أموال سوداء، مخدرات، دعارة: مساحة "سلطة مظلمة".. فمن ينظّمها؟ هل أُنشئت «جزر إبستين الصغيرة» في تركيا؟.. وكيف ستظهر هذه المرة «بصمة الموساد»؟.. حالة الطوارئ العالمية قائمة: كل الأسلحة تُفعّل.

07:5323/12/2025, الثلاثاء
تحديث: 31/12/2025, الأربعاء
إبراهيم قراغول

وقّعت ليبيا اتفاقًا عسكريًا مع باكستان بقيمة أربعة مليارات ونصف المليار دولار. ويغطي هذا الاتفاق، المبرم بين إدارة خليفة حفتر — التي تسيطر على جزء كبير من البلاد — وبين باكستان، الاحتياجات الضرورية لإعادة تشكيل القوات المسلحة الليبية من جديد. ويأتي هذا الاتفاق في وقت تشهد فيه العلاقات بين تركيا وإدارة حفتر تزايدًا ملحوظًا، وفي مرحلة تتجه فيها تركيا وباكستان نحو تكامل عسكري كامل، بما ينسجم مع الأطروحة القائلة بـ«وحدة القوة في البحار» الممتدة من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط — وربما يكون

وقّعت ليبيا اتفاقًا عسكريًا مع باكستان بقيمة أربعة مليارات ونصف المليار دولار. ويغطي هذا الاتفاق، المبرم بين إدارة خليفة حفتر — التي تسيطر على جزء كبير من البلاد — وبين باكستان، الاحتياجات الضرورية لإعادة تشكيل القوات المسلحة الليبية من جديد.

ويأتي هذا الاتفاق في وقت تشهد فيه العلاقات بين تركيا وإدارة حفتر تزايدًا ملحوظًا، وفي مرحلة تتجه فيها تركيا وباكستان نحو تكامل عسكري كامل، بما ينسجم مع الأطروحة القائلة بـ«وحدة القوة في البحار» الممتدة من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط — وربما يكون هذا الاتفاق إحدى نتائجه.


تركيا — ليبيا — باكستان: المتوسط، المحيط الهندي وهواجس إسرائيل


ليس من المصادفة أن تُضاف في اليوم نفسه مادة جديدة إلى السردية الإسرائيلية المتكررة التي تبثها وسائل الإعلام والسياسة هناك يوميًا تقريبًا، والمبنية على «الخوف من تركيا». فقد قيل:


«إن التوازن الجيوسياسي الجديد الممتد من شرق المتوسط إلى المحيط الهندي بين تركيا وباكستان يهدد الوجود الإسرائيلي في البحار».


لكن هدف هذا المقال ليس مناقشة هواجس الأمن لدى إسرائيل. ما يجري بين تركيا وباكستان وليبيا هو ببساطة «المسار الطبيعي»، بل ينبغي أن يكون أكثر من ذلك أيضًا. فنحن في مرحلة نتحدث فيها عن الغواصات النووية، ونصنع حاملات طائرات، ونناقش تقنيات صاروخية عابرة للقارات. وفي مثل هذا العصر، أصبح العقل الجيوسياسي لتركيا حقيقة يناقشها الغرب والشرق على حد سواء — وليس إسرائيل وحدها.


امتلك كل الأسلحة… واستخدم كل الأسلحة

واستعد لمرحلة ما بعد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط


سيتواصل الحديث عن المزيد. فمن البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، ومن البحر الأحمر إلى الخليج، ومن بحر قزوين إلى الأدرياتيكي — ستتوسع مناطق القوة البحرية لتركيا بسرعة. ولن تكفي أطروحة إسرائيل واليونان حول «حصر تركيا على سواحل بحر إيجه» لإيقاف دولة بدأت بالفعل في الوصول إلى المحيطات.


علينا النظر إلى كل ذلك ضمن حركة القوة العالمية الأوسع.


فنحن في مرحلة تركّز فيها الولايات المتحدة على منطقتها، وتتفاقم فيها المواجهة الأمريكية — الصينية في آسيا والمحيط الهادئ، وتُعاد صياغة العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، فيما يتجه الصراع الأوروبي — الروسي بعد أوكرانيا نحو فتح جبهات جديدة، وتطرح في الشرق الأوسط أسئلة حول «مرحلة ما بعد الولايات المتحدة».


وفي مثل هذه المرحلة، تسعى الدول كافة إلى امتلاك كل سلاح ممكن، واستخدام كل سلاح متاح.


حروب استخبارات، تسلّح رقمي، وشلل الدول


هذا كله مؤشر على اقتراب «حالة استثنائية» عالمية. الجميع يراجع مخزون سلاحه، ويحدّث وسائل دفاعه، ويعيد تعريف مفاهيم «العدو والتهديد»، ويعيد تحديد «الحلفاء والشركاء».


إنه زمن قد يؤدي فيه يوم واحد من التأخير إلى دمار دول بأكملها — ربما هو اليوم السابق مباشرة لـ«حالة الطوارئ العالمية».


في هذه الأجواء، تكثفت حروب الاستخبارات إلى مستوى غير مسبوق، وأُدخلت أساليب تتجاوز بكثير تلك التي عرفناها في الحرب الباردة.


وأصبحت العوالم الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي وبنى الإعلام العابرة للحدود واحدة من أكثر الأسلحة فاعلية.


وبينما كانت الجهود سابقًا تستهدف القادة والحكومات ضمن إطار «تغيير الأنظمة»، فإنها اليوم باتت تستهدف الجهات المسيطرة على مفاصل السلطة بهدف شلّ الدول نفسها في أي حالة طوارئ عالمية — أي الانتقال من تغيير الأنظمة إلى تدمير الدول.


أموال سوداء، قمار، مخدرات: مساحة سلطة مظلمة — من ينظّمها؟


ظهر نوع جديد من «السلطة الموازية» أضيف إلى السلطات المشروعة التي تبقي الدول واقفة: الحكم السياسي، القوة العسكرية، السلاح، التضامن الاجتماعي…


القمار، المخدرات، الدعارة — لم تعد حالات فردية، بل تحولت إلى شبكات منظمة، وأصبحت واحدة من أكثر ساحات العمل الاستخباراتي كثافة.


فكلما ازداد العمل على الدفاعيات العسكرية لدولة ما، ازدادت الهجمات على النخب التي تتحكم في دوائر السلطة داخلها.


وباتت هذه التنظيمات تهديدًا داخليًا وخارجيًا في آن واحد، حتى إن بعضها — والذي أسسته وأدارته أجهزة استخبارات أجنبية بشكل مباشر — تحوّل إلى هياكل تشارك الدولة نفوذها.


اكتشفوا «أسلحة أخرى» داخل تركيا — أصعب كشفًا وأسهل إدارة


كانت هذه القوى تؤسس في السابق تنظيمات إرهابية وتوجّهها لضرب الدول المستهدفة، فتجعلها قابلة للسيطرة. لكن هذه الطريقة صارت قديمة وغير فعّالة.


ثم بدأوا باستخدام الدول بدل التنظيمات — كما في استخدام إسرائيل لجنوب قبرص واليونان ضد تركيا. غير أن هذا النوع من التدخل الخارجي يخلق دائمًا ردودًا مضادة ويظل محدودًا.


فكان لا بد من تجربة «أساليب من الداخل». وهكذا، جرى استخدام بعض الجماعات المتستّرة تحت اسم «الجماعات الدينية»، وبعض الدوائر العرقية، ومجموعات إعلامية — كأسلحة تُطلق من الداخل.


لكننا الآن أمام حرب عالمية أوسع، ولهذا جرى تنظيم شبكات أصعب كشفًا وأسهل توجيهًا — وبحيث تكون مرتبطة بالأموال الضخمة وتستهدف النخب القيادية.


من يملك القرار — يُختطف… فتُختطف الدولة

إبستين في أمريكا، و«غولن» في تركيا — وكلاهما بإدارة الاستخبارات الإسرائيلية


يناقش العالم منذ أيام ملفات جيفري إبستين. لم يُنشر حتى الآن سوى 1% من البيانات التي جُمعت عبر الفخاخ التي نصبتها الاستخبارات الإسرائيلية للشخصيات السياسية والنافذة في الولايات المتحدة — ومع ذلك، أحدثت صدمة هائلة عالميًا.


لقد تمكّن الإسرائيليون من احتجاز الساسة ورجال الأعمال والإعلاميين وكل من له دور في السلطة عبر هذا الأسلوب — ومن خلالهم احتُجزت الدولة الأمريكية نفسها.


وبالطريقة ذاتها، أقامت الاستخبارات الإسرائيلية الشبكة التي بنتها في الولايات المتحدة عبر إبستين — داخل تركيا عبر تنظيم غولن الإرهابي (FETÖ).

تم استخدام الأساليب نفسها، وتكوّنت قاعدة بيانات ضخمة — وهي اليوم في يد الاستخبارات الإسرائيلية. لا نعرف على من يُمارس الابتزاز — أو هل يُمارس أصلًا.


تركيا وجّهت ضربة قاصمة لـ تنظيم غولن الإرهابي ودمّرته إلى حد كبير. أما الولايات المتحدة، فلم تستطع فعل الشيء نفسه — ولذلك ما زالت تلك البيانات قيد الاستخدام هناك.


هل أُنشئت «جزر إبستين صغيرة» داخل تركيا؟


في الوقت الذي كانت تُنشر فيه ملفات إبستين، فُتح في تركيا تحقيق كبير يتعلق بالقمار والرهانات والمخدرات والدعارة وغسيل الأموال وبعض الشبكات الإعلامية. وتشير التسريبات إلى أن هذه الأنشطة تجاوزت مرحلة الفردية لتتحول إلى تنظيم واسع.


الكل يعرف بعضه داخل هذه الحلقات، وتحصل تحركات مالية مهولة.

وكأن «جزر إبستين صغيرة» أُقيمت — بيوت، فنادق…

والغريب أن كثيرين من المنظمين يحملون الجنسية الأمريكية.


الاستعداد لـ«حالة الطوارئ العالمية» لا يتوقف على صواريخ وغواصات وتقوية الجيوش — بل يشمل أيضًا تنظيف «المناطق العملياتية» داخل الدول.


هل يُعاد تشكيل شبكة مماثلة داخل تركيا؟ إنها قضية أمن قومي


ربما يجري العمل على إعادة تشكيل شبكة مشابهة داخل تركيا. العلاقة بين الأموال السوداء وهذه الدوائر المتجهة إلى السلطة والإعلام تقوّي هذا الاحتمال — ولا يمكن أن يحدث شيء كهذا إلا تحت حماية وإدارة أجهزة استخبارات أجنبية.


العالم تغيّر لدرجة أن الدول التي تعيش توترًا عالميًا مكثفًا لن تتحمل مثل هذه المساحات غير الشرعية من السلطة داخلها — بما في ذلك تركيا. فلا دولة يمكنها في زمن استثنائي أن تصمد أمام ثغرات داخلية كهذه.


وإذا كانت هذه الشبكات موجهة نحو دوائر السلطة نفسها والأشخاص المرتبطين بها — فالتعامل معها يتحول تلقائيًا إلى قضية أمن قومي. وبالنظر إلى الأزمة العالمية المتوقعة — فإن هذا هو القرار الصحيح.


التوسع نحو المحيطات… أم الضرب من الداخل؟

كل الأسلحة تُفعَّل!


ما علاقة اتفاق باكستان — ليبيا بكل هذا؟

إنه مثال فقط: لقد وصلت البشرية إلى مرحلة تُستخدم فيها كل الأسلحة — من أعلى الاستراتيجيات الأمنية إلى أدق البُنى السرّية. وكل دولة تستعد للأزمة الكبرى.


وبينما تفعل ذلك، تُصفّي الجبهات التي أنشأها الآخرون داخلها. لم يعد شيء «فرديًا». كل ساحة عمليات أصبحت قضية أمن وطني.


فتركيا — وهي تقترب من باكستان وليبيا، ويتشكل محور بين المتوسط والمحيط الهندي، بينما تقيم إسرائيل واليونان جبهة في بحر إيجه، وتُعاد رسم خريطة القوة في الشرق الأوسط — لا تستطيع وهي تفتح طريقها نحو المحيطات والقارات أن تغض الطرف عن هذه الشبكات الجديدة داخلها أو عن الأفخاخ الاستخباراتية الموجهة نحو دوائر السلطة.


لنرَ كيف ستظهر هذه المرة «بصمة الموساد»!


الدول التي ستصمد وتبني القوة هي تلك التي تستطيع — إلى جانب دروعها الدفاعية وقوتها الهجومية — تعزيز مجال السلطة داخل الدولة والحفاظ على تضامنها الاجتماعي.


إن التعامل مع كل حادثة على أنها واقعة معزولة يُعمِي الدول والشعوب معًا — وتاريخ العِبَر مليء بما حدث للدول التي أصابها هذا العمى.


وكما كانت الهجمات الإرهابية في الماضي، ستكون التنظيمات المشابهة اليوم ذات المهمة نفسها والدور ذاته.


ولنرَ: كيف ستظهر في بلدنا هذه المرة “بصمة الموساد” — وهل ستظهر أصلًا؟

#السلطة المظلمة
#الأموال السوداء
#المخدرات
#تركيا
#التنظيم الدولي
#جزر إبستين الصغيرة
#الموساد