|
عبد الحليم خدام.. سيرة ذاتية رديئة

استضاف فندق "ذا دورتشستر" أحدى أفخر وأرقى فنادق لندن، مؤتمرًا صحفيًّا استثنائيًّا في الرابع والخامس من حزيران/يونيو عام ٢٠٠٦. كانت المفاوضات الصعبة المستمرة منذ شهور خلف الأبواب الموصدة، قد توصلت إلى نتيجة في مارس/آذار من العام ذاته، حيث تم تأسيس جبهة الخلاص الوطني السورية. تم تأسيس الجبهة من طرفين، كلاهما خرجا في المؤتمر الصحفي نحو الرأي العام، يتحدثون عن رؤيتهم حول مستقبل سوريا. أحد هذين الطرفين كان عبد الحليم خدام، الذي كان قد انشق للتو من حزب البعث آنذاك، بعد أن كان يعتبر الرجل الثاني فيه. أما الطرف الأخر، فهو زعيم جماعة الإخوان في سوريا، علي صدر الدين البيانوني.

إن الذين يعرفون المعركة الطويلة والدموية بين النظام السوري وجماعة الإخوان، كانوا ينظرون إلى هذا المشهد الذي جمع بين العجوزين؛ خدام – مواليد ١٩٣٢، والبيانوني – مواليد ١٩٣٨ في تحالف سياسي؛ على أنه تناقض. يمكن أن يكون مفهومًا بالنسبة للبيانوني الذي كان منفيًا في لندن، إلا أن الأمر كان مشوشًا بالنسبة لخدام. طبعًا لم يتسمر هذا التحالف الذي حصل بهدف الإطاحة بالنظام السوري آنذاك، بل سرعان ما انفرط عقده. لكن لو كان قد صول إلى هدفه المقصود فعلًا، فأي مشهد كان سيبرز يا ترى؟ هل كان خدام قد تصالح حقيقة مع الإخوان؟ أم كان يحاول مجرد استعادة نفوذه المفقود في سوريا؟.

لقد التقى عبد الحليم خدام ابن العائلة السنية في بانياس، بخط حزب البعث السوري خلال دراسته القانون في جامعة دمشق، ومنذ وصول البعث إلى الحكم عام ١٩٦٣ عبر انقلاب عسكري، تمكن خدام من الترقي سريعًا في الحزب. كان خدام محافظًا على القنيطرة، إلا أنه مع الاحتلال الإسرائيلي للجولان عام ١٩٦٧ تم نقله ليكون محافظًا على حماة. وفي عام ١٩٦٩ تم تعيينه وزيرًا للاقتصاد. لقد كان خدام من أكبر الداعمين لانقلاب الأسد الأب الذي قام به عام ١٩٧٠ داخل البعث بهدف الوصول للسلطة. وكمكافأة على هذا الدعم تم تعيينه وزيرًا للخارجية طيلة ١٤ عامًا منذ تاريخ الانقلاب. وفي عام ١٩٨٤ حتى العام ٢٠٠٥ احتل منصب نائب الرئيس.

لعب خدام دورًا هامًّا في تعيين بشار الأسد رئيسًا لسوريا، خلفًا لأبيه حافظ عند موته في حزيران/يونيو ٢٠٠٠. كان يظن خدام أنه عبر مسيرته الطويلة هذه بإمكانه لعب دور "الأمير الصعيد" والتحكم بكل مجريات الأمور، لكنه سرعان ما اكتشف أنه مخطئ خلال وقت قصير؛ حيث كان العلويون عازمين على تحطيم رأس خدام في حزب البعث. لقد بدأ التوتر بين الطرفين على شكل اختلافات في الرأي، سرعان ما تحولت إلى صراع مفتوح. ليكون اغتيال رفيق الحريري في ١٤ شباط/فبراير ٢٠٠٥ الشعيرة التي قصمت ظهر البعير. حيث كان خدام يعتبر نفسه المسؤول الأول عن ملف لبنان وأن حافظ الأسد قد سلم هذا الملف له، وأنه استطاع نقل العلاقات بين سوريا ولبنان إلى مستوى رفيع خلال عشرات السنوات الخالية، كما كان يعتبر رفيق الحريري صديقًا مقرّبًا للغاية له، ما يعني أنه لم يكن راضيًا عن خطة الاغتيال تلك، كما أنه لم يكن يشك بأن نظام الأسد وراء ذلك.

لقد توجه الغضب العارم في لبنان إثر اغتيال الحريري، إلى ضرورة إنهاء الاحتلال الفعلي لقوات النظام السوري التي كانت متواجدة هناك منذ ١٩٧٠. في الوقت الذي أعلن فيه اللبنانيون عن ثورة الأرز آنذاك، كانت الأمور ضبابية للغاية في سوريا، حيث في ١٢ أكتوبر/تشرين الأول قام غازي كنعان وهو الرجل الأول لحزب البعث في لبنان منذ ١٩٨٠، بالانتحار في مكتبه بدمشق. كان جميع من يعرفون النظام السوري عن قرب، يعتقدون أنه قتل متعمد وليس انتحارًا، على رأسهم خدام الذي يبدو انه آنذاك شعر بالخوف ليقرر الفرار بنفسه نحو باريس عام ٢٠٠٥.

لم كين من قبيل المصادفة اختيار خدام للتوجه نحو باريٍس. كان هناك رابط عضوي بين فرنسا وسوريا، يعود تاريخه إلى الفترة الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، حيث كان من المعتاد أن يفر الساسة السوريون وحتى اللبنانيون من بلادهم نحو باريس، بحثًا عن متنفس. لكن مع ذلك كان منهم من يتعرض للمطاردة من نظام الأسد حتى وهو في باريس، على سبيل المثال؛ صلاح الدين البيطار وهو واحد من اثنين أسسا حزب البعث عام ١٩٤٧، تم اغتياله من قبل نظام الأسد في باريس، في ٢١ تموز/يوليو عام ١٩٨٠. إلا أن خدام كان محظوظًا في هذه الناحية، حيث كان نظام الأسد مشغولًا بنفسه لا سيما بعد انطلاقة الربيع العربي.

مات عبد الحليم خدام عن عمر يناهز ٨٨ عامًا، إثر أزمة قلبية، الثلاثاء الماضي٣١ مارس/آذار في باريس. وترك من بعده ثروة مالية عبارة عن ملياري دولار، وطموحات سياسية لم تُحقّق.

يا تُرى هل يتساءل الإخوان المسلمون الآن؛ ماذا كان شأننا بسيرة ذاتية من هذا النوع؟.

#عبد الحليم خدام
il y a 4 ans
عبد الحليم خدام.. سيرة ذاتية رديئة
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة