|
احتقار الصرب ورئيسهم. غرور الغرب وخزي أمريكا. المحافظون الجدد واليمين المتطرف في إسرائيل والصهاينة العرب. نصب الفخ واستعراضه أمام العالم. هذا ما تحدّته تركيا. نهاية سلطان قوة استمر 5 قرون.

لم نندهش من المعاملة التي تعرّض لها رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش في البيت الأبيض، فهي تمثل فقط أحد مظاهر العقلية العنصرية والاستعمارية التي لطالما حملها من اعتبروا العالم بأسره عبا تحت أقدامهم وحاولوا إحيائها اليوم مجدّدًا. ولقد رأينا ترامب وهو يُجلس نظيره الصربي أمامه وكأنه يستجوبه أو يضغط عليه لتضمين الاتفاق بين بلده وكوسوفو موادًّا تريدها إسرائيل، ومحاولته أن يجعله يوقع على بيان بشأن إجبار كلّ من صربيا وكوسوفو على نقل سفارتيهما إلى القدس، رأينا هذه المسرحية وهي تعرض أمام العالم.

المحافظون الجدد واليمين المتطرف في إسرائيل والصهاينة العرب
نصب الفخ واستعراضه أمام العالم

لقد نصبوا الفخ وقدّموا الصورة للعالم، فاحتقروا القادة ودولهم، وأقاموا حامية إسرائيلية داخل البيت الأبيض. إنهم احتقروا رئيس صربيا، لكن من احتقر كانت الولايات المتحدة وشعبها. لقد حولوا البيت الأبيض لمكتب معلومات تابع لإسرائيل.

لقد عملت شخصيات كترامب وبنس بمثابة بارونات للوبي الإسرائيلي. إنه أسلوب في غاية الرعونة والغدر والوقاحة. فهذه هي الطريقة التي يتبعها المحافظون الجدد واليمين المتطرف في إسرائيل والصهاينة العرب الجدد أي وليّا عهد السعودية والإمارات. وسنرى مزيدًا من النماذج الأكثر وقاحة ودراماتيكية. القرصنة، الهمجية، الطغيان، الفظاظة...

هذا إرهاب دبلوماسي
أمريكا هي التي فُضحت وليس رئيس صربيا

إنّ فضيحة كهذه تصغر صورة أي دولة تفعلها، وهو ما حدث للولايات المتحدة التي فضحت وليس رئيس صربيا، بل وفضحت كذلك إسرائيل، فهذا التصور أبعد كلتا الدولتين عن رابطة شعوب العالم التي رأت حقيقهما مجدّدًا وكيف كيف نظرتهما لها.

ولنقل إنّ واشنطن فقدت ثقلها على الساحة الدبلوماسية الدولية منذ وقت طويل؛ إذ لم تعد كلمتها مسموعة في أيّ مكان بالعالم سوى في دول الخليج وبعض الدول الصغيرة الأخرى.

لم تعد أي دولة عظمى ترسم طريقها وفق أمريكا

لم تعد أي دولة جادة في رأيها توافق على المهمة التي تزعم أمريكا بأنها من خلالها تقود العالم، كما لم تعد أي دولة متوسطة الحجم ترسم طريقها وفق توصيات واشنطن وتوجيهاتها، بل ترسمه وفق تبدل موازين القوى الدولية، فلم يعد بيد أمريكا شيء من قوتها الغاشمة التي رأى الجميع حدودها.

نهاية حقب استعمارية وسلطان قوة استمر 5 قرون

لكن هذا الأمر أعمق من ذلك حيث يرجع تاريخه لقرون خلت، وهذا هو السبب الكامن وراء فتح الإنسانية أبواب التساؤل حول القرون الخمسة الماضية وسبب خسارة الغرب احتكاره للسلطة بسرعة كبيرة بعد أن أسس لنفسه سلطانًا على الساحة الدولية لم نر له مثيلًا في التاريخ. ولهذا لا بدّ من هدم، بل هذا ما سيحدث، احتكار الغرب للسلطة على الساحة الدولية وتاريخه الاستعماري المستمر منذ 5 قرن.

كما يجب هدم ما يتبع هذه الاحتكار من نظام مالي وعسكري ودبلوماسي يحكم العالم بلا منازع منذ القرن الماضي. يجب القضاء على النظام الرأسمالي الاستعماري، فهذا لا بدّ وأن يكون الهدف المشترك لكل الشعوب، وهو ما سيكون بالفعل.

بن زايد وبن سلمان وأبو غريب:
احتقار عنصري في كل مكان

إنّ معاملة الرئيس الصربي في البيت الأبيض هي ذاتها المعاملة التي عومل بها الشعوب "المتمدنة" في أفريقيا وامريكا اللاتينية وجنوب آسيا منذ قرون، وهي لا تختلف أبدًا عن الروح التي تقف خلف المجازر المرتكبة ضدّ الهنود الحمر في القارة الأمريكية. وهي كذلك نفسها المعاملة التي عاملوا بها القرن الماضي الدول والأنظمة والزعماء السياسيين الذين حكموا في أراضي الدولة العثمانية.

فهذه هي المكانة التي اختاروها للسعودية والإمارات من خلال وليي عهدها بن سلمان وبن زايد.

فنخ نصب لرئيس صربيا:
ما وقع عليه يختلف عما قرأه

إنّ هذه هي الروح العنصرية التي كانت خلف المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد شعب فلسطين. فما شأن إسرائيل والاتفاق بين صربيا وكوسوفو؟ ولماذا تتشكل قضية البلقان وفق مصالح إسرائيل؟ وهل سيشعلون فتيل الحرب في البلقان مجدّدًا لو لم تنقل صربيا وكوسوفو سفارتيهما للقدس؟

لقد كان الرئيس الصربي ينظر للنص الذي كان بين يديه في حيرة ودهشة وهو يستمع لتصريح ترامب. ومن المرجح أن يكونوا قد غيروا نص الاتفاق الذي وقع عليه بعد أن قرأه، فهذا هو الفخ الذي ينصب لزعماء الدول في البيت الأبيض. ففرض المزاعم التي تقول إنّ القدس عاصمة إسرائيل على مواد الاتفاق هو تضامن عنصري بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

العالم لن يذعن مجدّدًا لظلم الغرب وغروره

لقد كان ما أسموه "اكتشافات جغرافية" في الواقع مخططا لاستعمار أرض كانوا يعلمون سلفًا بوجودها، فنظموا إليها غزوات لنهبها ونهب كل ثروات العالم، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم لم يتركوا شعبًا تقريبًا إلا وظلموه واحتقروه وعاملوه معاملة العبيد وقتلوا أفراده بأبشع المجازر. وهذا هو ما بدأ العالم يطرح التساؤلات حوله اليوم ويبتعد عنه ويريد أن ينتهي. فغرور الغرب صار شيئًا لا يمكن للعالم تحمله بعد اليوم. فيجب دعم كل الشعوب التي سحقت واحتقرت تحت وطأة هذا الغرور.

هذا ما تحدته تركيا

فهزت أساس النظام الدولي

إن هذا هو ما تحدته تركيا التي طرحت التساؤلات حول أسس النظام الدولي من خلال لغة سياسية وصحوة تاريخية وجغرافية في منتهى القوة. فهذا ما ترونه إذا حتى ما اكتفيتم بالنظر إلى العبارات التي استخدمها الرئيس أردوغان في خطاباته في آخر شهرين. فتركيا قادت حملة من أجل العديد من الدول من أجل إنقاذ المستقبل وليس الحاضر.

لقد رأينا كثيرا الإدارة الأمريكية وهي تعاملنا معاملة مماثلة في السابق، لكننا خلصنا أنفسنا من هذا الحمل الثقيل الذي كان يحتقر شعبنا وبلدنا ويضعهما تحت الوصاية ويغير الحكومات بتصريح واحد ويدير اقتصادنا وسياستنا الداخلية ويحكم على تركيا بالفقر ويحولها إلى جبهة وحامية عسكرية.

هناك من يريد هذا لتركيا أيضًا
إننا نشاهد الأمر لنأخذ العبرة

لقد زادت قوتنا كلما تخلصنا من هذه الوصاية، فتغير كل شيء من بنية السلطة الداخلية إلى السياسة الخارجية ومن السياسات الأمنية إلى الحريات الاقتصادية، وأخص بالذكر الحرية الذهنية والنفسية. وكلما تسارعت وتيرة هذا الأمر ارتقت تركيا لتكون واحدة من القوى المركزية في العالم.

واليوم هناك من لا يزال يؤسس علاقته مع الغرب على أساس الوصاية، فيسعى للوصول للسلطة من خلال هذا الأمر محاولًا الإيقاع بتركيا مجدّدًا في شراك هذا المحور. أما نحن فنشاهد هذه الخيبة لنأخذ العبرة ونتعظ.

لم يعد الغرب يحكم العالم
لن تطأطئ البشرية رأسها لهذا الغرور

انظروا إلى العالم وسترون أنّ الدول التي تتعاظم قدراتها هي تلك التي تضع مسافة بينها وبين الغرب في تعاملاتها معه وتستطيع الخروج من حلقة الرقابة التي يفرضها عليه وترفض وصايته وتؤسس علاقتها معه وفق أسس أقوى. فهذا الأمر سار على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولعل يصبح أكثر وضوحًا خلال السنوات المقبلة.

ربما يرى البعض كلامي حماسيًّا، لكني أؤكد لكم أنّ الغرب لم يعد يحكم العالم، فنهاية العالم حانت بالنسبة له بعد أن كسرت حلقة احتكاره للسلطة، فلن تقبل الإنسانية الغرور والاحتكار بعد اليوم.

صربيا وكوسوفو
إياكما أن تنقلا سفارتيكما إلى القدس!

ينبغي لكلّ من صربيا وكوسوفو ألا تنقلا سفارتيهما إلى القدس وألا يحبسها بلديهما بين جدران محور الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات، فهذا خطأ كبير عليهما ألا تقعا فيه.

إنني واثق من أن شعبي هاتين الدولتين يفكران على هذا النحو، وإلا فإنهما سيكونان دمية بيد أمريكا وإسرائيل.

#إبراهيم قراغول
#تركيا
#أردوغان
#الولايات المتحدة
٪d سنوات قبل
احتقار الصرب ورئيسهم. غرور الغرب وخزي أمريكا. المحافظون الجدد واليمين المتطرف في إسرائيل والصهاينة العرب. نصب الفخ واستعراضه أمام العالم. هذا ما تحدّته تركيا. نهاية سلطان قوة استمر 5 قرون.
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة
قبول حركة حماس وقف إطلاق النار..عملية إسرائيل في رفح
واجب الجامعات تجاه غزة