|
لن تشتعل نيران الصراع في إسطنبول والقاهرة بل في شوارع باريس ونيويورك!

إنّ الصراع الذي تعيشه أمريكا ليس صراعًا بين ترامب وبايدن، كما أنّ مهاجمة مبنى الكونغرس واندلاع شرارة الصراع الداخلي والانقسام المجتمعي ودعوات الوحدة الوطنية وانطلاق التهديد من الداخل وتصفية الحسابات بين الدولة والشركات متعددة الجنسيات كل ذلك ليس من قبيل أزمة سياسية بسيطة ومحدودة تسبب بها تغيير رئيس الدولة.

إنّ الأزمة التي تابعها العالم بشغف وحيرة كبيرتين أتى على قوة أمريكا ومكانتها وسحرها وسوّاها جميعا بالأرض، وهو ما يمثل الهزات الأولية انكسار كبير في التاريخ العالمي، وهو الانكسار الذي يعتبر أعمق وأوسع من أي انكسار سابق.

السياسيون في أوروبا يتحدثون عن "حرب أهلية" و"تدخل خارجي"!

إنّ ردود الأفعال الاجتماعية والاحتجاجات الغاضبة والاشتباكات التي تشهدها العواصم والمدن الأوروبية لا تمثل فقط رد فعل على التدابير المفروضة بسبب جائحة كورونا. فردود الأفعال هذه التي نراها اليوم في هولندا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا ويتوقع انتشارها غدًا في العديد من المدن الأوروبية لا ترتبط فقط بهذه الجائحة.

كما أنّ قدرة السياسيين الأوروبيين ومن يمثلون سلطة الدولة على أن يتحدثوا بهذه الأريحية والصراحة عن مصطلحات مثل "اندلاع الحرب الأهلية" و"وجود تدخل خارجي" وشعورهم بالقلق والهلع ليس أمرًا مرحليًّا مرتبطًا فقط بما يعيشه العالم حاليا.

انتشار الفوضى في الدول المتقدمة لا الفقيرة

لقد تغير الرئيس في الولايات المتحدة، كما ستنتهي جائحة كورونا غدًا من على الساحة الدولية، ولكن هل تظنون أنّ هذه الأحداث ستنتهي؟ أتعتقدون أنّ غضب الشعوب لن يظهر مجددًا على الساحة من خلال "حجج أخرى"؟

أتظنون أنّ الصدمات الاجتماعية والتوترات الداخلية والصراعات بين مختلف الهويات وأزمات الرفاهية التي شهدتها البلدان والمدن الإسلامية حتى يومنا هذا لن تضرب العواصم والمدن الغربية في القرن الحادي والعشرين؟

سنواجه من الآن فصاعدًا أزمات الدول المتقدمة لا الدول الفقيرة، ذلك أنّ الأنظمة والخطابات السياسية والأنظمة والوعود الاقتصادية والقيم والأطروحات الاجتماعية التي أنتجوها قد انهارت ولم يبق سوى تقبّل هذا الانهيار الكبير.

لن يستطيعوا تقديم الوعود للعالم

كما انهار "أسلوب الحياة" النموذجي

لقد أصبح الغرب عاجزًا عن تقديم أيّ شيء لبلدانه ومواطنيه والعالم بل والإنسانية كذلك، لم يعد قادرًا على إقناع أو إدارة أو توجيه أحد، وكذلك صار عاجزًا عن تقديم أي دوافع من شأنها تشكيل موجة على المستوى الدولي.

لقد فقد الغرب رونقه ومصداقيته، كما خسر للمرة الأولى قدرته على تحبيب "أسلوب الحياة" للدول والشعوب الأخرى بعدما تورط في سرقة موارده ونهبها منذ بداية عهد الاستعمار.

والأهم من ذلك أنّ ثمة قوة كبرى صارت تتمتع بها دول عارضت الهيمنة الغرب على العالم للمرة الأولى منذ قرون بقولها "لا" فلم تعد تطأطئ رأسها أمام النظام العالمي بل وأصبحت تقترح عالمًا آخر غير الموجود حاليًّا.

الغرب يواجه تحديًا خطيرًا لهذه الدرجة للمرة الأولى منذ 5 قرون

إنّ الغرب يواجه اليوم للمرة الأولى في تاريخه السياسي الممتد لخمسة قرون تحديات خطيرة ورادعة لهذه الدرجة. وقد اكتشف أنه لا يمتلك العقلية السياسية والقوة والقدرة الإقناعية التي تجعله يتغلب على هذه التحديات.

لذلك فقد اختفى مفعول الأساليب القادرة على حشد دول العالم والمحافظة على البيت الداخلي مرتبًا والاحتفاظ بالقوة والثروة. فالغرب لم يعد بلا منافس في مجالات التكنولوجيا والمعلومات والموارد البشرية.

أضف إلى ذلك أنّ منافسي الغرب أصبحوا يصلون بسرعة فائقة للثقة والثراء، كما أنهم يتحركون بعزيمة فولاذية ويقطعون أشواطًا طويلة بحسابات عظيمة. وكذلك فإنهم يخوضون التحدي بفضل جرعات الإلهام القوية التي يحصلون عليها من تاريخهم السياسي العريق.

إنّ الهدف المشترك لكلّ هؤلاء المنافسين هو القضاء على هيمنة الغرب على العالم. وهو ما جعل هناك وعيًا وإجماعًا بينهم جميعًا لا يمكن إخفاؤه. كما أصبح لدى الجميع عقيدة راسخة مفادها أنّ "نهاية العالم حانت بالنسبة للغرب".

انتهاء عصر العولمة الغربية

اقتراب الزلزال المدمر

العالم يستعد للغد

ذلك أنّ هناك ثمنًا يدفعونه جميعًا، فمعظمهم حوّل ذاكرته الاستعمارية إلى طموح سياسي، كما لن يسمحوا بعد اليوم بنهب ثرواتهم. فكلهم يعلمون جيدًا أنّ "أسلوب الحياة الغربي" مبني على أوهام وأكاذيب ومحاولة المحافظة على صمود نظام العالم الأطلسي.

إنّ الذين يتساءلون حول قوة أمريكا وأوروبا التي لا غبار عليها يعلمون أنّ نظام العولمة الغربي قد انتهى، لذا فهم يستعدون لذلك ويرسمون ملامح عالم الغرب ويتخذون مواقفهم وفقًا لذلك.

يشهد العالم حاليًّا زلزالًا. فالعالم كله يستعد لهزات عنيفة وتبدل لموازين القوى وحالات انهيار وصعود جديدة وظهور نجوم جديدة.

تغير الخرائط الذهنية

سيتغير كل شيء!

لقد تغيرت من الآن فصاعدًا مصطلحات اللغة السياسية والهوية والانحياز، بل إنّ بعضها لم يبق له معنى. كما تبدلت وسائل القوة والسلطة واستخدامهما. ذلك أنّ الخرائط الذهنية تغيرت، وهو ما سيتبعه تغير كلّ شيء في العالم.

لن يكون لأمريكا وأوروبا رسائل "الإمبراطورية الرومانية" لينشروها في القرن الحادي والعشرين، وسيسطع نجم الإمبراطوريات الجديدة من الشرق، وسيحاول الغرب المحافظة على صمود بلاده ومجتمعاته وأنظمته وسيسعى لألّا تتحول العلاقات بين دوله إلى "حرب أهلية غربية" جديدة كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

إمبراطوريات الشرق القديمة تعود للساحة بأسلحة القرن الحادي والعشرين

ستتعرض صورة وثقة الغرب التي في الأذهان إلى هزات عنيفة، لتتجه الأنظار والتطلعات نحو المراكز الجديدة للعالم. وعلى الأقل ستحدث حالة من التوازن سيفقد الغرب سمته كقبلة للجميع.

ذلك أنّ إمبراطوريات وحضارات وهويات الشرق الكبرى ستظهر على الساحة بشكل أكثر شجاعة وهي متسلحة بأسلحة القرن الحادي والعشرين.

إنّ هذه هي الحقيقة التي لا يستطيع أحد في تركيا فهمهما. فهذا الضلال والعمى هو السبب الكامن وراء أنّ البعض ما يزال يبحث عن وصاية أمريكية وأوروبية ويسعى لشراء السلطة وينتظر من بايدن التدخل في شؤون تركيا.

التوتر والغضب سيفجران المدن الغربية

إنّ أعجب ما في الأمر أنهم يواجهون اليوم كلّ استراتيجيات الأمن والصراعات التي اختاروها أن تكون من نصيب بلادنا ومدننا على مدار عشرات السنين. ولا شك أننا لن ننسى أبدًا ما حدث ولن نمحوه من ذاكرتنا. وسنتخذ كل التدابير ونستعد كل الاستعدادات التي من شأنها تحديد مركزنا في العالم الجديد ونحن نعلم جيدًا ما هي الحقيقة ولا نسعى لأي انتقام.

إنّ الإشارات التي نراها اليوم في المدن الأمريكية والغربية إنما هي إشارات على أنّ هذا الضغط والتوتر سينفجران. فتحرك موازين القوى حول العالم سيفجر هذه المدن وسيثير حالات الغضب والفوضى الجماهيرية.

لن تشتعل نيران الصراع في إسطنبول والقاهرة بل في شوارع باريس ونيويورك!

إنّ استخدام أمريكا وكل دول أوروبا عبارات "التدخل الخارجي" كثيرًا يشير إلى عجزهم بسبب العمى السياسي عن إدراك هذه الحقيقة. ولعل هذا التوجه العالمي يخبرنا بأنّ هناك احتمالًا كبيرًا أنّ تحدث الانفجارات الاجتماعية في باريس وبرلين ومدريد وبروكسل ونيويورك وليس في القاهرة وكراتشي وطهران وإسطنبول.

تركيا مستعدة لكل هذا

فهل أنتم مستعدون؟

تستعد تركيا لاستقبال هذا العالم الجديد، فهي تبني نفسها وفقًا لذلك. ولهذا السبب تحديدًا فهي تدعم دروعها الدفاعية وتحدث ثورتها التكنولوجية والمعلوماتية والأهم من ذلك ثورتها للوعي السياسي.

إنّ هذا ما الذي عجزنا عن إيضاحه لمن هم في الداخل. وإننا نشهد تطهر كفاح تركيا الحقيقي بعدما انسحب من الساحة بعض الأطياف الذي توقعنا أن يكونوا مستعدين لخوض هذا الكفاح وتصفية الحسابات. فهذا ليس ضعفًا بل اكتساب مزيد من القوة وتدعيم الحصن.

إن تركيا مستعدة لكل شيء، فهي ليست دولة يمكن أن تقتلع جذورها تلك الرياح الآتية من الغرب. ففي الوقت الذي سيواجهون فيه مشاكلهم سنواصل نحن مسيرتنا الكبرى.

فهل أنتم مستعدون لذلك؟

#إبراهيم قراغول
#تركيا
#الغرب
#الولايات المتحدة
#بايدن
٪d سنوات قبل
لن تشتعل نيران الصراع في إسطنبول والقاهرة بل في شوارع باريس ونيويورك!
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا