|
حسابات صغيرة في دولة كبيرة. نقاشات الانقلاب والتوقيت العجيب لتصريحات عبد الله جول. تقرير "راند" عن الانقلاب ومتطوعونا... سيستغلون من بعد غولن؟ أصحاب الوصاية من المحافظين المتكبرين أصحاب المظهر المتواضع. تحرّك أنصار الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا القدامى! هل يدعون من أجل "تدخل الولايات المتحدة في تركيا"؟

لقد حرضوا من علقوا آمالهم على 15 تموز ليتحركوا من جديد. فأولئك الذين عقدوا آمالهم ذلك اليوم على الانقلاب يبدو وأنهم عقدوا آمالهم هذه المرة على الانقلاب والتدخل الخارجي.

إن الذين صمتوا ليلة 15 تموز بدأوا يتكلمون اليوم بصوت عال، بل إنهم فعلوا ما هو أكبر من ذلك عندما بدأوا إقامة الجبهات وتشكيل التحالفات والخروج إلى الساحة رافعين الشعارات والعبارات القديمة.

إن الذين اختبأوا وأخفوا أنفسهم ليلة 15 تموز خرجوا اليوم وصاروا شجعانا وروادا للحق وبادروا إلى تقديم النصح للجميع بوقاحة شديدة، وأخذوا يكتبون في مقالاتهم وكأنهم من أصحاب العدل والحكمة.

أصحاب الوصاية من المحافظين المتكبرين أصحاب المظهر المتواضع

تحرّك أنصار الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا القدامى!

لقد صدرت لهم التعليمات بإقامة جبهة داخلية ليكونوا أداة لتدخل خارجي من خلال الكبر المستتر تحت المظهر المتواضع وعقلية الوصاية المخفية خلف الهوية المحافظة والطمع المخفي خلف التظاهر بالتعرض للظلم.

لقد حرضوا كل أنصار الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا القدامى ليتحركوا؛ إذ ظهر على الساحة كل من عملوا في الإعلام التركي لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا على مدار نصف قرن وغيرهم من الجيل الشاب من أنصار هاتين الدولتين الغربيتين والذين عملوا مع تنظيم غولن الإرهابي لعقدين من الزمان ثم نجوا بأنفسهم دون أدنى خسارة من هذه العلاقات عقب أحداث 15 تموز.

تقرير "راند" عن الانقلاب ومتطوعونا...

سيستغلون من بعد غولن؟

تعمل مؤسسة راند ضمن جهاز الاستخبارات الأمريكية، ولقد مهدت هذه المؤسسة الطريق أمام العديد من التدخلات الخارجية (الانقلابات) على مدار عقود في العديد من البلدان التي كان من بينها تركيا. وقد أعدت هذه المؤسسة تقريرا جديدة يخلص تركيا ويقع في 277 صفحة جاءت فيه عبارة "الطبقة الوسطى من قوات الجيش التركي منزعجة، ولهذا ربما تحدث محاولة انقلاب جديدة".

لقد كررت مرة أخرى، كما يفعل أصحابنا بالداخل، أحلامها القديمة الباقية من أيام الحرب الباردة. صحيح أنهم كلما كانوا أحدثوا ضجة وقعت أحداث في تركيا، وآخر هذه الأحداث محاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة التي جاءت بعد النقاش حول احتمالية وقوع انقلاب، وكانت الولايات المتحدة مصدر هذا النقاش. ولنفترض أنهم يعلمون شيئا ويجهزون لشيء..

والسؤال الأساسي هنا ليس تقرير راند وإنما سؤال داخلي: من سيستغلون هذه المرة؟ أو من يجهزونه؟ أو يعملون على تحضير من؟

الانقلاب الحقيقي يحدث في بيتكم في أمريكا!

وأما النقطة المؤلمة هي أن المكان الذي يجب النقاش والتساؤل حوله هو ههنا. فالانقلاب بالداخل، ومحاولة الانقلاب بالداخل. ويبدو هذه المرة أن العديد من الأشخاص والأوساط الذين تظاهروا في السابق بأنهم ضد الانقلابات قد علقوا آمالهم على هذا الأمر.

لكن لنقولها فورا؛ لا تتمتع الولايات المتحدة حاليا بالقدرة على تنفيذ أي انقلاب في أي مكان. ذلك أن الانقلاب الحقيقي يحدث على أراضيها، وهذا ما سيستمر كذلك مستقبلا. فعقب محاولة عزل ترامب سنشاهد جميعا الآلام والصراعات والإجراءات التي سيشهدها النظام القائم في أمريكا.

أي الدول الأخرى ستدعونها للمساعدة في إسقاط أردوغان؟

وهل يوجد أساليب وأشخاص لم يستغلوهم لإسقاط أردوغان؟ لقد طلبوا المساعدة من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وألمانيا، بل ومؤخرا طلبوا المساعدة من دول خليجية كالسعودية والإمارات لتمد لهم يد العون بأموالها.

لقد تخلوا عن الأساليب القديمة لإسقاط تركيا؛ إذ تركوا أساليب الانقلاب والإرهاب الكلاسيكية. نفذوا أولا عملية استهدفت حزب الشعب الجمهوري الذي أقصوه من محور تركيا وجردوه من هويته المؤسِّسة ووضعوه في محور حزب الشعوب الديمقراطي.

ثم نفذوا عملية استهدفت حزب الحركة القومية لإضعاف المحور الوطني، فقسّم الحزب وتشكل نموذج "الحزب الجيد" وأصبح القوميون يقفون على جبهة واحدة مع غولن وبي كا كا.

تشكيل القاعدة المجتمعية من أجل "نموذج الحزب الجيد المحافظ"

وبعد ذلك بادروا لصياغة "نموذج الحزب الجيد المحافظ". وكان يجب كذلك تقسيم حزب أردوغان! فكان هدفهم إضعاف أردوغان وتركيا وجعلها قابلة للخضوع لسيطرتهم.

وفي هذا السياق "اقتطعوا" بعض الأوساط المحافظة واستغلوا الاعتراضات والتخوفات القديمة وحاولوا تشكيل قاعدة مجتمعية من أجل "نموذج الحزب الجيد المحافظ".

ولقد استغلوا في هذا الإطار كذلك أسماء من المحافظين القدامى. ونفذوا المخططات المتتالية من خلال بعض الصحفيين، وهو ما لا يزال مستمرا. فغفل الناس عن القيم والحساسيات الاجتماعية تحت مسمى "الحق". كما لجأوا كذلك لاستغلال عناصر غولن وبي كا كا المستترة.

لقد شكلوا تحالفا من خلال الأحزاب السياسية، ثم ألبسوا هذا التحالف لباس عبارات غولن – بي كا كا. كما أقاموا شراكة انتخابية بين الأحزاب السياسية والتنظيمات الإرهابية. والآن يجربون هذا الأمر كذلك من خلال التيارات المحافظة ليكملوا الجوانب الناقصة من الصورة.

هل الشيء الذي وصفه تقرير مؤسس راند بـ"الطبقة الوسطى من قوات الجيش التركي" هو الجانب العسكري من هذا المخطط؟ هل لا يزال داخل الجيش التركي عناصر تابعة لتنظيم غولن الإرهابي؟

والتوقيت العجيب لتصريحات عبد الله جول

من اختارها يا ترى؟

والآن فلننتقل للحديث عن شيء آخر، ألا وهو الانتقادات العادلة و"البريئة" والماهرة والمستترة!

إن "النقد الممنهج" الموجه لأردوغان وأسرته وحزبه إنما هو مخطط وجزء من هذا العمل المشترك. لقد بدأوا تنفيذ "مشروع سياسي" صريح واختاروا لغة تناسب هذا المشروع. فمن فعلوا ذلك الأمر اختاروا لغة استغلوا لصياغتها جوانب الضعف والحساسيات وحالات الغضب والأطماع والتوقعات وما إلى ذلك.

وبينما يعملون على نشر النقاشات الدائرة حول الانقلاب في الداخل، يظهر الرئيس السابق عبد الله جول بتصريحاته الأخيرة. يا له من توقيت عجيب! فمن السهل عليك فهم هذا التوقيت الرخيص إذا كنت متابعا قديما لنموذج "وضع المخططات" الذي يطبقه البعض، وحينها ستدرك فورا أن توقيت هذه التصريحات لم يكن من قبيل الصدفة.

الزعم بضرورة "العودة للنظام البرلماني"!

من يقول هذا؟ رغبة من هذه؟ مخطط من؟

يزعمون بضرورة "العودة للنظام البرلماني"! السبب؟ من يريد هذا؟ لماذا تريدونه؟ لماذا النظام البرلماني مقدس بالنسبة لكم لهذه الدرجة؟ أأنتم من يريد هذا أم أناس آخرون؟

إن الوسط السياسي في تركيا اليوم هو الوسط السياسي الوحيد في العالم الذي يجعل من النظام البرلماني مطلبا وموضوعا للنقاش السياسي. ففي الوقت الذي يسير فيه العالم نحو الأمام وتنهار فيه كل الأنظمة السياسية فإن السياسيين في تركيا لا يزالون يحلمون بالعودة إلى القرن العشرين.

وأما حجتهم في ذلك هو أن صلاحيات البرلمان قد ضعفت! لقد كنت أعتقد أنتم يتحدثون عن مخاوف سياسية ووطنية أكبر. لكن يبدو أن هذه هي طريقتهم لإدراك الأوضاع التي تعيشها تركيا والعالم! فحجتهم تعجز عن تبرير ما يقولون.

الوضع خطير للغاية ولا يمكن اعتباره موقفا وطنيا أبدا

إنني أرى أن تزامن هذه التصريحات مع النقاشات الدائرة حول الانقلاب والترويج لها جميعا في الوقت ذاته أمر في منتهى الخطورة. ولم أفهم أبدا حجتهم في ذلك. وكأنهم يسعون لإتمام جزء آخر من الصورة.

ولنتحدث بشكل أوضح:

لقد زادت صعوبة إدارة تركيا، ذلك أنها حققت نموا كبيرا على المستويات كافة ولم تعد تقبل الوصاية من أحد. فهل من يطرح هذه الآراء أولئك الذين يريدون أن يتحكموا فيها كما كانوا يفعلون في الماضي؟

إنني أرى، وكلي أسف، أن النقاشات الدائرة حول الانقلاب وتعبئة الرأي العام والتصريحات المنادية للعودة للنظام البرلماني جميعا جزء من المخطط ذاته. فهدفهم واحد. وهو ما يعتبر تدخلا للحيلولة دون صعود تركيا، فهذا ليس فكرا محليا وطنيا أبدا.

من بالداخل والخارج يحاولون تقزيم تركيا

من الصعب إدارة دولة كبرى كتركيا استطاعت تدعيم قوتها بشكل مدهش وجعلت الجميع يشعرون بذلك. الأمر صعب على الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وحلف الناتو وإسرائيل والسعودية والإمارات اللتين يقدمان لهم جميعا التمويل وسائر الإمكانيات. الأمر ليس صعبا، بل مستحيل!

إن أصحاب الوصاية في الخارج لا يمكنهم أن يفرضوا رأيهم على تركيا ويجعلوها تركع. كما أن السياسيين القدامى في الداخل لا يمكنهم إدارة هذه الدولة العظمى، فهم محرومون من الاستعداد الكافي والثقافة السياسية اللازمة. ولو لاحظتم فسترون أنهم لا يتفوهون بأي عبارة حول مستقبل تركيا، بل يسعون دائما للعودة للوراء، ووفقا لذلك الهدف يصيغون أجنداتهم السياسية ويشكلون تحالفاتهم.

الغريب في الأمر أن الذين بالداخل والخارج يسعون لتقزيم تركيا وجرها لمساحة يمكنهم فيها إدارتها بسهولة. فهم يريدون، على الأقل، حبسها في المساحة القديمة الضيقة.

سيأتي اليوم الذين يطالبون فيه بأن "تتدخل أمريكا في تركيا"

كلمات من يكررون؟ نوايا أي القوى والأوساط يروجون؟ ألا يسألون أنفسهم أتعجز دولة واجهت كل هذه الصعوبات أن تدرك ما يحدث؟

أعميت أبصارنا لدرجة تجعلنا نعجز عن رؤية هذا المخطط؟ استعدوا لتركيا العظمى، واخرجوا من عباءة القرن العشرين وتعودوا على الوضع الجديد، فهذه توصيتي لكم.

ربما يأتي اليوم الذي لا تتورع فيه هذه الأوساط أن تطالب بأن "تتدخل أمريكا في تركيا". فهل يمكنهم فعل هذا علانية؟ فعلى سبيل المثال لا يمكنني أن أمنع نفسي من التفكير في أن شخصا مثل أحمد طاشغاتيرن يمكن أن يكتب مقالا ينادي فيه بشيء كهذا.

#إبراهيم قراغول
4 yıl önce
حسابات صغيرة في دولة كبيرة. نقاشات الانقلاب والتوقيت العجيب لتصريحات عبد الله جول. تقرير "راند" عن الانقلاب ومتطوعونا... سيستغلون من بعد غولن؟ أصحاب الوصاية من المحافظين المتكبرين أصحاب المظهر المتواضع. تحرّك أنصار الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا القدامى! هل يدعون من أجل "تدخل الولايات المتحدة في تركيا"؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة