|
خريطة طريق تركية جديدة في سوريا – 2

إن السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن الجميع هو:

هل ستنفذ الولايات المتحدة، أو بالأحرى ترامب، قرار الانسحاب من سوريا على أرض الواقع كما جاء في التصريحات الشفوية؟

وثمة سؤال آخر:

ماذا سيكون مصير القواعد الأمريكية التي أقيمت ليس لحماية كيان تنظيم ي ب ج وحسب، بل ولحماية حقول النفط وخزانات المياه في المنطقة؟

أود التأكيد أننا بحاجة لتذكر هذين السؤالين لأننا سنتناقش حول بعض الأفكار في بقية المقال من خلال الفرضية التي تقول إن الولايات المتحدة ستفي بوعودها.

ولفهم خلفية الأيام العصيبة التي نمر بها خلال هذه المرحلة في سوريا، فإننا نتحدث مع الجهات المساهمة في عملية "إنتاج السياسات" في الإدارة والمطبخ. وهو ما سيساعدنا على فهم خريطة الطريق التي ستتبع خلال المرحلة الجديدة المقبلة.

فاسمحوا لي نكمل المقال من خلال أكثر المواقف وضوحا.

إن الشيء الذي لا غنى عنه بالنسبة لتركيا هو، كما قال وزير خارجيتها جاويش أوغلو قبل يومين، القضاء على كيان بي كا كا / ب ي د الذي يشكل تهديد "حياة أو موت" و"أمن قومي" بالنسبة لأنقرة.

ويمكننا قول ما يلي:

وبما أن هذا الكيان تطور حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم تحت مظلة الولايات المتحدة، وأن أنقرة أعلنت أنها لن تسمح بوجود كيان كهذا حتى في تلك المعادلة؛ فهذا يعني أن انسحاب القوات الأمريكية يمكن تفسيره على أنه ورقة رابحة ستحصل عليها تركيا في هذا الإطار.

إذن، ما هي التطورات التي يمكن أن نواجهها مستقبلا بشأن هذا الجزء من المسألة؟

وكما رأينا خلال الأيام القليلة الماضية، فإن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وبعض الأنظمة التي تلهث وراء بعض المصالح في هذه المناطق تتعمد التفسير الخاطئ للنهج التركي في المنطقة وتروج لشائعة مفادها أن الأتراك يتحركون في سوريا وهم يرفضون الوجود الكردي هناك.

وأما في أنقرة فنحن نشهد خلال الأيام القليلة الماضية زيادة تكرار الموقف التقليدي الذي نعرفه منذ زمن بعيد بغرض التصدي لهذه الحملة المضللة. أتحدث هنا عن الموقف الذي يتجسد في عبارة "نحن لسنا ضد الأكراد، بل ضد كيان ي ب ج".

وإذا انطلقنا من هذه النقطة يمكن أن نكون فكرة حول المبادئ التي سيتم التحرك بها خلال المرحلة المقبلة.

ووفق ما أكده الجهات التي تحدثنا إليها، فإن لدى أنقرة خلال المرحلة المقبلة بعض خيارات التي تضمن تصفية كيان بي كا كا / ي ب ج وأن تتولى الكيانات الكردية المناصرة لتركيا أدوارا فعالة في شمال سوريا.

ولهذا يمكننا القول إن هذه النقطة ستشكل أحد المواضيع الأساسية للمفاوضات أو المساومات التي ستتم مع روسيا خلال الأيام المقبلة في إطار مستجدات انسحاب القوات الأمريكية.

وأما الآن فاسمحوا لي أن نناقش الموضوع من خلال الأفكار التي تتردد أصداؤها في أنقرة حول السياق الذي ستتم فيه "المشاورات" مع الجانب الروسي.

نعلم أن للجانبين موضعين مفتوحين. فالروس يدافعون عن فكرة التخلي عن الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة ي ب ج، والتي تشكل ثلث الأراضي السورية، إلى نظام دمشق. وهو ما تؤكده التصريحات الأولية الواردة من موسكو.

وأما تركيا فتصر على تصفية كيان ي ب ج في شمال سوريا كأولوية لا خلاف عليها. وبما أنه من الصعب أن تصل تركيا أو روسيا إلى نتيجة دون الحصول على موافقة الأخرى، فيمكن أن نتوقع أن تتكثف المباحثات التي ستجري بين الجانبين خلال الأيام القليلة المقبلة.

ولنحاول توضيح المسألة بشكل أكبر عن طريق قلب نطاق المعادلة:

لا تمتلك روسيا الفرصة لبناء مستقبل سوريا عن طريق إغفال حساسية تركيا إزاء كيان ي ب ج. كما لا تتمتع تركيا بإمكانية الإيقاع بين موسكو ونظام دمشق.

وفي هذه الحالة لو جعلنا هذه المواقف "تتصادم"، يظهر أمامنا سؤال حول الطريق الوسط الذي يمكن سلوكه. وثمة صيغة يمكن الاتفاق بشأنها إذا أخذنا هذه المعادلة بعين الاعتبار:

نظام يدار بشكل مركزي من جانب دمشق، كما كان الوضع قبل الحرب، وأما على الجانب الآخر من حدود تركيا فيكون هناك نظام يمكن مناقشة طريقة إدارته بمرونة ويكون مطهر من كيان ي ب ج وتابعا للنظام المركزي لكنه لا يشكل تهديدا بالنسبة لأنقرة.

وتقدم الفترة المقبلة إمكانيات سانحة كي تتمكن تركيا وروسيا، اللتان استطاعتا استحداث نماذج ناجحة في إطار محور المصالح المتبادل في غرب الفرات، من نقل هذه التجربة الناجحة كذلك إلى شرق الفرات.

كان الرئيس أردوغان قد أعلن أن أنقرة قررت إرجاء عملية شرق الفرات إلى ما بعد قرار انسحاب القوات الأمريكية. واليوم الجميع في تركيا يتساءلون عن موعد هذه العملية المؤجلة. ولنطرح نحن كذلك هذا السؤال من زاوية أخرى:

في حالة التوصل إلى اتفاق في الإطار الذي سردناه أعلاه، ألا يوجد احتمال أن تتصدى قوات نظام دمشق المدعومة من روسيا لعناصر ي ب ج دون الحاجة لأن تنفذ تركيا أي عملية عسكرية؟

فليبق هذا السؤال معلقا هكذا في الوقت الراهن، ولنذكِّره به مجددا لو صار هذا الاحتمال أكثر وضوحا في المرحلة المقبلة.

#محمد آجات
٪d سنوات قبل
خريطة طريق تركية جديدة في سوريا – 2
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية