزيرة

#الحركة الصهيونية
#الجزيرة
#طورية العثمانية
7 yıl önce
قرن كامل على وعد بلفور .. فماذا تعلمنا؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة