يحتفي المسلمون في الهند بحملات تبسيط الزواج وتكاليفه، التي تنطلق خلال شهر رمضان. وفي هذا الصدد أطلق مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في عموم الهند (AIMPLB) حملة تستمر 10 أيام، بهدف زيادة الوعي في جميع أنحاء البلاد، من أجل جعل الزواج متوافقًا بجميع جوانبه مع مبادئ الإسلام.
على الرغم من أنّ مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند يقوم بهذه الحملة منذ سنوات، إلا أنه هذه السنة توجّه نحو حملة خاصة بسبب قصة حزينة دفعته لفعل ذلك.
قصة حزينة عن فتاة لا تتجاوز 23 من عمرها، تُدعى عائشة بانو ماكراني، انتحرت حيث ألقت بنفسها في نهر سابارماتي، في منطقة أحمد آباد بولاية غوجارات الهندية، بعد أن أرسلت لعائلتها رسالة فيديو من هانفها المحمول في 28 فبراير/شباط 2021، ومن ثمّ ألقت بنفسها في النهر وأنهت حياتها.
وعلى الرغم من أن العائلة توجهت إلى الشرطة على الفور، إلا أن الأوان قد فاتها، حيث عثرت على عائشة بانو ذات الـ23 ربيعًا جثة هامدة.
أوضحت عائشة بانو في رسالتها الأخيرة لعائلتها، أن محطيها لم يكن يفهمها، كما اشتكت من العنف الجسدي الذي كانت تتلقاه من زوجها عارف خان وعائلته بعد زواجهما، إضافة للإساءات والإهانات اللفظية.
وفي هذا السياق، كشفت التحقيقات التي أجرتها الشرطة، أن عائشة بانو ماكراني أُجبرت على جلب المزيد من المهر لبيت زوجها عارف خان، وأنها كانت تتعرض للضرب لهذا السبب، وأن زوجها قد خانها مع فتاة أخرى من أجل التعذيب النفسي.
كما كشفت التحقيقات أنها على الرغم من إخطار زوجها بأنها مقدِمةٌ على الانتحار، إلا أن الأخير لم يكترث بل أجابها بالقول "افعلي ما تشائين".
نعود للحملة التي أطلقها مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند، بعد هذه القصة المحزنة التي كشفت المزيد عن مدى الصعوبة التي تُلقى على كاهل الشباب بسبب التقاليد والعادات التي لا علاقة لها بالإسلام.
ولهذا السبب دعا المجلس مسلمي الهند للمزيد من الوعي حيال ذلك، وناشدهم بتطبيق هذه القواعد المهمة؛ 1- وضع حد للعادات التي تُجبر العرائس على اقتناء المزيد من المهر والزينة باهظة الثمن، 2- الحد من الأموال الفاحشة التي يتم إنفاقها على حفلات الزفاف، واللجوء إلى الحفلات البسيطة. 3- عدم إضاعة الأموال من أجل ترفيه الناس، باستنثاء وليمة الزفاف التي تُعتبر سنّة نبوية. 4- إيلاء الاهتمام بشكل خاص لإطعام الفقراء والمحتاجين من هذه الوليمة. 5- التخلي عن المظاهر التي ليس لها مكان في ثقافة المسلمين كالرقص المختلط، والألعاب النارية، وقوافل الزفاف بالمركبات الفاخرة.
كما أكد المجلس ذاته، على أن هذه المظاهر في حفلات الزفاف باهظة الثمن، والمهور المرتفعة بشكل فاحش، تُثقل كاهل الشباب وتجعلهم يعزفون عن الزواج، وحتى ولو تزوجوا فإنهم سيكونون مشغولين لسنوات طويلة في سداد ديون حفلات الزفاف، مما يكون دافعًا كبيرًا نحو تشتت العديد من العائلات.
كذلك الأمر، دعا المجلس المسلمين في الهند لإجراء حفلات الزفاف في المساجد، وأكد على أهمية تقديم أمثلة أكثر تواضعًا وواقعية.
وفي خضّم هذه الحملة التي تستمر 10 أيام، يتم إلقاء الخطب ودروس الوعظ في جميع المساجد بمختلف مدن الهند. كما يلتقي العلماء المرموقون مع الناس لتقديم المشورة والنصيحة بهذا الصدد. كما يحاولون بشكل خاص الحديث مع الآباء والأمهات بهدف توعيتهم وتغيير وجهات نظرهم حول هذا الموضوع.
كما يتم تذكير المسلمين بأن إجبار العرائس بالذهاب إلى بيوت أزواجهن بمهور فاحشة الثمن يتنافى تمامًا مع مبادئ الإسلام وحقيقته.
لكن ومع كل ذلك، لم يغفل العلماء في الهند خلال عقدهم مؤتمر صحفي ضمن هذه الحملة، عن التأكيد على أن هذه العادات والتقاليد التي تمتد جذورها لمئات السنين، والتي تشكّل المفهوم الاقتصادي لدى الناس، والتي تتنافى بالطبع مع روح الإسلام وجوهره؛ لا يمكن لأحد أن يتوقّع اختفاءها فجأة أو بسرعة من خلال الخطب ودروس الوعظ.
إلا أن المجلس أكد على أنهم "يهتمون بهذه القضية ويضعونها على رأس أجندتهم، وأنهم الآن في حالة تعبئة وطنية في جميع أنحاء الهند".
بالنسبة لي بينما كنت أتأمل في هذه القضية التي تحولت إلى قضية بارزة وحديث المسلمين في الهند، لم أستطع إلا أن أفكر بأنها قد أصبحت قضية مهمة للغاية بالنسبة لنا أيضًا، وأن تكاليف الزواج الباهظة والتي يمكن اعتبار الكثير منها غير ضرورية إنما يرجع مصدرها للتقاليد أو الإكراه الذي يفرضه المجتمع فحسب.
ولذلك نجد أنه بينما يتحكم الأغنياء والأثرياء بتحديد معايير هذه الحفلات أو تكاليف الزواج عامة، نجد أن الشباب ذوي أجور الدخل المتدنية يُجبرون على تحمّل أعباء لا طاقة لهم بها من الناحية الاقتصادية.
كما باتت بعض الممارسات التي تفرضها عادات الأقارب والجوار أحيانًا، ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. وبالتالي بات الشباب إما أمام تأجيل الزواج، أو حتى ولو تزوجوا فسيكونون عالقين في مستنقع الديون التي ستُثقل كاهلهم لسنوات طويلة.
ليتنا نحن أيضًا نشهد في الواقع حملات في بلدنا تهدف للتوعية بأهمية تبسيط الزواج وتكاليفه. لا سيما وأننا لا نعاني من فقدان لأثرياء يمكن أن يكونوا قدوة حسنة في هذا الصدد، على العكس بل ربما هم أكثر مما نتصور.
