|
يحاولون إعادة "ضبط المصنع" من جديد لأن "طيب أردوغان لن يرحل"

في السنوات الأولى من فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا بالسلطة، يحكى أن بيروقراطيًا سابقًا رفيع المستوى من تركة الحكومات السابقة قبل مجيء العدالة والتنمية، زاره أصدقاءه، فتعجبوا لحاله، وكيف تغير تمامًا فقد ذهب ذلك الرجل القديم وأضحى مختلفًا للغاية عن سابق عهده.

يسأله أصدقاءه بتعجب؛ "ما الذي حدث؟"، فيذكّر البيروقراطي أصدقاءه بطبيعة ونظرة الحكومة الجديدة (العدالة والتنمية) نحو العالم، وأنه قرر مواءمة نفسه للوضع الجديد.

تمر السنوات بعد تلك الزيارة، ويتقاطع طريق هؤلاء الأصدقاء مع هذا البيروقراطي نفسه. فيقولون له هذه المرة؛ "ما الذي غيرك من جديد، ماذا حدث؟"، فيجيب البيروقراطي قائلًا؛ "أيها الأصدقاء، بما أن الحكومة تتكون من شخصيات محافظة فعلي أنا إذن أن أتصرف بما يناسب هذا الوضع، ولذلك تغيرت. وأعتقد أن هذا الوضع لن يستمر طويلًا. وبما أنهم لن يرحلوا، أصابني اليأس ودفعني لأكون على ما أنا عليه".

بعد مؤامرة "أشرطة الفيديو" التي غيرت إدارة حزب الشعب الجمهوري المعارض عام 2010، قالوا للإدارة الجديدة (كمال كليجدار أوغلو): "عليكم مواكية اليمين قليلًا، وإلا فستخسروا الانتخابات". ولم يمر وقت طويل حتى بدأ الشعب الجمهوري يحاول الظهور بصورة مختلفة، لدرجة أنه بدأ يستورد مستشارين من سياسيّي اليمين.

لقد بدؤوا يرددون يعترفون أن ما فعلوه في السابق بحق المسلمين والقيم الإسلامية كان خطأ، بدؤوا يشاركون في فعاليات الاحتفاء بذكرى رحيل نجم الدين أربكان، وبدؤوا يعبرون عن ندامتهم بسبب ما اقترفوه من مظالم إثر حظر الحجاب.

بل إنهم أسسوا غرف تحكم من أجل إقناع أنفسهم هم بهذه السياسة الجديدة.

لقد بدؤوا يظهرون في المساجد، وبدؤوا بتلاوة القرآن الكريم حتى ولو كان نطقهم غربيًا أجنبيًا. وبدؤوا بضم نساء محجبات لصوفهم، جلّهن متهمات بالتبعية لمنظمة غولن الإرهابية.

لقد لعبوا هذا الدور بشكل جيد للغاية، لدرجة أنهم أنفسهم نسوا تمامًا أن ما يفعلونه مجرد تمثيل.

لكن في الحقيقة لم يؤثر هذا الوضع سوى على المنافقين السياسيين. فلم يصدق هذه الأكذوبة سوى منافقين سياسيين كانوا يومًا في صفوف العدالة والتنمية أو في أحزاب محافظة أخرى، وبدؤوا اليوم بالتزلف لحزب الشعب الجمهوري.

فجأة بات الشعب الجمهوري اليوم ليس كما الشعب الجمهوري بالأمس، وإن الجواب الجاهز على ألسنة هؤلاء المنافقين السياسيين هو أن "الشعب الجمهوري قد تغير، ولم يعد كما كان عليه من عداوة ضد الدين".

بينما كان كل شيء يسير على ما يرام، حدث شيء ما فجأة وبدأ كلّ يعود إلى أصله. فرئيس الكتلة البرلمانية في حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، كشف عن الوجه الحقيقي لحزبه بعد أن تعب من التمثيل، فراح يفيض بما يختزن في أعماقه وباطنه، فهاجم تعليم القرآن للأطفال الصغار ووصف الإسلام بفكر العصور الوسطى.

ثم تلاه يميني استورده الشعب الجمهوري من الخارج، هو بولنت كوش أوغلو، فصار يهذي بأن المسلمين لم يدعموا "حرب الاستقلال" التركية، وراح يقول "هذه العقلية المحافظة التي تعتبر نفسها متدينة، لم تشارك في حرب الاستقلال ولا نضال تأسيس الجمهورية".

ولم يمض وقت طويل حتى دخلت على الخط مؤسسات الإعلام التي تتبع الشعب الجمهوري وتتلقى الإشارة منه، فعادت إلى أيام انقلاب ما بعد الحداثة (28 شباط 1997) الذي عانت منه تركيا أيمًا معاناة، ودخلت هذه المؤسسات ومعها فنانون وغيرهم في سباق لمهاجمة قيم الدين ورموزه، وبات كل من يكره العدالة والتنمية يغتنم الفرصة لمهاجمة الدين وقيمه.

على الرغم من أن ما يحدث هو أمر محزن في نهاية المطاف، لكنه تحول إلى وسيلة كشفت الوجوه والصفوف.

لا نتحدث عن أناس معارضين للسلطة والحزب الحاكم فحسب، بل معارضون للقيم والمبادئ التي يهتم بها الحزب الحاكم.

لقد أوقع هذا الوضع منافقي السياسة في حرج، وباتوا في حيرة مما سيفعلونه وما يجب القيام به والتحدث به.

لكن لماذا يحدث ذلك، وقد كانوا قبل وقت قصير يظهرون بلباس المحافظين من أجل سرقة أصواتهم، لماذا بدؤوا الآن بكشف أقنتعتهم؟

المشاكل الاقتصادية التي بدأت قبل جائحة كورونا، وارتفع حجمها مع تداعيات الجائحة، والهجمات المالية القذرة، تحولت إلى بصيص أمل لجميع أطياف المعارضة التي تحتشد حول الشعب الجمهوري.

لكنهم شعروا بخيبة أمل، بعد إعلان النموذج الاقتصادي الجديد من قبل الرئيس أردوغان في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ومن ثم الآلية المالية الجديدة بهدف تحسين صرف الليرة التركية في ديسمبر/كانون الأول 2021.

هذا الوضع زاد من ثقة الشعب بأردوغان ووقوفهم بجانبه، وأسقط القناع عن وجه المعارضة ومزقه.

ولذلك فقد قرروا إعادة ضبط المصنع لأنهم أدركوا أن طيب أردوغان لن يرحل أيضًا هذه المرة.


#حزب الشعب الجمهوري
#المعارضة التركية
#تركيا
#السياسة التركية
#رجب طيب أردوغان
#يني شفق
2 yıl önce
يحاولون إعادة "ضبط المصنع" من جديد لأن "طيب أردوغان لن يرحل"
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة
واجب الجامعات تجاه غزة
أمواج "طوفان الأقصى" تثور في الجامعات الأمريكية
ميزان الضمير