يحاولون تحويل القضية إلى مسألة طائفية كردية وذلك عن طريق تحريض الرأي العام لإشعال الاحتجاجات الشعبية وتكثيف كافة روابط دولتنا الخارجية تجاه هذه الادعاءات وإغلاق المنافذ السياسية وفق هذه الأساليب التقليدية التي طالما طبقوها طيلة السنين الماضية، كما يطمعون بسدّ كافة المنافذ السياسية عن طريق أساليبهم التقليدية، حيث أنهم ظنوا أنهم قادرون على التغلب علينا عبر "أحصنتهم الطراودة" المندسة داخل نظامنا في وقت لن تستطيع فيه دولة تركيا سوى الصراخ.
هكذا كانت حساباتهم، ولقد برمجوا أنفسهم أنه "ليس بمقدور تركيا فعل أي شيء رغمًا عن أمريكا"، وظنوا أن الإعلام الأوربي والأمريكي كافي للتغلب على تركيا ولقد جرّبوا ذلك بأنفسهم ولكن فشلوا، ورغم أنّ الإعلام العربي والإيراني ساندهم.
تتوالى التصريحات الصارمة يوميًا من أمريكا، وتعاد الهتافات التقليدية من أوربا، إضافة إلى بعض الدول العربية التي وقفت ضد تركيا بناء على أوامر أمريكا وإسرائيل، رغم أنها معرّضة إلى خطر تفكيك وتجزئة أراضيهم بناء على المشاريع الغربية.
لكن فشلت كافة حساباتهم ولن تنجح مؤامراتهم، لدرجة أن كافة حسابات أمريكا وأوربا وبعض دول المنطقة صبّت في التنظيمات الإرهابية، ويا لهذا الخزي والعار والحماقة.
وإن عدم مقدرة أمريكا والدول الأوربية تطبيق مشاريع بحق دول المنطقة إلا بالاعتماد على تنظيم بي كا كا الإرهابي هو دليل على عجز تلك الدول وبداية فنائها. ويا له من عجز أوقع سياساتهم ومخططاتهم إلى حاجة التنظيمات الإرهابية، لقد وصلوا إلى درجة من اليأس لم يصلوا إليها منذ الحرب العالمية الأولى، وبعد الآن لم يعد لهم شريك صريح سوى تنظيم بي كا كا الإرهابيّ، ولم يعد لهم شريك سرّي سوى تنظيم داعش.
لقد استخفوا بتحول تركيا الجذريّ، واستصغروا أهمية المقاومة التي بذلتها تركيا في الداخل والخارج. ولم يستوعبوا التحول التاريخي الذي تخوضه هذه الدولة ووصولها إلى مرحلة الازدهار الجديد، ولن يتقبلوا ولن يهضموا ذلك ولكن لن يستطيعوا الوقوف أمام تركيا.
ولقد ظنوا أنّ بلدنا تركيا "تخوض معهم كيف يشاؤون ومتى يشاؤون" وأنهم "يستطيعون تهديدنا وابتزازنا وإسكاتنا" متى يشاؤون.
وبعد الآن سوف يندهشون ويتفاجؤون منا كثيرًا، ولقد فشلت مخططات محصارتنا من الخارج وعليهم أن يعلموا أننا لن نقف في عفرين ولا في منبج، وسوف نقوم بتصفية كافة الأدوات الإرهابية من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود إيران. وسوف نفشّل كافة مخططات الدول الأجنبية الحامية.
وعليهم أن يعلموا أنّ كافة مؤامراتهم وخرائطهم سوف تُطمر بين نفايات التاريخ وستتحوّل حدود تركيا وأبوابها الجنوبية إلى جبهة لتشكل "درع تركيا".
لا أحد يظن أنها مقاومة إرهابية من النطاق الضيق، ولا أحد يتأمل أن قرار تركيا هو قرار مؤقت أو عابر، ولا أحد يظن أنّ المسألة سوف تنتهي عند عفرين، أو أنه مجرد موقف مزاجي. إنها مقاومة تركيا بأن تكون أو لا تكون، وإنها تبذل هذه المقاومة لتحمي حدودها وأراضيها، ولقد أعلنت تركيا من خلال هذه العملية انتهاء مرحلة تسويق الخطورات من الداخل ومحاولة صدها من الداخل.
لذا تركيا لم تعد تصد الخطورات من حدودها وسوف تقضي على الخطر بعد الآن من مصدره في أي بلد أو في أي قطعة أرض كان.
وسوف تلقى أي عملية إرهابية ردها من تركيا هي ومن ساند تلك العملية ، ولا شك أن الرد سيكون صارمًا وقاسيًا. هكذا ستكون تركيا بعد الآن.
وبعد الآن لن يستطيع أي تحالف أو أي شراكة الوقوف أمام مستقبل تركيا ولن يستطيع أي مخطط غربي موجه إلى المنطقة أن يصدّ تركيا أو يمنعها أو يوقفها أو ينصب لها فخًا، لأنه بعد الآن تركيا ستسير بناء على خبرتها التاريخية و تراكمها الجغرافي وبناء على تاريخها البالغ للألف عام.
تم تصفية يوم أمس قرية بلبل الواقعة في قضاء عفرين من كافة الأدوات الإرهابية وذلك خلال عملية دامت 24 ساعة فقط وهي بعد الآن لم تعد تحت السيطرة الغربية. وسوف يتم تصفية كافة القرى والمدن التالية. عفرين ثم منبج ثم بعد ذلك شرق الفرات. لن يستطيع تنظيم الـ بي كا كا ولا حتى أمريكا أن تمنع تدخل تركيا في تلك المنطقة.
وبعد فترة من الآن فإن مصير أمريكا هو الانسحاب بعد أن تقتنع بعجزها، لأن أمريكا لم تعد مسيطرة على الشمال وإن نفوذها انزلق تجاه الإمارات العربية المتحدة والسعودية أي تجاه الجنوب والغرب، والحافز الوحيد الذي سيبقى لدى أمريكا وإسرائيل هو تحريض كل من إيران والسعودية، لذا فإن حرب سوريا مصيرها الانتهاء وقوات تنظيم الـ بي كا كا وكل من يساندها مصيرها الانسحاب.
وإن عملية عفرين ليست ضد القوات الإرهابية ومن يساندها فحسب، بل إن عملية عفرين هي ضد الأدوات الإرهابية السرية الداخلية، أي أن هذه العملية هي ضد شركاء البعض في الداخل، وإنها مقاومة تُبذل بهدف تشكيل "محور تركيا" وتوحيد الخلية المركزية وتأسيس خط مقاومة وطنية لتسريع الخطوات الدرب المستقبلية.
لاحظوا أن في كل مرحلة تدافع فيها تركيا عن نفسها تبرز تلك الفئة من خلال تعليمات الغير وفق كلمات برئية فوق ستارة عداوة سرية، ولاحظوا إلى هؤلاء الذين يعلنون الإشعارات المتتالية ويحاولون رفع أصواتهم في كل فرصة. لكنهم لم يعودوا أقوياء كما كانوا سابقًا، ولم يعد بإمكانهم معاداة تركيا مثلما كانوا سابقًا.
وإن العملية التي بدأت في عفرين ليست عملية تستهدف القوات الإرهابية فقط، بل هي عملية تستهدف الفكر الإرهابي أيضًا، وتركيا تبذل في نفس الوقت مقاومة وطنية ضد الإرهاب الفكري. وليست هادفة فقط إلى إنهاء سياسات أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوربية الموجهة إلى تركيا الهادفة إلى ضبطها عبر الإرهاب.
كما أن هذه العملية ليست محصورة بخرق كافة مشاريع أمريكا مع المجموعات الإرهابية حول إضافة تركيا إلى خرائط الدول المجزأة ورميها في وجوههم، بل هذه المقاومة أيضًا هي بهدف إحياء تاريخ هذه البلد الذي بلغ تاريخا للألف عام وبهدف كسر حلقة التدخلات المستمرة منذ قرن كامل وعكس الرياح الخبيثة ضدهم، وإن مركز هذه المقاومة ليس في عفرين فقط بل في داخل تركيا أيضًا.
هناك من تلقى في أحداث غازي أوامر المخابرات المركزية و في عملية 28 فبراير أوامر المخابرات الإسرائيلية، وفي عملية 17-25 ديسمبر و15 يوليو أوامر المخابرات الإسرائيلية والأمريكية ، ولاحظوا أنه إلى الآن يرسلون التعليمات إلى كثير من العناصر الداخلية ولكننا لم نسمع أصواتهم اليوم، لأنّ الشعب قد رصّ صفوفه ولا يوجد أيّ فراغ يستطيعون من خلاله رفع أصواتهم.
وها قد انتهى زمن التكبر والإرهاب الفكري، ولقد انهارت سلطنة هؤلاء الذين دفعوا رؤوس أموالهم في سبيل معارضة تركيا، والذين لم يربطهم أيّ شيء عاطفي تجاه هذه الأراضي، والذين طالما تحرّكوا بناء على تعليمات أسيادهم، والذين طالما استحقروا هذه البلد وهذا الشعب، وطالما حاسبوا الحكومة واستصغروا المبادئ والقيم، ألا وهم أعداء التاريخ.
ومن الملاحظ أنّ الإرهاب الفكريّ يفشل كلما حاربت تركيا تنظيم بي كا كا ولقد انتهى زمن النفوذ في المحيط الفكري ومنظمات المجتمع المدني في سبيل محاربة تركيا وإرضاء الغير، وانتهى زمن إسقاط النظام من الخارج عبر تسويق نقط ضعف السياسة التركية وعيوبها.
لا شك أنه كلما ازدادت درجة المقاومة الخارجية كلما نفدت عناصر الخيانة الداخلية. وكافة العناصر الداخلية والخارجية ستفهم ماهية مرحلة التحول الجذري الذي أطلقناها بعد عملية 15 يوليو/تموز، وستستوعب رجوعنا إلى تاريخنا السياسي الممتد إلى القرون الماضية، وسترى درجة المقاومة التي وصلنا إليها اليوم في الأناضول والمنطقة.
لذا فإن المسألة ليست مسألة عفرين فقط، وليست مقاومة إرهابية عابرة، بل إنها واقع ازدهار شعب بلد بأكمله.
إن التاريخ قد تحوّل، و شعبنا استلم دور صناعة التاريخ للمرة أخرى. ومن الآن كل تطور أو اعتداء أو دفاع سيكون ضمن هذا المحور، وسيكون جزء من المواجهة الكبرى، وعلى الجميع أن يعلم أنه لن يستطيع أي أحد إيقاف هذا الازدهار.
وليست القوات الإرهابية فقط من سترى هذه الحقيقة بل كافة البيئة الأطلنطية سترى وتستوعب المرحلة الجديدة لدولة تركيا.
لأنه لن نرجع من هذه المسيرة، ولأنه انهيارنا وازدهارنا قد غير العالم سابقًا، ولا شك أن مرحلة الازدهار الحالية سوف تغير هذا العالم ولفترة طويلة...