|
إضاعة الفرصة

حينما أعلن الرئيس المصري السابق حسني مبارك تخليه عن السلطة التي استمرت 30 عامًا، نتيجة الاحتجاجات التي انطلقت عام 2011، عادت بدورها وسائل الإعلام العالمية بجميع معدّاتها وطواقمها إلى العاصمة المصرية القاهرة.

عُرضت الانتخابات لاتي أجريت عقب ذلك على أنها "عيد الديمقراطية"، وأكدت على أن الشعب المصري توجه نحو صناديق الاقتراع بمحض إدراته لأول مرة منذ أكثر من 5 آلاف سنة، ليقرر من سيحكم البلاد، حتى قيل أنها المرة الأولى منذ الفراعنة.

لكن بعد فتح صناديق الاقتراع كان فوز جماعة الإخوان المسلمين كافيًا لإثارة شيء من الصدمة سواء في الغرب أو العالم العربي. لم تتأخر السعودية والإمارات، حيث قامتا باتلعاون مع الجيش المصري، وبذلتا قصارى جهودهما من أجل تقويض حكم الإخوان بمصر، سواء عبر الحملات الإعلامية أو توزيع الأموال والمساعدات على الجماهيرالفقيرة. ليأتي يوم 3 يوليو،تموز عام 2013، وتشهد مصر انقلابًا عسكريًّا. والجميع يعلم بالفعل ما حدث بعد ذلك.

السبب الأكبر للهيستيريا والخوف الذي تسبب به وجود جماعة الإخوان في السلطة، هو أن حركة محلية سنية وديمقراطية أعطت مثالًا للتغيير في الحكم عبر الانتخابات.

لم يكونوا خائفين من تأثير دول مثل تركيا أو إيران على الأرض، لأن كلا البلدين في النهاية أجنبيان، ويمكن مواجهتهما والتعامل معهما بسهولة من خلال التوسع العثماني مع تركيا، والتوسع الشيعي مع إيران.

إلا أن حكم الإخوان في مصر فيما لو نجح فلا بد أن يكون حينئذ قدوة أو نموذجًا للعالم العربي بشكل عام، وأن يتبنى الملايين هذا النموذج. ومن وجهة النظر هذه كان لا بد من ربط جماعة الإخوان بالإرهاب، واتهامهم بأنهم غير شرعيين، وخنقهم قبل أن يشتد عودهم.

من المثير للاهتمام أن حكم الإخوان الذي استمر عامًا واحجدًا فقط، أظهر أنه يمتلك الأساس المنطقي من أجل تطوير علاقات دافئة مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. وأعلن احترامه لاتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، وبعث برسائل دائفة إلى واشنطن.

وقام الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بأول زيارة خارجية له إلى الرياض كما هو المعتاد، واظهر بالفعل رغبته في العمل مع السعوديين عن كثب. وعلى الرغم من كل ذلك لم يسمحوا للإخوان بالاستمرار.

وبينما قام الفاعلون العرب بخنق الإخوان باسم "الحرب ضد الإسلام السياسي" لم يغفلوا في الحقيقة أيضًا عن الحركات الإقليمية الأخرى التي يعتبرونها امتدادًا للإخوان. ولا شك أن "حماس" تأتي على رأس هذه الحركات.

ففي حين أن كوادر حماس كانت تُستقبل في الرياض حتى وقت قريب على أنها ضيوف دولة، سرعان ما نبذتها الرياض، وما زاد الأمر سوءًا هو إعلانها "منظمة إرهابية"، بل وأعقبت ذلك بتصريحات رسمية تساوي بين حماس وداعش والقاعدة. وفي الوقت ذاته كانت الأطراف السعودية تغازل إسرائيل بحرارة.

تعميق علاقاتها مع إيران التي كانت تجمعها معها علاقات بالفعل. ونذكر هناك تصريح خالد مشعل الذي كان زعيم حماس حتى عام 2017، وهو يصف علاقات حماس مع إيران مخاطبًا الدول العربية؛ "يوجد بيننا علاقات بالفعل، ولم ننكر ذلك في أي وقت من الأوقات. يقولون أن إيران تتاجر بقضية القدس، إذن قوموا أنتم بمساعدتنا، وتعالوا تاجروا أنتم بذلك أيضًا، لكنكم لم تفعلوا ذلك. لقد طرقنا بابكم واحدًا تلو الآخر، إلا أن أيًّا منها لم يفتح، أما إيران فهي التي تأتي وتطرق بابنا. إذن؛ ألا يجب علينا أن نفتح الباب ونحن بهذا القدر من الحاجة؟".

من هذا المنظور بالذات يصعب إلقاء اللوم على حماس.

أما بالنسبة للجانب الإيراني في هذه القضية، فهناك رأي آخر يعرفه مسؤولو حماس بالتأكيد.

ألا وهو أن إيران كدولة قومية طائفية وتضع انتشار التشيع في صميم سياستها الخارجية، لا تترك أي تنظيم أو حركة ما في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي كما هي على حالها.

حيث أن علاقاتها التي تبدأ أولًا بالمساعدات الاقتصادية، سرعان ما تتطور إلى صراع أيديولوجي ثم تتجه نحو هياكل الدولة ذاتها لتخلق دولة داخل دولة، ويمكن ضرب مثال على ذلك بسوريا ولبنان واليمن والعراق ونيجريا.

وإن التقارب "القسري" بين حماس وإيران سيصاحبه قريبًا ارتباطات أخرى وإكراهات على أساس المنّة. ومعظم الانتقادات الموجهة لقادة حماس وإدارتها بشأن هذه القضية تحتوي بالفعل على هذا القلق في نصّها الضمني.

سيسجل التاريخ لا محالة استبعاد الإخوان من السلطة، وشيطنة الحركات الأخرى المرتبطة بها؛ على أنه أحد أكبر الأخطاء السياسية التي ارتكبت في الشرق الوسط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وسيذكر التاريخ من اتخذ هذه القرارات سواء في الرياض او أبو ظبي أو القاهرة على أنهم أشخاص أضاعوا فرصة كبيرة لاستقرار المنطقة وإرضاء الشعوب.

#مصر
#الانقلاب في مصر
#الإخوان
٪d سنوات قبل
إضاعة الفرصة
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة