كانت القمة الثلاثية التي عقدها رؤساء تركيا وروسيا وإيران في سوتشي أولى وأقوى الخطوات نحو السلام منذ بدء الحرب في سوريا؛ إذ اتفق قادة تلك الدول الثلاث ليس على إنهاء الحرب فقط، بل على إعادة بناء سوريا. وهنام موادّ تمّ الاتفاق عليها مثل وحدة الأراضي السورية وتحقيق توافق سياسي وإطلاق سراح المعتقلين وتصفية جميع التنظيمات الإرهابية وإجراء انتخابات عادلة وشفافة برعاية الأمم المتحدة بمثابة إشارات على انتهاء الحرب والتأسيس لمستقبل جديد.
لقد شهدت تلك القمة قرارات جادّة وقوية تخصّ حلّ القضية بمختلف تفاصيلها باستثناء حساسية تركيا فيما يتعلق بتنظيمي بي كا كا / بي يي دي. فأما فيما يتعلق بمسألة بي كا كا فقد كان من الواضح أنها قضية أكثر تعقيدًا بسبب الدعم الذي يحصل عليه التنظيم الإرهابي من واشنطن التي تخطط لانتزاع شمال سوريا من أجل حصار تركيا. لكن بوتين التقى الأسد قبل يوم واحد من القمة كذلك في سوتشي التي استضافت القمة.
كان بوتين قد خاطب أردوغان بقوله "بشار الأسد هو الآخر لديه حساسية ضدّ بي يي دي مثلكم"، وهي العبارة التي كانت بمثابة دليل على أن هناك سعي لإيجاد تقارب بين أنقرة ودمشق. وقد طرح أحد الصحفيين سؤالَا على أردوغان خلال رحلة عودته من سوتشي مفاده "هل هناك احتمال أن تلتقي الأسد؟"، فكان رده "كل شيء يتطور بسرعة، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث"، وهو عبارة مفتوحة كانت كإشارة لأنه جرى التوصل إلى نقطة تحول في الحرب السورية.
لقد حدث يوم الجمعة الماضي تطور مثير يدعم القرارات التي اتخذت في قمة سوتشي؛ إذ اتصل الرئيس الأمريكي ترامب بنظيره التركي ووعده بأن واشنطن لن تدعم بي كا كا / بي يي دي بالسلاح مجدّدًا. وكان ترامب قد قال في تصريح قبل الاتصال مباشرة إنه ورث العديد من المشاكل في الشرق الأوسط وإن دخول بلاده سوريا كان قرارًا خاطئًا وإنه سينهي هذا الخطأ.
حدثت تطورات واتخذت خطوات في غاية الجدية لإنهاء الحرب في سوريا والقضاء على إرهاب بي كا كا في شمالها بالتعاون مع إيران وروسيا، وذلك بعدما أفشلت تركيا وإيران والعراق مشروع إجراء استفتاء في شمال سوريا.
ولم يبق إلا سؤال واحد؛ هل سيستطيع ترامب أن يفرض كلمته على الدولة العميقة في الولايات المتحدة؟ فلن يكون من الممكن أن تقاوم الدولة العميقة الأمريكية للبقاء في سوريا فقط بالتعاون مع بي كا كا / بي يي دي بعد القضاء على داعش.
لقد شهدنا – ربما – تطوّرًا يمكن أن يعكس سير رياح الحرب في المنطقة للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود. فنهاية الحرب السورية تعني إغلاق جبهات جديدة يمكن أن تفتح في المنطقة.
