
لقد لاقت التقارير التي أعدّتها، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيزي، حول فلسطين، صدى في تركيا أيضًا. ففي تقريرها الأول الذي أعدّته بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سلطت ألبانيز الضوء بشكل خاص على الدور الذي تلعبه الشركات العالمية في استعمار الضفة الغربية. وقد عدّدت أسماء الشركات العالمية المعروفة مثل فولفو، وحاولت كذلك توضيح كيفية تورط هذه الشركات في عملية استعمار فلسطين. وأردتُ أن أذكر فولفو على وجه التحديد لأن قراءنا على دراية، إلى حد ما، بمجالات عملها؛ وهذا يُسهّل فهم معنى التعاون بين المستوطنين الصهاينة وهذه الشركات في الضفة الغربية. فالجميع تقريباً على دراية بمعدات العمل الثقيلة التي تنتجها شركة فولفو.
أعتقد أننا لا نملك فكرة شاملة عن مفهوم الاستيطان. فبعد 7 أكتوبر واجهنا بعض التعبيرات العاطفية من قبيل أن “هؤلاء ليسوا مستوطنين”. ولكن لاحقًا بدأ المعنى الدقيق لهذا المفهوم يتضح جيدًا. فالاستيطان هو أحد أكثر أشكال التوسع الاستعماري عدوانية. وقد يكون النظر إلى أمثلة إفريقيا وآسيا مضلِّلًا لفهم العدوان التوسعي للمستوطنين. فقد وُجدت أمثلة مشابهة في إفريقيا وآسيا في بعض المناطق، ولكن يجب النظر بشكل أساسي إلى أمثلة أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا. فقد قام المستوطنون الأوروبيون باجتثاث السكان الأصليين في هذه القارات. وفي خضم إبادة السكان الأصليين، تم تدمير كل ما يخصّهم إلى حد كبير. واليوم، يحلّ المستوطنون الصهيونيون في فلسطين محلّ الفلسطينيين بعدوانية لا تُصدق. فهم، مثل المستوطنين الأوروبيين، يُدمّرون كل ما ينتمي إلى الفلسطينيين. وقد وصفنا سابقًا المستوطنين الذين يستولون تدريجيًا على الأراضي التاريخية لفلسطين بأنهم جهات فاعلة غير تابعة للدولة. وهذا يعني أنهم غير ملزمين بالقوانين.
بعد تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، تنتقل الأراضي المُخلاة إلى أيدي المستوطنين بطرق مختلفة. وفي هذه العملية تلعب شركات عالمية شهيرة مثل "فولفو" دورًا كبيرًا. فهذه الشركات تشارك في نطاق واسع من العمليات، بدءًا من تهيئة الأراضي الجديدة الناشئة في الضفة الغربية والقدس الشرقية لجعلها صالحة للاستيطان، وصولاً إلى الخدمات المصرفية. فالأنشطة الاستعمارية مثل بناء الجدران العظيمة التي تفصل الأراضي التاريخية الفلسطينية عن بعضها، وهدم منازل العائلات الفلسطينية وجعلها صالحة للاستيطا، تُنفَّذ من قبل شركات مثل فولفو. وبطبيعة الحال، تعمل هذه الشركات خارج نطاق القانون. وفي هذا الصدد، كان قيام المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، بسرد أسماء الشركات المتورطة في عملية الاستعمار واحدة تلو الأخرى أمرًا بالغ الأهمية. وهذه معلومات في غاية الأهمية بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في التضامن مع الفلسطينيين في سياق النضال المناهض للاستعمار.
وقد أعدّت ألبانيزي تقريرًا ثانيًا حول استعمار فلسطين. وفي هذا التقرير تُسرد الدول التي تقدّم دعمًا بوسائل مختلفة للمستوطنين اليهود الصهاينة. وتضم هذه القائمة دولًا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهما دولتان معروفتان بتاريخ التوسع الاستعماري. وتوثّق المقررة الخاصة بدقة متناهية المجالات التي تقدم فيها هذه الدول دعمًا للعدوانية الاستيطانية الاستعمارية. أما الغضب المتزايد تجاه دول غربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فينتج عن أنشطتها الحالية. فالدول والشركات المذكورة تعيد إحياء الأحداث المؤلمة الماضية التي ترسخت في الذاكرة العميقة للشعوب. والأحداث الجارية اليوم تمثل من حيث ماهيتها، عودة إلى الماضي.
إن الشركات والدول التي وردت أسماؤها في التقارير التي أعدّتها المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي تمثّل العالم الغربي. ولا يمكن أن نعتقد بأي حال أن مشاركة هذه الشركات والدول في الأنشطة الاستعمارية الجارية في الأراضي التاريخية لفلسطين كانت محض صدفة. ورغم ذلك، من الواضح أننا لا نستطيع الحديث عن نقد واسع للغرب أو أوروبا. فبعضهم يتخذ مواقف متباينة بسبب غضبه تجاه العالم العربي، وبعضهم بسبب عدائه لرجب طيب أردوغان، أو لأسباب أخرى. ولكن الأحداث التي تدور حولنا تشكل نمطًا ذا معنى يثبت خطأ هذه المواقف. ووفقًا لهذا النمط، تتواجه الدول والشعوب مجددا. وينبغي تقييم موقف المملكة المتحدة والولايات المتحدة تجاه المقررة الخاصة للأمم المتحدة في إطار التوسع الاستعماري. وكذلك الضغوط التي تمارسها هذه الدول على قضاة محكمة العدل الدولية والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هي أيضًا جزء من هذا النمط ذي الدلالة، كل هذه الأمور تشير إلى عالم جديد.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة