|
التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا.. لماذا لا يهدأ؟

كان الرئيس التركي أردوغان قد تبادل المصافحات مع نظيره الأمريكي ترامب في لقائهما على هامش قمة الناتو الأخيرة، بل إن ترامب أعلن للعالم أجمع إعجابه بأردوغان قائلا "أنا أحبه، أحبه".

ولقد بدأت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لها سردت فيه التوتر الحاصل في العلاقات التركية – الأمريكية، والذي تمثل مؤخرًا في أزمة القس برونسون، بعبارة كهذه. ونعلم جميعًا كيف كان تطورت الأحداث بعد ذلك.

أجرى الوفد التركي المؤلف من 9 مسؤولين أمس أولى لقاءاته في واشنطن مع نائب وزير الخارجية الأمريكي بهدف إنهاء حالة التوتر بين البلدين. ولنتذكر جميعًا الخبر الذي أعلن زيارة هذا الوفد إلى الولايات المتحدة؛ إذ نشرته وسائل الإعلام قبل يومين مع تصريح من خلف الكواليس جاء به "لقد توصل الطرفان إلى اتفاق مبدئي".

وكانت هذه المعلومات "المأخوذة عن مصادر دبلوماسية" هي كذلك العامل الذي أخمد، ولو بشكل مؤقت، نيران سعر الدولار الذي لا يعرف أحد أين سيقف أمام الليرة التركية. وكانت أنقرة تأمل في إدارة هذه الأزمة في ظل ظروف هادئة.

بيد أن البيان الرسمي الذي أصدره الجانب الأمريكي بعد ذلك جاء وكأن واشنطن لا تريد أن تنتشر أنباء متفائلة حول تخطي الأزمة الحالية بين البلدين. وإلا فكيف لنا أن نفهم التصريح الذي أدلت به المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناويرت عندما قالت "نريد أن نرى القس برونسون على أراضينا، لكن يبدو أن تطورا كهذا لم يحدث بعد".

جواب سؤال "هل تحل الأزمة؟"

وخلال الأسبوع الماضي، عقب اندلاع شرارة هذا التوتر، انتشر في كواليس أنقرة تعليقا على الأزمة جاء فيه "ستحل المشكلة خلال مدة قصيرة".

فطرحت سؤالا على شخصية نعلم أنها على علم تام بكل تفاصيل المفاوضات الجارية مع الجانب الأمريكي قلت فيه "هل تحل الأزمة؟ هل الأخبار التي تتحدث عن حلها خلال مدة قصيرة صحيحة؟"

فجاءني الجواب كالتالي:

"ليس بعد، لكن لا تزال المبادرات مستمرة".

وبعد مرور أسبوع ندرك اليوم أن "فترة صلاحية" العبارة ذاتها لم تنتهِ بعد.

نلاحظ أن من يديرون المفاوضات باسم أنقرة يتصرفون برباطة جأش كبيرة مراعين بشكل أكبر الوضعية الحساسة للغاية للاقتصاد التركي. وأما الجانب الأمريكي فيخوض المفاوضات بحالة من التهور التي يمكن تفسيرها بعبارة "نحن لا ندفع الثمن، أنتم من يدفع الثمن".

وبينما أقول رباطة جأش، فلا يفهمني أحد أنني أقصد الاستسلام. فلو كان الأمر كذلك، لكانت تركيا قد سلمت برونسون إلى الولايات المتحدة منذ زمن بعيد. وفي هذه الحالة، سيكون لزامًا علينا أن نفكر قائلين "ماذا يحدث حقًّا؟"، وأن ندمج البيانات المتاحة لدينا مع الانطباعات ونقدم رأيا متسقا.

تصادم قوتين متفاوضتين

ربما تقدم العبارة البارزة الواردة في تحليل نيويورك تايمز، والتي أوردتُها في افتتاح مقالي هذا، فكرة عن المرحلة التي وصلت إليها الأزمة بين الجانبين. فمراسل نيويورك تايمز الذي أعد الخبر/التحليل للجريدة من إسطنبول يذكّرنا بأن أردوغان وترامب يعتبران شخصيتين "شديدتين في التفاوض". نعم، لعل هذا هو سبب استمرار المفاوضات إلى هذه اللحظة: عدم تخلي الزعيمين عن موقفيهما وعدم رغبتهما في إضعاف قدرتهما على التفاوض.

نحن نعلم أردوغان أكثر من ترامب. وعندما نضع اسمه جنبا إلى جنب مع مصطلح قوة التفاوض، ستعود بنا الذاكرة حتى شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2004، إلى أيام التفاوض الشديد في بروكسل الذي وضع دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين في موضع لا تحسد عليه.

وفي هذه الأزمة مع الولايات المتحدة كذلك أتوقع شخصيًّا أنّ أردوغان لن يقول "اتفقنا" قبل أن يرى أولا نتيجة يمكن تفسيرها على أنها تدخل في نطاق سياسة "يربح فيها الجميع". ولا أتوقع أبدًا أي نتيجة تفرزها سياسة "استسلم لتنجو".

وأما على الجانب الأمريكي، فيبدو أنهم ينوون تحويل تأثير الأزمة على الاقتصاد، أو تأثر الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من خلال الأزمة، إلى فرصة.

ومن الواضح أن "بطاقة الابتزاز"، التي تعتبر واحدة من الأدوات الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، قد بدأت بالعمل بـ"لسان القول"، أو على الأقل بـ"لسان الحال"، مع تسبب الأزمة في تحميل الاقتصاد التركي تكاليف إضافية. وكأنهم يقولون لنا بلغة الإشارة "تعلمون ماذا سيحدث لكم إذا أطلتم هذا الأزمة، أليس كذلك؟"

وأما هنا، في تركيا، فربما يكون الأغلبية تقول "فلنرجع إليهم ذلك الرجل لنتخلص من هذه الوضعية".

وأنا شخصيا كذلك أدعم إدارة الأزمة بهذه الطريقة، أي بالطريقة السهلةـ لا عن طريق العناد، لكن شريطة ألا ننسى السؤال الذي مفاده "ماذا سيحدث يا ترى حتى لو أرسلنا لهم ذلك القس؟"

ولنطرح سؤالا آخر:

هل هناك أي ضمانة تضمن لنا ألا يقول الأمريكان "ما دمنا جعلنا الأتراك يستسلمون، فلنستخدم عصا العقوبات كذلك في سائر القضايا الأخرى، لا في هذه الأزمة فقط"؟

#محمد آجات
#تركيا
#القسن أندرو برانسون
#الاقتصاد التركي
#الولايات المتحدة الأميركية
#ترامب
#أردوغان
6 yıl önce
التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا.. لماذا لا يهدأ؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة