|

بعد بريطانيا.. تركيا ثاني أكبر مركز عالمي للألواح المسمارية

عالم السومريات التركي ويسل دونباز: للغات البائدة دور مهم في استجلاء التاريخ وإماطة اللثام عن جوانبه التي لم تتكشَّف بعد

Ersin Çelik
10:36 - 21/12/2018 الجمعة
تحديث: 10:39 - 21/12/2018 الجمعة
الأناضول
بعد بريطانيا.. تركيا ثاني أكبر مركز عالمي للألواح المسمارية
بعد بريطانيا.. تركيا ثاني أكبر مركز عالمي للألواح المسمارية

قال عالم السومريات التركي، ويسل دونباز (78 عامًا)، إن تركيا تعتبر ثاني أكبر مركز في العالم للألواح المسمارية (الطينية)، بعد المتحف البريطاني.

وأضاف دونباز أن المتحف البريطاني يملك ما يقرب من 200 ألف لوح طيني بابلي، فيما تملك أنقرة ما بين 50-60 ألف لوح طيني، وإسطنبول 73 ألف و213 لوح طيني.

ولفت دونباز أن مكتبة قيصري (وسط) وحدها تضم ما بين 25-30 ألف لوح طيني، وتنظم اجتماعًا دوليًا مرة واحدة كل عامين، حول هذه الألواح.

وحول أعداد الألواح الطينية المكتوبة بالسومرية، أشار دونباز أن تركيا تملك نحو 15 لوحًا مسماريًا مكتوب بالسومرية، من أصل حوالي ألف و500 لوح سومري حول العالم.

وشدد دونباز إلى أهمية دور اللغات البائدة في استجلاء التاريخ وإماطة اللثام عن جوانبه التي لم تتكشَّف بعد، وقال: إن الأبحاث كشفت وجود العديد من اللغات الميّتة.

وأضاف: لا يمكن اعتبار لغة ما أنها لغة ميتة، إلا عند امتلاك مصدر مكتوب يؤكد وجود هذه اللغة، مشيرًا إلى أن السومرية والأكادية، بفرعيها الآشوري والبابلي، تعدان أهم اللغات القديمة التي تذخر بالانتاج الأدبي.

وحول تاريخ الألواح الطينية قال دونباز: نستطيع القول إن النصوص المسمارية والألواح الطينية التي حفظتها، أبصرت النور مع سطوع نجم السومريين حوالي 3500 عام قبل الميلاد.

وتابع: يقال إن السومريين أوجدوا نظام الكتابة المسمارية على الألواح الطينية، بل والنظام الكتابي برمته. لقد تحول هذا النظام اعتبارًا من 2800 قبل الميلاد، أي خلال حقبة تطور استمرت نحو 700 عام، إلى نظامٍ كتابة قادر على احتضان جميع أنواع النصوص الأدبية.

وتابع قائلًا: ومع حلول القرن الـ 24 قبل الميلاد، تمكن سرجون الأكدي (2334 - 2279 ق.م.)، من تأسيس السلالة الأكادية التي امتدت على بلاد ما بين النهرين والأناضول وتوحيد دول المدن التي كانت سائدة في منطقة الهلال الخصيب.

وأضاف عالم السومريات أن انتشار الأكادية في المنطقة خلال تلك الفترة، لم يحد من أهمية اللغة السومرية ويدفعها للدخول في غياهب النسيان، حيث عكف الأكاديون على ترجمة المتون السومرية إلى لغتهم، وتجلى ذلك في رؤية بعض الوثائق (الألواح الطينية) ثنائية اللغة، حيث كتب عليها نصوص باللغتين معًا (السومرية والأكادية)، وذلك يظهر بشكل جلي أيضا في الـ 75 ألف لوح طيني موجود في متحف الآثار في إسطنبول.

وحول قدرة الأحرف المسمارية على احتضان اللغة، قال عالم السومريات، إن الأحرف المسمارية قادرة على احتضان اللغة والمساهمة في صياغتها وتطويرها، ولعب دورٍ مماثل لدور الأبجديات العربية واليونانية والكيريلية واللاتينية وغيرها.

كما شدد دونباز الذي يتقن اللغات القديمة الرئيسية السومرية والحثية والأكّادية بلهجتيها الآشورية والبابلية، فضلا عن الإنكليزية والألمانية والتركية، أن على الباحث الراغب في الغوص إلى أعماق التاريخ تعلم السومرية والأكادية بشكل كامل، يجب وإلا فلن يستطيع فعل شيء.

وحول اللغة السومرية وتركيبتها، قال دونباز إن كل مقطع لفظي يناظر كلمة في اللغة السومرية. إن السومرية تعتمد على وضع ملحقات قبلية محددة، لصياغة كلمات تُعنى بمجالات محددة، فعندما نرى على سبيل المثال المقطع اللفظي "توك – Tok" في بداية كلمة سومرية، ندرك بأن هذه الكلمة مرتبطة بالأثواب والألبسة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، كلمة "مايي - mayi" (تعني السوائل) السومرية، دخلت إلى لغتنا (التركية) عن طريق السومرية، وكلمة إله بحد ذاتها كلمة سومرية (إيلوم - İlum)، والخالق (الباني - İlbani).

وحول علاقة السومرية مع اللغات القديمة المعاصرة، لفت دونباز إلى أن اللغة الحثية تحتوي على كلمات سومرية وأكادية وحورية، إلا أن نسبة الكلمات الأكادية أكثر بكثير من الكلمات الدخيلة من اللغات سابقة الذكر، مشيرًا إلا أن الأكادية بحد ذاتها، تأثرت أيما تأثر باللغة السومرية.

ونوه إلى أن اللغة البائدة تعني اللغة التي تُرجم إرثها ونتاجها الأدبي إلى لغات حية، دون أن تتمكن من الصمود والبقاء كلفة منطوقة أو محكية إلى عصرنا هذا، مشيرًا أن البابليين والآشوريين كانوا يستخدمون الأكادية، التي كانت لغة التواصل الدولي في تلك العصور، لإجراء تعاملاتهم واتصالاتهم الدولية.

أما الإرث التاريخي والأدبي الذي كتب على الألواح الطينية، فأشار عالم السومريات إلى أن الأوساط العلمية استطاعت حتى يومنا هذا من إماطة اللثام عن 38 اتفاقية كتبت على الألواح الطينية.

وأضاف: 19 من هذه الألواح الطينية كتبت باللغة الحثيّة، وفيما كان 16 لوح طيني ثنائي اللغة (أكادي – حثّي). كتبت هذه الألواح الطينية بالأحرف المسمارية واحتوت على إيديوغرامات (صور رمزية) سومرية. وعلى سبيل المثال، تم استخدام أيديوغرام واحد لوصف معادن الذهب والفضة والقصدير والنحاس، فيما استخدم أيديوغرام آخر لوصف مختلف أنواع الأقمشة وهكذا دواليك.

ورأى دونباز أن معظم الكلمات السامية المستخدمة في التركية، لم تدخل إلى التركية عن طريق الفارسية أو العربية، بل من خلال اللغة الأكادية، لا سيما أسماء 7 أشهر ميلادية، وكلمات مثل "شاهد" (بالأكادية: شهاتو)، و"قبر" (بالأكادية: قبارو – الدفن).

ولفت إلى وجود أكثر من 100 كلمة انتقلت من لهجتي اللغة الأكادية (الآشورية والبابلية) إلى اللغة التركية، إلا أن هذا العدد يبدو أقل عندما يجري الحديث عن اللغة السومرية.

وحول العلاقة بين السومريين والأتراك، قال دونباز أن من الصعب تحديد العلاقة التي تربط الأتراك مع السومريين، مشيرًا أن السومريين يمتلكون أدبًا ذاخرًا، وأنهم كتبوا حول آلاف المواضيع، ولعل هذا هو العامل الأبرز الذي دفع سرجون الأكدي إلى ترجمة تلك الألواح الطينية واحدة تلو الأخرى من السومرية إلى الأكادية.

وأشار عالم السومريات الذي كان يترأس قسم أرشيف الألواح الطينية في متحف الآثار في إسطنبول، قبل أن يتقاعد ويعكف على دراسة اللغات القديمة وترجمة الألواح الطين المكتوبة بالأحرف المسمارية، إلى أنه صنف 30 ألف لوحٍ طيني من أصل 60 ألف لوح، ودقق نحو 10 آلاف منها، ونشرت مضامين أكثر من ألف و500 لوح طيني، جزء كبير منهم موجود في المتحف البريطاني وتركيا.

- من هو ويسل دونباز؟

ولد دونباز في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1939 في ولاية دنيزلي (غرب) التركية، وتخرج عام 1962، من جامعة أنقرة، كلية اللغة والتاريخ والجغرافيا، قسم الدراسات السومرية.

بدأ مسيرته المهنية في متاحف الآثار في إسطنبول وعكف على دراسة اللغة الإنكليزية، كما نشر أبحاثًا ومقالات مختلفة في العديد من المجلات إضافة إلى نشره رسوما كاريكاتورية.

عمل دونباز خلال مسيرته المهنية في برامج ومؤتمرات اليونسكو التي نظمتها وزارة الثقافة والسياحة وشارك في العديد من المشاريع الدولية، وشارك في العديد من المؤتمرات بدعوة من المؤسسات والمعاهد التعليمية في مختلف الدول.

لعب دورًا مهمًا في إدارة المديرية العامة للآثار والمتاحف ومتاحف إسطنبول وجمع الألواح الطينية واستعادة عدد كبيرًا منها من الخارج.

رافق العديد من وزراء الخارجية الأجانب خلال زياراتهم إلى تركيا، ونشر محتويات الألواح الطينية الموجودة متاحف كل من أضنة وبورصة وغازي عنتاب وأنقرة وماردين وأودمش ومرعش وحران وغيرها من المتاحف.

نشر حتى اليوم أكثر من 130 مقالة وأكثر من 15 كتابًا، كما نشر كتابًا عام 2016، شرح فيه واجبات العاكف على الدراسات السومرية باسم "ألف ملك وألف ذكرى... ذكريات لباحث في السومريات".


#عالم السومريات التركي، ويسل دونباز
#للألواح المسمارية
٪d سنوات قبل