|
نسخة جديدة من أحلام غيزي بارك. "الانسياق" المحافظ والبحث عن "سقف" جديد. من سافر إلى أمريكا يوم 22 مايو؟ أين يجولون هذه المرة؟

لماذا يطرح البعض للنقاش من جديد اليوم الحديث عن أحداث منتزه غيزي بارك بعد أكثر من 5 سنوات من اندلاعها؟ لماذا تملك أمل كهذا البعض في تركيا من جديد؟ وبأي الأهداف السياسية والأجندات السرية التي يتحرك بها الراغبون في نقل تمرد "السترات الصفراء" إلى تركيا؟

فلنطرح هذه الأسئلة ثم نكمل حديثنا

هل نحن أمام رغبة في ضمّ أوساط سياسية جديدة وأكثر اختلافًا واتساعًا هذه المرة لـ"تحالف السقف" الذي تمّ تشكيله من المجموعات المهمّشة في غيزي بارك؟ ومن أي "الطرق المختصرة" يخططون لتغيير السلطة في تركيا من خلال حالة الفوضى المجتمعية التي تسبق الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها نهاية مارس/آذار المقبل؟

البحث مجدّدًا عن مجال لـ"تدخل دولي"

هل يطمح البعض لإثارة حالة غضب جديدة عن طريق تحريض الهويات العرقية والمذهبية للنزول إلى الشوارع من جديد وإشعال فتنة القومية العرقية المختبئة هذه المرة تحت عباءة التيار المحافظ ووضعها تحت السقف ذاته مع حزب الشعب الجمهوري وسائر التيارات الهامشية الأخرى مع ضم بعض من دخلوا في خصام مع حزب العدالة والتنمية؟

هل يحاولون تهيئة المناخ النفسي لسيناريو "تدخل دولي" جديد في الوقت الذي تحترق فيه شوارع باريس وتقترب فيه الانتخابات في تركيا ويتم تحويل فيه عداء بن سلمان وبن زايد لتركيا إلى أموال وتبحث فيه أذرع منظمة غولن الإرهابية عن تحالفات جديدة؟

"الانسياق المحافظ" والتحزبات الجديدة

السرية التي سيطرت على زيارة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو خلال زيارته إلى ألمانيا والمباحثات التي أجراها هناك، واللقاءات التي عقدها عقب عودته، والتدخلات "العملية" ضدّ تحالف الجمهور، والتحالف بين الأوساط السياسية التي لم يكن من المحتمل أبدًا أن تجتمع في خندق واحد ضدّ "هدف مشترك" هذه المرة، ومحاولات تأسيس أحزاب سياسية محافظة جديدة، والتحزبات الجديدة التي تجري في هذا الإطار في العديد من المجالات من عالم الأعمال إلى الإعلام ومن منظمات المجتمع المدني إلى السياسة..

فلا يوجد أيّ حدث من هذه الأحداث منفصل عن بقية ما يحدث، بل إنّ جميعها مراحل مختلفة من مشروع واحد يديره مركز واحد. فالصورة واحدة، لكن أكثر ما يلفت نظري شخصيًّا هو التعاون القائم بين الأوساط "الإسلامية" المحافظة وبين بعض الجهات الأخرى، وكذلك اللغة الجديدة التي بدأت تتبناها وحالة "الانسياق" الكبيرة التي سيطرت عليها. ذلك أنّ هذا "الانسياق" يركز على "تصميم تركيا" أكثر من بحث عن مستقبل سياسي أفضل، وهو ما لا يضفي عليه صبغة محلية.

إذن كيف بدأت أحداث غيزي بارك؟
من سافر إلى أمريكا يوم 22 مايو/أيار؟

اندلعت أحداث غيزي بارك يوم 27 مايو/أيار 2013 إثر قطع بضع أشجار من المتنزه المتاخم لـ "ميدان تقسيم" الشهير في إسطنبول. بدت الأحداث في البداية وكأنها رد فعل "بيئي" بريء، لكن سرعان ما تضخمت وزاد عدد المشاركين فيها حتى وصلت إلى مرحلة القضاء على مشاريع تركيا الكبرى والمطالبة بإسقاط الحكومة. ولقد قسم عناصر الاستخبارات الأمريكية والأوروبية إسطنبول إلى شوارع وأداروا أعمال التمرد/الإرهاب. لقد كانت مشاهد خطيرة بالنسبة لإسطنبول وتركيا بأكملها، لقد كانوا يعاقبون سكان الأناضول على خياراتهم السياسية، بل كانوا يعاقبون تركيا كلها. ولقد تجوّلت كثيرًا بين هذه القاذورات وأعمال التخريب، فكانت تلك المنطقة تشهد وقوع أحداث شديدة ومؤلمة بالنسبة لوطننا.

لم يلفت هذا الموضوع انتباه أحد عندما سافر كل الأسماء الحساسة رفيعة المستوى بمنظمة غولن الإرهابية إلى الولايات المتحدة يوم 22 مايو/أيار من العام نفسه، ثمّ عادوا إلى تركيا يوم 26 مايو/أيار لتطلق تمرّد غيزي بارك بعدها بيوم واحد. (كان يمكن الحصول على كل هذه المعلومات من تسجيلات المطارات). وكان في الظاهر أنّ من أدار هذه الأعمال الإرهابية اليسار المهمش والمنظمات "المدنية" الأجنبية (الاستخباراتية في حقيقة الأمر) وتنظيمات مثل حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري. لكنّ منظمة غولن الإرهابية هي التي كانت المتحكمة بكل شيء بعدما سافر أعضاؤها إلى الولايات المتحدة لتلقي التعليمات والتخطيط من أجل "التحرك".

كان تمرّد غيزي بارك مخطّطًا لـ"حرب أهلية ذات محور عرقي ومذهبي"

ولهذا السبب كانت أحداث غيزي بارك تدخلًا دوليا. فالتنظيمات والأوساط المهمشة والكيانات ذات المحور المذهبي كانت تدار مباشرة من جانب استخبارات الدول الأوروبية. كما كان أفراد منظمة غولن الإرهابية، الذين سيطروا على النظام العصبي للدولة في تركيا، يدارون على يد أمريكا وإسرائيل.

أي أن أحداث غيزي بارك كانت الهجوم الأول لتدخل إشعال الحرب الأهلية ليلة 15 يوليو/تموز. فروّجوا حينها للحرب الأهلية؛ إذ بنوا مخططهم على جعل المواجهة بين المتمردين ومئات الآلاف من المواطنين لتندلع اشتباكات عرقية ومذهبية في مختلف مدن تركيا.

وعندما فشل هذا المخطط، فعّلوا الجناح العسكري لمنظمة غولن الإرهابية يوم 15 يوليو/تموز، وكان ذلك بمثابة هجومًا تدميريًّا. ولهذا السبب كانت أحداث غيزي بارك و17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013 ومحاولات الاحتلال التي تجرأت بسبب وتيرة الحل في ولاياتنا جنوب شرق الأناضول ومحاولات "الحصار" من شمال سوريا (التي لا تزال مستمرة إلى الآن) وأحداث 15 يوليو/تموز مراحل مختلفة من التدخل الدولي الذي استهدف تركيا.

هذه المرة لا يوجد عناصر غولن وأنصار سوروس
فنحن أمام "سقف" أوسع يتشكل

واليوم نلاحظ وجود محاولات خبيثة لفتح الأبواب أمام "تدخل" جديد، فهناك حالة تحزب جديدة تحت عباءة "المعارضة البريئة". ونحن هذه المرة لا نواجه فقط منظمة غولن الإرهابية أو أنصار سوروس أو الكيانات التي يمولها الاتحاد الأوروبي أو "الجبهات" الهامشية فحسب، بل أصبحنا أمام محاولة لإقامة جبهة أشمل وأعم بكثير من ذلك.

أضف إلى ذلك أن المؤامرة هذه المرة تشمل بعض الأوساط ذات المظهر "الإسلامي-المحافظ". فما فشلوا في الوصول إليه من خلال حزب الشعوب الديمقراطي يحاولون الوصول إليه – بشكل عجيب – من خلال عباءة "التيار المحافظ". فالعناصر الخفية الموالية لذلك الحزب ومنظمة غولن الإرهابية تجرّب هذه الطريقة.

فالخطر موجود هنا؛ إذ إن هذه الإشارات لا تعتبر أبدًا سعيًا خلف معارضة مشروعة. فحدود المعارضة المشروعة وطرقها معروفة للجميع. فمن يريد أن يعارض بحق؛ عليه الكشف عن أهدافه وتأسيس هيكله التنظيمي وفقًا لذلك والخروج أمام الشعب، فيكافح من أجل الوصول إلى أهدافه ويحاول الحصول على تأييد الشعب.

الأجندة والسرية والتحزب ذاته: أمر صار مألوفًا

لكننا هنا أمام نوع آخر من التنظيم والتحزب ومحاولات إقامة علاقات خارجية وتحديد المواقف والخطابات السياسية وفق هذه العلاقات وعقد التحالفات وفق إملاءات تلك العلاقات والسعي من أجل "الحصول على نتائج من طرق مختصرة" وفق مخططات قوى أجنبية.

وللأسف فإنّ التدخل الدولي الجديد مبني على استراتيجية استمالة الأوساط التي تشكل عصب هذه الدولة وكذلك أصحاب النفوذ عليها. ولو نجحوا في ذلك فسيكونون قد اكتسبوا قوة اجتماعية أوسع بكثير.

ذلك أنهم يعلمون أن أي مخطط سياسي يضم التيار المحافظ سينجح لا محالة في تركيا. ولهذا السبب تحديدًا فقد أعادوا ترتيب أوراق كلّ الألاعيب عن طريق وضع هذا التيار في المركز. والآن تسنح أمامنا فرصة رؤية بعض الأشياء خلال مرحلة "تطبيق" هذا المخطط.

ما يحدث في باريس هو تصفية حسابات داخلية أوروبية

لا يوجد أيّ حساب سياسي أهم من هذا الوطن. كما لا تعطي السلبيات الموجودة في بنية السلطة وأيّ اعتراض عليها أيّ أحد الحق والشرعية في إجبار تركيا من جديد على مواجهة تلك السيناريوهات "الدولية". هذا فضلًا عن أيّ مخطط سياسي لن يجد أرضية له في تركيا من خلال "انسياق" على هذه الوتيرة.

إن إعادة الحديث عن أحداث غيزي بارك ليست تشبيهًا رومانسيًّا إزاء ما تشهده فرنسا. فما يحدث في باريس هو معاقبة لمن يرفضون وصاية الولايات المتحدة، تدخل إنجليزي – أمريكي – إسرائيلي لزعزعة مجال السلطة المركزية للاتحاد الأوروبي والحيلولة دون البحث عن حلول جديدة. وأما المرحلة الشرق أوسطية من هذا التدخل فيروج لها وتمول بواسطة بن سلمان وبن زايد.

يجب على التيار المحافظ تجنب السقوط في هذا الفخ

وأما من يلهثون خلف هذا المخطط لنيل حصتهم منه فيتغذون من الجبهة الأمريكية – البريطانية – الإسرائيلية وكذلك من "المحور" الجديد المقام على حدودنا الجنوبية. فهذا هو هدف الحرب التي يخوضونها ضدّ تركيا في شمال سوريا. فشركاء هذا "الممر" في الداخل التركي هم كذلك شركاء تلك المساعي الجديدة.

إننا أمام موجة تدخلات سرية جديدة يروجون لها في صورة "معارضة"، ولا شك أنّ هذا أمر مؤقت. وإنّ الداعمين العلنيين والسريين لغيزي بارك و15 يوليو/تموز هم جزء من هذه المؤامرة. لكنهم يخططون هذه المرة لتنفيذ ألاعيبهم من خلال الأوساط المحافظة العريضة. ولهذا يجب أن تكون هذه الأوساط منتبهة ويقظة. وهذا تحديدًا هو سبب مخاوفي وتحذيراتي بشأن "المعارضة المحافظة" و"التدخل المحافظ".

#إبراهيم قراغول
#تركيا
#أحداث غيزي بارك
#محاولة الانقلاب الفاشلة
5 yıl önce
نسخة جديدة من أحلام غيزي بارك. "الانسياق" المحافظ والبحث عن "سقف" جديد. من سافر إلى أمريكا يوم 22 مايو؟ أين يجولون هذه المرة؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة