|
العالم يعزل واشنطن لتشكيلها تهديدًا ليس ضدّ تركيا فقط
تناولت مجلة تايم الأمريكية على غلاف عددها الصادر هذا الأسبوع كيف أصبحت الولايات المتحدة دولة معزولة عن العالم بعدما ابتعدت دول العالم عنها. فالعالم اليوم أمام نسخة من أمريكا قد اتخذت موضع "الصراع العلني" ضدّ تركيا، وشكلت تحالفًا مع التنظيمات الإرهابية ودافعت عن ذلك التحالف بوقاحة، وهي تعيش الآن حالة عصيبة من تصفية الحسابات الداخلية والصراع على السلطة.


وإن بدت وكأنها تصفّي حساباتها مع تركيا، فإنّ الولايات المتحدة –في الحقيقة– تصفي حساباتها مع نفسها وسائر دول العالم. فالصراع داخل النظام الحاكم في واشنطن تضخّم بشكل كبير، فإما "سيلتهم" النظامُ القائم الرئيسَ دونالد ترمب، أو سيحول هذا الأخير (ترامب) النظامَ الأمريكي إلى قطعة من "الخردة البالية".


لم يشهد العالم أبدا أن تحالفت دولة علنيا مع تنظيمات إرهابية مثل بي كا كا وداعش، ولم تبادر أي دولة إلى الإساءة إلى حلفائها أو هددتهم صراحة كما فعلت الولايات المتحدة، ولم تنظر أي دولة حليفة للولايات المتحدة إلى إدارة واشنطن بهذا القدر من الريبة والشك.


إننا أمام حالة من الوحدة تأتي خطوة خطوة، بل سمّها –إن شئت– حالة من العزلة... فالعالم لم يكتف بالابتعاد عن الولايات المتحدة، بل إنه يعزلها ويحكم عليها بالوحدة في محاولة منه لاتقاء شرّها. لم تعد هناك أي دولة لم يمسّها شر واشنطن. فانظروا إلى أحوال الدول وسترون أن جميعها تضرر بسبب أمريكا سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو غير ذلك. فحالة من الجشع والعدوانية والرغبة في نشر العنف جعلت الدول تضع مسافة بينها وبين الولايات المتحدة.


لقد كان مشروع "القرن الأمريكي الجديد"، الذي أطلق مباشرة عقب الحرب الباردة، يهدف لاستعمار جميع دول العالم ونهب ثرواتها. لكن فطنة الشعوب وحكمتها نجحت في وقف هذا المشروع الأمريكي. وسرعان ما شهدنا في عهد جورج بوش الابن الانتقال إلى خطة على مستوى عالمي سعت إلى "الحرب على الإسلام" تحت عباءة "مكافحة الإرهاب".


كما تسبب مشروع اليمين المتطرف الإسرائيلي الجديد في أن تواجه العديد من البلدان، من أفغانستان شرقا إلى العراق غربا، الاحتلال والحروب الأهلية، وهو ما أفضى إلى أن يستفيق العالم الإسلامي بغضب كبير ويكتسب القوة ويستثار. لقد بدأت العديد من الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وحتى في قلب أوروبا، تستفيق لمواجهة الطموحات التوسعية والاستغلالية للولايات المتحدة. وأما الدول الآسيوية التي تقودها روسيا والصين فقد أطلقت شرارة حرب اقتصادية شرسة ضد الولايات المتحدة، وإن كانت حرب غير معلنة.


إن العالم يحاول هذه الأيام وقف هذا الذئب الضاري؛ إذ ينظر العالم بأسره إلى الولايات المتحدة اليوم على أنها التهديد الأكبر الذي يحدق به بعدما تخلت عن قيم مثل الأخلاق السياسية والموثوقية والعيش في سلام مع بقية الأمم، وانجرفت إلى حافة صراع شبيه بذلك الذي حدث في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وإن كان العالم لم يعبر عن هذا التعريف الجديد لواشنطن بشكل صريح، إلا أن الدول بدأت تتخذ قراراتها وتعد نفسها وفقا لهذه الحقيقة الضمنية. ولقد تحولت الولايات المتحدة إلى دولة "يجب اتقاء شرها" بعدما كان العديد يؤمنون يوما ما بأنها ستقود العالم.


لقد تحالفوا مؤخرا مع بي كا كا وداعش لمهاجمة تركيا. فهذه الموجة الثانية من الهجمات عقب أحداث 15 يوليو/تموز أفضت إلى غضب أنقرة التي بدأت تنفيذ مشروع "درع تركيا" بدءا من عفرين. فبلدنا اليوم تنشأ درعا آمنا بهدف حماية جميع حدودنا الجنوبية في مواجهة الولايات المتحدة التي تسعى لتحويل حدودنا الجنوبية إلى جبهة هجوم ضدنا. ولقد أفضت عملية عفرين إلى قطع الروابط، التي ضعفت بشكل كبير، بين أنقرة وواشنطن.


ذلك أن الولايات المتحدة أضافت تركيا إلى قائمة أمثلة ضرب أقرب حلفائها. وليس من الممكن أن تبقى هذه الدولة، التي لم يصبح لديها أي شيء مقدس، في الأراضي السورية أو أن تشكل تهديدا بالنسبة لتركيا. كما من المستحيل أن تستطيع أن تصمد في الشرق الأوسط بالتعاون مع بضعة تنظيمات إرهابية بعدما خسرت جميع حلفائها في المنطقة.


نعم، فالولايات المتحدة وحيدة، لكن – في الواقع – دول العالم هي التي عزلتها وحكمت عليها بهذه الوحدة. لقد خسرت واشنطن الدول والحكومات والشعوب، ولم يبق بجوارها سوى التنظيمات الإرهابية من نوعية بي كا كا وداعش، وهو ما يعتبر محاولة انتحار بالنسبة لها.


ولن يمر وقت طويل حتى نناقش الانهيار الداخلي والطرد العالمي والانهيار الكبير الذي سيصيب الولايات المتحدة. وماذا عن تركيا؟ إنها في عهد صعودها؛ إذ ستواصل الصعود بينما ينحدر البعض، وهو ما سنراه عما قريب. 

#تركيا
#الولايات المتحدة الأمريكية
#إبراهيم قراغول
6 yıl önce
العالم يعزل واشنطن لتشكيلها تهديدًا ليس ضدّ تركيا فقط
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة