|
سلام صعب

شهدت العاصمة القطرية الدوحة أمس السبت ٢٠ شباط/فبراير، واحدة من أهم التطورات على الساحة خلال الآونة الأخيرة. حيث وقّعت كل من الولايات المتحدة وحركة طالبان، عبر وساطة قطرية، اتفاقية تهدف لإحلال سلام دائم في أفغانستان. مراسم التوقيع الذي حضره وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو نيابة عن تركيا، حضرته كل من باكستان، الهند، إندونيسيا، أوزبكستان وطاجكستان عبر تمثيل رفيع المستوى. كانت المشاهد التي عرضت وفد طالبان بلابسهم المحلي، وبأيديهم الأعلام إلى جانب مشهدهم في صلاة الجماعة، كانت حديث الإعلام.

هذا الاتفاق الذي تقدمته مفاوضات عسيرة ومتقلبة دامت لشهور في الدوحة، يتضمن ٤ نقاط رئيسية:

1) تتعهد طالبان أنها لن تستخدم الأراضي الأفغانية لضرب الأهداف الأمريكية.

2) على الولايات المتحدة وحلف الناتو أن يسحبان قواتهما التي تبلغ ٣٠ ألف مقاتل، خلال ١٤ شهرًا وذلك في حال أوفت طالبان بتعهدها.

3) بدء الحوار والمفاوضات بين الجماعات المتناحرة في أفغانستان.

4) عند الالتزام بالشروط السابقة، يدخل اتفاق السلام الدائم والشامل حيز التنفيذ.

هناك شكوكٌ جدية في عدم إمكانية تطبيق هذا الاتفاق كما هو مكتوب على الورق حرفيًّا، وذلك نظرًا لأن الولايات المتحدة لم تفِ بوعدها بشكل تام من حيث سحب قواتها، إضافة إلى تأكيد طالبان على عدم شن أي هجمة تحت أي ذريعة كانت. لكن على الرغم من ذلك فإن الأطراف في الدوحة قد رحبت بذلك وسط جو إيجابي، بل إنّ الرئيس الأمريكي ترامب قد أثنى كثيرًا بدوره على طالبان بشكل ما، خلال حديثه عن المراسم التي حضرها وزير خارجيته بومبيو؛ حيث قال "إنهم محاربون جيدون للغاية، وكلكم تعلمون هذا جيدًا، إنهم محاربون بارعون حقيقة. والذين لا يصدقون ذلك عليهم أن يسألوا الاتحاد السوفيتي؛ أليس هؤلاء محاربين بارعين؟ نعم، إنهم هكذا بالتأكيد. ولقد تعبوا أيضًا. أتحدث عن ١٩ عامًا، عن ١٩ عامًا"!. بل إن ترامب أكد على أنه سيلتقي قادة طالبان شخصيًّا في المستقبل القريب، مشيرًا إلى ان الحركة تريد السلام. لكن ترامب استدرك قائلًا "لو حدثت أشياء سيئة هناك فإننا سنعود، أُريد أن يعي الجميع ذلك: سنعود، وسنعود بسرعة كبيرة وبقوة لم يرها أحد من قبل".

إن مصطلح "التعب" الذي استخدمه ترامب حين الحديث عن الاتفاقية الأخيرة هذه بين بلاده وطلبان، يسري على الولايات المتحدة بشكل أكبر في الواقع. ليس من المناسب في الحقيقة إلصاق مصطلح التعب، بمنظمة لا تزال بالدعم الشعبي على الرغم من كل ما مر، وتتمتع بسيطرة على المنطقة إضافة إلى تجربتها الكبيرة في حرب العصابات. لذلك نجد ترامب بينما هو يحاول سحب قوات بلاده من أفغانسان التي تحولت إلى مستنقع لهم، لكنه يريد ضمانًا؛ نجده من جانب آخر يحاول إبقاء ذنبه مستقيمًا من خلال حركة طالبان. هذا ما يجري بكل اختصار.

أما ردة فعل الشعب الأفغاني التي يمكن أن نراها على وجهه، يمكن تلخيصها بكلمة واحدة، وهي عدم الوضوح. إن الشعب الأفغاني الذي قضى القرن الماضي بأكمله وسط انعدام للاستقرار السياسي، والحرب الأهلية، والاحتلال الأجنبي، والسياسيين الفاسدين، لم يرى أي بصيص أملٍ حتى الآن يلوح في الأُفق القريب. بالنسبة للمجتمع الأفغاني الذي أُصيب بجراح بسبب الانفصال العرقي، فإن طالبان بالتالي لا تُقدّم وعدًا بصياغة برنامج استقلالي متكامل البنية. وعند الحديث عن السلطة، ما هو نموذج الحكم الذي تريدون تطبيقه؟، عندما أجاب المتحدث باسم حركة طالبان على هذا السؤال، كان جوابًا غير واضح إلى حد كبير، حيث قال "سنطبق كل ما يقوله الإسلام". حيث يعتبر التعبير بتطبيق الإسلام؛ حمّالَ أوجه بالنسبة لجزء مهم من الشعب الأفغاني، الذي يرى أن طالبان تطبق ما فهمته هي وحدها من الإسلام. عندما يتعلق الأمر بالممارسة، فإن المهم ليس الإسلام بحد ذاته، أكثر من مما تفسره حركة طالبان من الإسلام. المشكلة هي أن الأشخاص الذين فرضوا أنفسهم على الجماهير تحت راية "الشريعة"، هم في الواقع يطبقون ما فهمموه ومايرونه هم صحيح وليس الإسلام الصحيح. والخوف يكمن في هذه النقطة.

هذا ليس في سياق طالبان فحسب، هناك العديد من الأمثلة حول العالم ينطبق عليها ذلك، حينما يتم التأكيد على "الحكم الإسلامي"، فإن التطبيقات التي ستتبادر إلى الأذهان، ستكون نابعة من الفقه والتفسير والنظرة العالمية لهذه الجماعة الإسلامية دون غيرها. وهذا بدوره يعتبر أكبر سبب لتمييز العديد من الممارسات التي تُطرح على أنها "دولة شرعية"، وتفريقها بعضها عن بعض نظرًا للاختلاف الحاد، الذي ينصب في نهاية المطاف على تمهيد الطريق نحو ابتعاد المسلمين أنفسهم عن الإسلام واتساع الفجورة بين الطرفين. بالنسبة للعلماء والمفكرين والسياسيين حول العالم الإسلامي، فإن مسؤولية تكمن في الإجابة عن سؤال "ما هي الشريعة؟"، وفق إطار التزام فكري متعدد الأبعاد. وانطلاقًا من ذلك، فإن بين ما يفهمه الناس من الشريعة، والشريعة ذاتها؛ فرق شاسع وتمييز واضح.

في نهاية المطاف، يبدو أن اتفاق السلام "الصعب" الذي تم توقيعه ما بين طالبان والولايات المتحدة، يجعل من الضروري إعادة النقاش حول هذا الجانب الحساس.

#سلام صعب
٪d سنوات قبل
سلام صعب
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة