|
لم يعد لدينا سوى "محور تركيا"!
ينبغي لتركيا استقبال الذكرى المئوية لقيام الجمهورية عام 2023 بعد القضاء على جميع الصراعات الداخلية؛ إذ لن يمكن إنشاء تركيا جديدة دون التخلص من جميع التحزبات السياسية الخبيثة التي تدار من الخارج وتستمد قوتها بشكل كبير من الظروف العالمية التي حدثت في القرن الماضي.


لن يمكن بمقدور أنقرة قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية مثل إرهاب تنظيم بي كا كا وما حدث خلال محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي دون أن تواجه أفكار الصراع والفرقة هذه. ذلك أن جميع هذه الأمور تستغل كأداة للتدخل الخارجي. وإذا فشلت تركيا في الخروج منتصرة من هذا الصراع فإنها من الصعب أن تستقبل عام 2023 وهي كيان متحد، ناهيكم أصلًا عن أن تنمو وتحقق المزيد من التقدم.

تركيا تقاوم التدخل الخارجي منذ أربعة عقود

تكافح تركيا الإرهاب منذ 40 عامًا، لكنها في الواقع تكافح التدخل الخارجي منذ 40 عامًا. ولهذا فإنّ مكافحة تنظيمي بي كا كا / بي يي دي الإرهابيين يعتبر دفاعًا عن الدولة ضدّ احتلال أجنبي وتدخل خارجي. وكذلك فإن تنظيم غولن الإرهابي هو محاولة احتلال خارجي يدار من قبل المركز نفسه الذي يدير أنشطة بي كا كا الإرهابية.

ولا ريب أن الكفاح التي تقوم عليه تركيا منذ محاولة الانقلاب العام الماضي هو كذلك دفاع ضد تهديد خارجي ومحاولة احتلال أجنبي، بالضبط كما هو الحال بالنسبة لمسألة بي كا كا. هذا فضلًا عن أنّ حزام الإرهاب الذي يحاولون تأسيسه شمالي سوريا عند النقطة صفر من حدودنا يعتبر إعدادًا لمحاولة احتلال أجنبي. ولهذا فإن إفشال هذه المحاولة هو كفاح قومي هدفه إنقاذ تركيا.

"المعارضة المحافظة" و"التدخل الداخلي"

ثمة مخاوف أكبر، ألا وهي أننا أمام تهديد مماثل يأتينا من جانب بعض التيارات السياسية التي تتوسع في الداخل بشكل متوافق مع العقل السياسي الذي يقف وراء التخطيط لمحاولات حصار تركيا وتدميرها من الداخل وحتى تمزيقها مثل بي كا كا وحزام الإرهاب.

فهذه الكيانات، مثلها مثل تنظيمي بي كا كا  وغولن الإرهابيين، تستغل وستستغل كوسائل متاحة لتدمير مسيرة تركيا نحو المستقبل من خلال تاريخها العريق الممتد لألف عام.

إن المعارضة والحركات السياسية في تركيا اليوم مبنية بشكل كبير على خطابات التدخل الخارجي الذي نتحدث عنه، بل إنها تحولت إلى أدوات لـ"التدخل من الداخل". وأعتقد أن العام المقبل سيشهد في هذا الإطار تشكل "معارضة محافظة" أكثر حدة وعناصرا.

الحالة السعودية و"محور الغرب الجديد"

أستطيع القول إن هذه التيارات الجديدة ستحصل على دعم من الغرب لتفرز خطابا سياسي يهز الرأي العام الداخلي؛ إذ إنهم سيعملون بشكل متوافق مع العقل السياسي العالمي الذي يهدف للنيل من منطقتنا، كما سترغب في التخلي عن جزء كبير من الرسائل التاريخية التي تحول تركيا المحافظة على صمودها اليوم.

إن الخطة التي يحاولون تطبيقها في السعودية حاليا مهمة للغاية في هذا الإطار. فعندما فشلوا في التدخل الخارجي في تركيا منذ انقلاب عام 1997 ووجدوا صعوبة في جذب تركيا إلى ذلك "المحور" ولم يفلحوا في تدخلاتهم الخارجية المتوالية في تركيا التي اتبعت سياسة تتوافق مع خريطة القوى الجديدة في القرن الحالي؛ بدأت مساعي تشكيل "محور غربي جديد" وفق أولويات الولايات المتحدة وإسرائيل، محور يمتد من الخليج العربي إلى مصر ويروج له من خلال الإمارات والسعودية.

هل ينفذون سيناريو مشابه في بلادنا؟

يجب لفت الانتباه خصوصا في هذه الأثناء إلى التغير العميق الذي تشهده تركيا وباكستان وإندونيسيا. فهذه البلدان التي تقع في المحور الغربي عندما أدركت أن التهديد يأتيها من الغرب بدأت تخطو خطوات جادة نحو مستقبل جديد من أجل شعوبها، واتجهت نحو أكثر التغييرات في تاريخها السياسي جدية.

لم يعد أمام الغرب والولايات المتحدة تقريبا أي فرصة أو إمكانية للإبقاء على تلك البلدان داخل "المحور". لكننا لازلنا نشعر بالقلق الشديد من إقدامهم على تنفيذ نموذج "الرهن" الذي نفذوه في السعودية في هذه البلدان. ولهذا فمن الواضح أن تركيا تواجه خطر "تدخل خارجي" جديد.

إننا أمام محاولات جادة تهدف لتضييق مساحة تحرك تركيا سواء من خلال التهديدات الإقليمية أو الداخلية أو الإرهابية أو حتى السياسية.

لم يعد لدينا سوى "محور تركيا"

إنها حرب ضارية، أكبر صراع في تاريخنا السياسي، أعنف نقطة تحول في تاريخ الإرادة التركية الممتدة منذ أيام السلاجقة، أقوى خطوة في طريق إدراك هذا التحول التاريخي والاستفادة منه قدر المستطاع. لقد حان وقت الاتحاد تحت مظلة "محور تركيا" والصمود في مواجهة كل محاولة لإفشال هذا الكفاح الكبير، سواء أكانت قادمة من الداخل أو الخارج.

ذلك أن الكيانات الكبرى التي كانت تحكم العالم قد انهارت، كما أصبحت القيم الأخلاقية والمعاهدات الدولية التي تعيق تحركات الدول لا أهمية لها. لقد صرنا أمام عالم يستند إلى القوة ولا يحدد فيه شيء إلا بها. فبعض الدول تكتسب القوة وتعزز مساحتها المركزية من خلال الزعامة القوية أو القومية أو قدراتها العسكرية أو الاقتصادية.

لم يعد هناك شيء اسمه النظام العالمي، بل أصبحنا أمام شراكات وعداوات ثنائية أو متعددة الأطراف. الجميع يحاول إحياء مجده التاريخي، توسيع مساحة نفوذه. وكل من خطا خطوة نحو المستقبل كانت له بها قيمة بين الدول.

المحلي هو من سيربح

إن تركيا أمام كفاح من هذا القبيل، تحاول استغلال الفرصة التي يقدمها إليها التاريخ. ولهذا علينا فهم الكفاح الذي تقوم به تركيا وتنظيم صفوفنا وفقا له، وعلى الجميع إعادة التفكير بشكل ما إذا كان يقف في صف محور تركيا أو في صف الذين يحاولون حبسها داخل المسارات الضيقة.

لن يربح في هذا الصراع سوى من حافظ على قيمه القومية، من كافحوا من خلال تاريخهم الممتد لألف عام. إن تصفية الحسابات بين القوى العالمية تقدم إلينا فرصا كبيرة، ولا شك أننا سنستغلها، ذلك أنه لن يربح سوى من كافح من أجل المنطقة والعالم ليس من أجل نفسه فقط.

2018 ستكون من أصعب سنوات التاريخ السياسي

ولهذا يجب الانتباه بشكل كبير لما يمكن أن يشهده العام المقبل على وجه الخصوص، وذلك لمواجهة الهجمات التي تعتبر تدخلات خارجية، بالتوافق الكامل مع الهجمات التي تأتيتنا من المنطقة والغرب وحتى من الداخل.

أنا شخصيا أؤمن بأن عام 2018 سيكون من أصعب أعوام تاريخنا السياسي. فنحن جميعا متخوفون من انعكاس التوترات الإقليمية المتوقعة على أوضاعنا الداخلية. ولهذا فيجب على تركيا مكافحة هذه الأمور وكذلك تضييق مساحة تحركات التدخلات الخارجية.

هذا هو مكافحة الإرهاب ومخطط حصار تركيا من شمال سوريا والعمليات التي سينفذونها من الداخل لعرقلة المسيرة الكبرى. كل هذه الأشياء تدخلات خارجية، ولهذا فإن الصمود أمامها يعتبر بمثابة حرب استقلال وكفاح شعبي.

فكرة الدولة منذ ألف عام: على الجميع النظر إلى الصف الذي يقف به

لاحظنا في الآونة الأخيرة رسائل قوية بشأن تصالح الدولة مع جذورها التاريخية ومحاولة معالجة الخلافات التي شهدتها حقبة الجمهورية والسير نحو المستقبل استنادا إلى الخبرة الممتدة لألف عام.

ولن يكون في "محور تركيا" مكان لكل من عارض هذه الرسائل أو بحث لنفسه عن حلفاء في الخارج، فشعبنا هو الذي سيقرر في صف ومحور من يقف هؤلاء المعارضون.

نحن أمام مساع لحصار تركيا ورهنها من الجنوب من خلال الأنشطة الإرهابية، كما أن هناك من يحاول إيقاف تقدمها من الداخل، فهؤلاء سيتحولون إلى تهديد خارجي وأداء في أيدي القوى الأجنبية.

ولهذا فعلى الجميع النظر في الصف الذي يقف به ويحدد جيدا أين يريد أن يقف في صراع القوى الذي يشهده العالم.  

#إبراهيم قراغول
6 yıl önce
لم يعد لدينا سوى "محور تركيا"!
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة