|

"بوروندي" الطبيعة تفرض سحرها وسط الدماء

رغم أزمة أمنية وسياسية خانقة حافظت منطقة بوغوراما وبفضل زراعة الورود على واجهة مشرقة تخفف من مرارة واقع أليم

Ersin Çelik
09:46 - 6/12/2016 الثلاثاء
تحديث: 11:34 - 6/12/2016 الثلاثاء
الأناضول

في بوغوراما، وهي منطقة وسط بوروندي، ترتسم لوحة طبيعية خلابة شهدت تفاصيلها فظائع ومجازر بشرية منذ اندلاع الأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد الإفريقي في أبريل/نيسان 2015.



منطقة تتراءى من بعيد وكأنها جنة على الأرض، أو هكذا تبدو للوهلة الأولى، حيث تجمع في ربوعها ورودًا رائعة؛ لتحجب واقعا شديد القتامة، لطّخته أعمال قتل سيلت دماء خضبت هذه الأرض الخصبة.



ففي هذه المنطقة الواقعة على بعد 30 كم من العاصمة بوجمبورا، غيّبت الحقول الجميلة والممتدّة على طول البصر، الوجه القبيح لوحشية بشرية في بلد يسكنه أكثر من 11 مليون نسمة وسط قارة إفريقيا.



حقول مترامية الأطراف من الورود تغري الناظرين بفسحة استثنائية قوامها الألوان البديعة والروائح العطرة.



غير أن هذا الجمال الطبيعي، على سحره، يظلّ عاجزا عن تضميد جراح بلد يهتز منذ أكثر من عام ونصف على وقع أزمة خانقة أفقدته توازنه وهدوءه.



بوروندي، هذا البلد الإفريقي الفقير، الذي تعتبر الزراعة مصدر دخل 90 % من سكانه، انزلق إلى أزمة سياسية على خلفية إعلان رئيسه بيير نكورونزيزا، قبل أكثر من عام ونصف، ترشحه لولاية ثالثة يحظرها دستور البلد ورفضتها قوى المعارضة.



ورغم إعادة انتخاب نكورونزيزا، في يوليو/ تموز 2015، إلا أن الأوضاع لم تشهد انفراجة، حيث تشهد بوروندي اغتيالات وأعمال عنف أودت بحياة أكثر من 700 شخص، وأجبرت ما يزيد عن 280 ألف شخص على مغادرة البلد، بحسب الأمم المتحدة.



ورغم مسحة الألم المخيّمة بثقلها على المنطقة، إلا أنّ زراعة الورود استطاعت المحافظة على "واجهة مشرقة"، وهو نشاط يمثل نقلة نوعية في حياة آلاف السكان، خصوصا في منطقتي بوكيي ومورامفيا.



كريستوف ناهيشاكيي، مزارع بوروندي متخصص في زراعة الورود منذ أكثر من 30 عاما: "أمارس هذا النشاط مذ كنت في العاشرة من عمري، أي عندما كنت بالصف الثالث في المدرسة الإبتدائية".



وأضاف الخمسيني، الذي ورث عشق هذه المهنة من والده، في حديث مع وكالة الأناضول: "أذكر أني ابتعت حقل ورد مقابل 40 دولار فقط".



كريستوف، الذي يعرض محصوله للبيع في العاصمة بوجمبورا، لفت إلى أنّ حقول الورد في بوغوراما، وهي منطقة خصبة وسط غابة إيكيبيرا، تعادل مثيلتها من النخيل في منطقة رومونج (جنوب)، أو حقل أرزّ في غيهانغا (شمال غرب).



وبفخر ترجمته حركات يديه وابتسامته، أكّد المزارع البوروندي أن "هذا النشاط يعتبر مصدر دخل مهم للعائلات في المنطقة".



ودون أن يقدم رقما دقيقا بشأن إيراداته، مضى قائلا: "رغم تداعيات أحلك الأزمات في البلد على مشاريعنا بطريقة أو بأخرى، إلا انني لم أشتك أبدا من الظروف، حتى أنني أمتلك منزلا خاصا في بوجمبورا، وأدفع نفقات تعليم أطفالي".



وفي هذه المنطقة الساحلية في إيكيبيرا، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 23 و26 درجة، تناثرت حقول بوغاراما ومزارع غاهانغا وكيبوغوي وبوسيكيرا وتيزا، لترسم لوحة طبيعية تستجيب لكافة الأذواق.



ويقول فريديريك نديكومانا، وهو مؤسّس جمعية تضم أكثر من 100 مزارع ورود، إن بعض الأنواع النباتية تزدهر في هذه المناطق الجبلية خلال موسم الأمطار.



ووفق نديكومانا، في حديث مع الأناضول، فقد وجدت زراعة الورود في ستينيات القرن الماضي، موضع قدم لها في هذه المنطقة، بفضل الخبير الزراعي بول ميريريكانو، المنحدر من بوغاراما.



وتابع مؤسس جمعية "مزارعي الزهور" أنّ "هذا الخبير الزراعي أطلق العديد من المشاريع، بينها البستنة وزراعة الورود، ما جعل منطقة بوغاراما معروفة بزراعة الخضر والزهور بفضل جهوده".



وعن العمل اليومي لمزارعي الورود، يقول بيير نزوسابا، وهو مزارع شاب التقته الأناضول في حقله: "لقطف الزهور صباحا، نستيقظ في وقت باكر للغاية، أو يمكن فعل ذلك في المساء، لتجنّب ذبول الزهور قبل بلوغ السوق".



عدد كبير من بائعي الورود ينتشرون على ناصية الطريق الرئيسية الرابطة بين مدينتي بوجمبورا وكايانزا (شمال) لبيع منتجاتهم لسائقي شاحنات النقل على وجه الخصوص.



كابورا، وهو أحد سائقي عربة محمّلة بالورود، قال للأناضول: "أقوم بجولتين أو ثلاثة يوميا في هذا الطريق، أجني خلالهما 60 دولارا".



وبفضل ورودها، اكتسبت بوغاراما شهرة محلية سرعان ما تجاوزت حدود بوروندي لتصل إلى أسواق خارجية، أبرزها الأوروبية، وذلك بفضل جودة زهورها.



وبحسب كابورا فإن "بوغاراما تشتهر، ومنذ زمن بعيد، بأنها مصدر الورود في بوجمبورا.. في تسعينيات القرن الماضي، كانت ورود المنطقة تصدّر إلى أوروبا".



ووفق خبراء، تراجعت صادرات زهور بوغاراما إلى القارة الأوروبية، منذ الحصار الذي فرض على بوروندي عام 1996، إثر موجة عنف دموية أعقبت اغتيال الرئيس ملكيور نداداي في أكتوبر/ تشرين أول 1993.



ومدفوعين بحنين جارف إلى ماضي حافل بالمكاسب والانجازات في مجال زراعة الورود، يدعو العديد من المزارعين في بوروندي السلطات المحلية إلى تطوير قطاعهم القادر، وفق تعبيرهم، على دفع اقتصاد يشكو الركود منذ سنوات، وذلك عبر مساعدة أبناء المهنة على الانخراط في الأسواق العالمية.



وينفي المختصّ الاقتصادي البوروندي، فوستن نديكومانا، وجود إحصائيات رسمية متعلقة بقطاع زراعة الورود في بلده، إلا أنه يؤكد للأناضول على قدرة هذا النشاط على جعل بوغوراما وجهة سياحية مهمة.



وفي رده على مطالب العاملين بهذا القطاع، اكتفى المتحدث باسم وزارة الزراعة وتربية الماشية البوروندية، إيميرونس نيريرا، في تصريح للأناضول، بدعوة المزارعين إلى طلب الدعم من الوزارة.



#الورود
#بوروندي
#بوغوراما
٪d سنوات قبل