|
تركيا والغرب... وموجة التغيير في المنطقة

علي بيرام أولغلو | يني شفق

تنظيم الدولة، وموقع تركيا من قوات التحالف الدولي، وروجافا (المنطقة ذات الأغلبية الكردية في سوريا) واعتداء كوباني وموقع تنظيم "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني) في المنطقة وغيرها من التطورات ليست محدودة بالسياسة الخارجية فقط، بل تعكس كل منها وضع السياسة الداخلية أيضاً.

فهي تمثل عناصر السياسة التركية في الشرق الأوسط بعناصرها الأربعة:

- السعي لأجل إحلال المؤسسات الديمقراطية في الدول السنية التي تواصل جهدها للتخلص من الديكتاتورية من خلال موجات التغيير التي تمثلت في الربيع العربي.

- الدعم المقدم إلى الجهات المعروفة باعتدالها في دائرة أوساطها، والتي تحاول الوصول إلى السلطة، وتحمل رؤىً تعددية للمستقبل، مثل حماس والإخوان المسلمون.

- السعي لإبراز أهمية وقوف السياسة ضد العنف في لمناطق المشتعلة مثل فلسطين وغزة.

- السعي لإحلال التوازن في المعادلة الشيعية-سنية التي تحمل الكثير من الأخطار في الشرق الأوسط، وذلك للتقليل من أثر سياسات الممر الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان والمتمركز في إيران.

ما زالت تركيا تواصل سياساتها هذه منذ فترة طويلة.

إلا أن هذه السياسات معرضة للتغير بفعل العوامل السياسية الخارجية ونظراً للفوائد المجنية والإدراك السياسي.

تركيا التي عرفت كنموذج يجمع ما بين الإسلام والديمقراطية، قد ظهرت بهذه الصورة نتيجة لهذه العناصر.

إن التغيير الذي تشهده الأوضاع وموازنات القوى في المنطقة ومحاولات تركيا للتجاوب وتعديل سياساتها تبعاً لذلك، والنهج الذي اتبعته تجاه بعض القضايا ومثالها الانقلاب العسكري في مصر، أدى إلى تغيير صورة تركيا لدى الغرب تغييراً جذرياً.

ففي المرحلة الأولى من الربيع العربي، وبينما كانت الأنظمة الديكتاتورية تتداعى بفعل التحركات الشعبية في مصر وتونس، وبينما كانت دول مثل الأردن وسوريا واليمن تدخل دائرة الخطر أيضاً، كانت تركيا التي تدعم هذا التغيير إلى جانب العالم الغربي تحظى باحترام كبير لمواقفها وللنموذج الذي كانت تقدمه لتلك الدول.

لكن في المرحلة الثانية من الربيع العربي، وعندما بدأت الجماهر تحتشد في ميدان التحرير للتظاهر ضد حكم الإخوان المسلمين والتعاون مع العسكر في مرحلة "العودة إلى الوراء" وبينما كان الجيش يمهد الطريق للانقلاب العسكري، كانت تركيا تعلن وبصوت عالٍ وقوفها ضد الانقلاب العسكري مخالفة موقف الغرب الداعم له. ومن ثم تفجرت مسألة أحداث "غزي بارك"، والتوتر الذي شهدته تلك الأيام، واستغلال الشدة التي اتبعهتها الشرطة وتهم وجود التوجه الاستبدادي لدى أردوغان وهذه الازدواجية الجديدة بين ميداني التحرير وتقسيم قد فتحا الباب أمام تشكيل صورة جديدة.

ولكن ما الذي تغير؟

السياسة الخارجية والتقاربات السياسية التركية ليست هي العنصر المتغير. وتوازنات السياسة الداخلية ليست هي العامل المتغير أيضاً.

لقد كان ثمة سوء إدارة لأحداث "غزي بارك"، وهو أمر مشابه لما يحدث كثيراً في دول غربية. وكان هناك خطأ في تقدير لغة الخطاب وشدة تعامل الشرطة، وهو أمر كثيراً ما نراه في دول غربية. وكانت لغة خطاب العدالة والتنمية قاسية ومتحدية، وهي كذلك دائماً حتى في المراحل التي كانت تنال الكثير من الرضى. بالإضافة لقضية الحرية الصحفية، ولكن بغض النظر، فكل ذلك بقي في الأمس.

المتغير هو المعادلة.

فالغرب الذي دعم التغيير في الأمس أصبح يدعم التراجع عن التغيير اليوم، وأما العدالة والتنمية فقد رفضت هذا التراجع، وتتالت الأمور على هذا النحو.

وهكذا أصبحت الأنظار تتجه الى تركيا بطريقة سلبية نتيجة إدعاءات معاداة أردوغان للغرب ومعاداة السامية في البلاد، وهو ما يعبر حقيقة عن أحد نتائج (وليس أسباب) التغير في صورة تركيا.

إن ما عاشته تركيا من توتر بين الشعب والدولة، وانسداد بعض قنوات التواصل بين السياسة والشعب، وتولد بيئة مشبعة بالأزمات، وتشدد السلطة، وصعود المعارضة كان له نصيب في إحداث هذه التغيرات، إلا أن أحداً من هذه العوامل لم يكن كفيلاً لوحده بإحداث التغيير في صورة تركيا.

مختصر الحكاية هو...

إن أجندات تركيا لا تتمحور حول مسألة تنظيم الدولة فحسب، بل تتمحور حول سياستها الخارجية طويلة المدى والموزونة.


9 yıl önce
تركيا والغرب... وموجة التغيير في المنطقة
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة