أكثر من مائة قتيل وآلاف الجرحى و250 ألف مشرد وخسائر بمليارات الدولارات وانهيار اقتصاد دولة... إسرائيل تلك الدولة المعتدية في الجنوب، وفي الشرق الحرب السورية، وإغلاق البوابة البحرية في لبنان التي يقوم اقتصادها بالكامل على حركة الشحن البحري.
تخزين ألفين و750 طنا من نترات الأمونيوم في مستودعات الميناء لست سنوات. من خزنها؟ لماذا خزنها؟ من تلك اليد الخفية التي خزنت تلك الكمية هناك؟ وما غرض التخزين؟ انفجارها أو تفجيرها... سماع دوي الانفجار من على بعد 250 كم، بل من داخل أراضي جزيرة قبرص.
مشهد الانفجار المروع وسحابة الفطر... بل إن ذلك يحدث قبل يومين من الذكرى السنوية لتفجير قنبلة هيروشيما النووية يوم 2 أغسطس/آب 1945 وبعد مرور 75 عاما ليضطر العالم ليشاهد مشاهد مشابهة لما حدث بنهاية الحرب العالمية الثانية.
هل أقدمت إسرائيل تلك القوة النووية أو قوة أخرى على إجبار العالمين العربي والإسلامي على مشاهدة هجوم نووي مصغر؟ هل وجهوا رسالة تحذيرية لنا؟ هل كنا أمام صدمة ذاكرة؟ هل يوجهون لنا رسالة بأنهم يمكنهم تركيعنا بهذه الطريقة كما أجبروا اليابان على الاستسلام بالقنبلة النووية؟
يرد على ذهن المرء الكثير من الأفكار، فعندما يكون لبنان هو موقع الانفجار وجميعنا يعلم حملات الاحتلال العدائية التي تشنها إسرائيل ضد لبنان ويتذكر مخططات مد خط الحرب السورية إلى لبنان والضغوط التي تمارسها إسرائيل مؤخرا على لبنان، ولهذا علينا طرح جميع الاحتمالات على الطاولة.
يبدو أن الانفجار في الظاهر حادث عرضي، فهذا ما تقوله التصريحات الرسمية. ليس هناك دليل حتى اللحظة على أنه كان هجوما. لكن الحقيقة ستظهر بمرور الوقت. فهذه المنطقة دائما ما تشهد أحداثا لا ترغبون بها وأعمال شر لا يمكن لأحد توقعها.
تشهد هذه المنطقة كل ألوان الفتن والمؤامرات والعمليات السرية والرسائل الخفية وتصفية الحسابات التي لا ترحم، فهي ساحة لتنفيذ ألاعيب جميع القوى الدولية، ويعتبر لبنان مختبرا لتجربة هذه الألاعيب.
سترون الحقيقة عندما تنكشف سحابة الغبار وستشاهدون الصورة كاملة بعد الإقدام على الخطوة التالية. القاتل هناك في أقرب مكان للواقعة، كما أن عينيه تكون دائما مليئة بالدموع.
لقد شهدت منطقتنا وما تزال تشهد الكثير من الاضطرابات والقلاقل العنيفة. ولقد أضيفت صورة جديدة إلى تلك الصور التي لن ننساها أبدا عندما حدثت خلال العقود الثلاثة الماضية. وكأننا كنا أمام حرب رموز.
لا يمكنكم أن تنسوا أبدا صور ذلك الأب وابنه وهما راقدين في الصحراء التي تحيطها الأسلاك الشائكة بعدما وضعوا على رأسيهما جوالين عقب احتلال العراق، كما لا يمكنكم أن تنسوا صورة ذلك الأب وهم يحاول أن يحمي ابنه من أشعة الشمس بيديه.
لا يمكنكم أن تنسوا سجن أبو غريب وامتناع أهل بغداد عن مغادرة منازلهم التي كانت تنهب على يد من جاؤوا من خارج المدينة عقب احتلالها، فلن تنسوا ذلك الاحتجاج الصامت. لا يمكنكم أن تنسوا إعدام صدام حسين صبيحة يوم العيد وترويج تلك المشاهد في جميع وسائل الإعلام حول العالم.
لا يمكنكم أن تنسوا مشاهد شحن شبرغان في أفغانستان ومراكز التعذيب في قاعدة بغرام الجوية وقتل أشخاص جلبوا على متن القطار من مزار شريف بإطلاق النار عليهم وترك آخرين ليختنقوا.
لا يمكنكم أن تنسوا مشاهد الأسرى من شباب المسلمين المكبلين داخل الطائرات التجارية التي أسرها جهاز السي آي ايه ومن ثم بيعهم، لا يمكنكم أن تنسوا مشاهد تجارة الأسرى تلك.
لا يمكنكم أن تنسوا استشهاد الشيخ أحمد ياسين بصاروخ عند خروجه من الجامع في صلاة الفجر ومن حضر اجتماعات مناقشة الاغتيال في مزرعة شارون.
لم تكن هذه الأحداث عنفا أو هجوما أو مجازر فحسب، بل كانت رسائل ترسل إلى العالم الإسلامي وسكان المنطقة، فكل واقعة من تلك الوقائع كانت عملية ذهنية جيدة التخطيط.
وهكذا كانت كذلك سحابة الفطر في بيروت في ذكرى هيروشيما. أمر لا يمكن نسيانه، وكأنهم خططوا جيدا لحفر الخوف داخل عقولنا.
ربما نصف ما حدث بالحادث غير المقصود، لكن إن لم نحقق فيما حدث سنعيش ما هو أصعب، ليحفر من يخططون لأعمال شر لا تخطر على بال بشر صورا جديدة في عقولنا.
لا شك أن من خزن هذه الكمية من نترات الأمونيوم هناك مذنب، فهذا جانب من جوانب الضعف، لكن لاحظوا أن كل ما شهدته هذه المنطقة على مدار السنين ارتكب تحت مظلة "الضعف". في العراق كان صدام ظالما، وفي أفغانستان كان هناك القاعدة، وفي سوريا كان هناك داعش، جميع تلك الأشياء كانت جوانب ضعف بنوا عليها سيناريوهاتهم.
وبينما كنا نناقش نحن هذه الأمور كنوا هم يمزقون المنطقة ويتقاسمونها فيما بينهم ويبنون جدرانا سميكة بين مدننا وينهبون مواردنا.
يجب حماية الموانئ والمطارات والمخازن ومستودعات الحبوب والمناطق الزراعية
لقد غيرت وستغير جائحة كورونا العالم، وكذلك ستفعل أدوات الحرب وتصفية الحسابات. إننا نناقش الإرهاب البيولوجي والحرب البيولوجية.
نناقش كيف سيصمد البشر وهل يستمر هذا الأمر؟ وإن حدث كيف يمكن التصدي له؟ وأي الدول والقوى تستغل هذه الأوضاع؟
إن انفجار بيروت يعلمنا أشياء جديدة، ألا وهي أن الموانئ والمطارات والمراكز اللوجستية والمخازن ومستودعات الحبوب والمناطق الزراعية والحياة المدنية تعتبر أماكن استراتيجية يمكن استهدافها.
هناك احتمالية لمعاقبة الشعوب والدول والمجتمعات بتجويعها. فربما تنتقل الحرب أو الهجمات من الساحة العسكرية إلى الساحة المدنية لتدمر مساحات الحياة لكسر شوكة الشعوب.
إن كل شيء يبدأ من جديد، فنحن أمام إعادة تشكيل لكل ما هو صحيح وخاطئ وما اكتسبناه من عادات وما عشناه من تصفية حسابات.
ينبغي لتركيا الانتباه للتهديدات الجديدة ما بعد كورونا
لقد هرعت تركيا لنجدة لبنان الذي ساعدته بكل إمكانياتها. وينبغي لأنقرة وضع تعريفات عاجلة للتهديدات الجديدة واتخاذ تدابيرها في هذا الشأن عقب ما حدث في بيروت.
كما ينبغي لها على وجه الخصوص تشكيل دروع دفاعية جديدة في المجالات التي ذكرتها آنفا من غذاء وصحة وموارد حياتية.
وعلى ما يبدو فإن الصراع على الطاقة في شرق المتوسط سيشتد، وربما سيختارون لبنان ليكون الدولة الضحية في هذا الصراع، فهذا ما سنراه عند الإقدام على "الخطوة الثانية".