|
وزير لبناني في فرنسا

عُينت اللبنانية "ريما عبد الملك" (43 عاماً)، كوزيرة للثقافة في الحكومة الفرنسية الجديدة، التي تم تشكيلها بعد فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية مرة أخرى. ولدت ريما عبد الملك في بلدة شيخان القريبة من مدينة جبيل الساحلية شمال لبنان، لعائلة مسيحية.. هاجرت ريما عبد الملك إلى فرنسا مع أسرتها عندما كانت في العاشرة من عمرها.. وأمضت سنواتها العشر الأولى في بيروت في عز الحرب الأهلية، قبل أن يستقر المقام بأسرتها بمدينة ليون الفرنسية.

تعيين اللبنانية وزيرة للثقافة لم يكن مفاجئًا، فريما ظهرت في الأوساط الثقافية الفرنسية منذ سن مبكرة، وقد عملت مع الرئيس الفرنسي كمستشارة ثقافية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، وهو المنصب ذاته التي شغلته مع عمدة باريس السابق، بيرتران ديلانوي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعيين عربي في بلد مثل فرنسا حيث وصلت كراهية الأجانب إلى ذروتها، لتمثيل "الثقافة الفرنسية" أمر غريب ومثير للاهتمام. وذلك حتى لو كان هذا العربي مسيحيًا اعتنق التقاليد الفرنسية بالكامل..

(في الواقع، إن فرنسا معتادة على الوزراء من أصول عربية، فقد شارك في الحكومات الفرنسية السابقة العديد من الأشخاص أصحاب الأصول العربية؛ كرشيدة داتي، ونجاة فالو بلقاسم، وقادر عارف، وعزوز بقاق، وجانيت بوغراب.. ولعل السمة المشتركة لهذه الشخصيات، الذين هم عادة من أصل مغربي أو جزائري، هي أنهم يحاولون أن يكونوا "فرنسيين" أكثر من المواطنين الفرنسيين الأصليين، حتى إنهم يبذلون مجهودًا خاصًا من أجل ذلك. لذلك، لم يكن مفاجئًا لأحد حين أدلت جانيت بوغراب، ابنة الأب المسلم الذي قاتل في صفوف الجيش الفرنسي ضد الجزائريين خلال حرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962)، بتصريحات مثل "الإسلام والمسلمون لا يمكن أن يكونوا معتدلين، كلهم مؤيدون للعنف". والمثير للدهشة أن السياسيين غير المسلمين، الذين ولدوا وترعرعوا في الدول العربية وظهروا فيما بعد على الساحة السياسية الفرنسية، يتجنبون الحديث عن الإسلام والمسلمين أمام العامة. واليهودية المغربية "أودري أزولاي"، التي تشغل حاليا منصب المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، والتي شغلت مناصب سياسية عدة في فرنسا، هي على سبيل المثال أحد هؤلاء.. والد أودري أزولاي، هو أندري أزولاي، والذي يعمل مستشارًا للعائلة الملكية في المغرب منذ التسعينيات).

إن تعيين ريما عبد الملك كوزيرة للثقافة في الحكومة الفرنسية أعاد "الشتات اللبناني" المنتشر حول العالم إلى جدول الأعمال من جديد.

عندما نقول الشتات اللبناني، فإننا نقصد تعداد سكان يبلغ حوالي 15 مليون نسمة، أي أعلى بكثير من عدد سكان لبنان المقدر اليوم بـ 6 ملايين نسمة. واستقر اللبنانيون، الذين بدأوا مغادرة الشرق الأوسط بسبب الحروب والمجاعات والمشاكل الاقتصادية، ابتداءً من ستينيات القرن التاسع عشر، بشكل كبير في بلدان أمريكا اللاتينية. وتشير الإحصائيات والتقارير الحديثة إلى وجود ما بين 2 و5 ملايين لبناني في البرازيل، في حين تفيد ذات الإحصائيات بوجود نحو 2-3 مليون لبناني في الأرجنتين، ومليون لبناني في فنزويلا. كما يتواجد 700 ألف لبناني في كولومبيا، و400 ألف في المكسيك و100 ألف في الأوروغواي، ويعرف هؤلاء بأنهم "لبنانيون" أو أصاحب أصول لبنانية. وينتشر باقي المغتربين اللبنانيين في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسبانيا، ومن نيوزيلندا إلى نيجيريا. وهناك عدد لا يحصى من اللبنانيين الذين تمكنوا من التفوق وصنع اسم لأنفسهم في عالم الأعمال والسياسة والفن والأدب والأوساط الأكاديمية. ومن أوائل الذين يتبادرون إلى الذهن في هذا الصدد، "الشاعر الشهير جبران خليل جبران" (1883-1931)، المعروف والمشهور أيضًا في تركيا.

إن حقيقة أن اللبنانيين الذين غادروا البلاد في أوقات مختلفة، وأغلبهم يعتنق المسيحية، أحدث تغيير في التوازنات الديمغرافية. وبحسب آخر تعداد أُجري في لبنان عام 1932، خلال فترة الانتداب الفرنسي، كان المسيحيون هم الأغلبية في البلاد، لذلك كانت الرئاسة محجوزة للمسيحيين، بينما كانت رئاسة الوزراء محجوزة للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة.

وفي الوقت الحالي، تزداد حدة الجدل حول أن الأرقام القديمة تلك لم تعد صالحة، وأن المسلمين باتوا هم الأغلبية في البلاد، وأن الرئاسة يجب أن تكون من نصيبهم. وبينما تزداد ثروة اللبنانيين في الخارج ونفوذهم، ينجر لبنان نفسه إلى نقطة الانهيار بسبب الصراعات والتوترات الداخلية.

بدأت وزيرة الثقافة الفرنسية، ريما عبد الملك، عملها في قلب الأوساط الثقافية والفنية في باريس، بعيدًا عن بلدها الأم "لبنان" وكل هذه الأزمات التي عصفت به.. كمثال عملي على "نظام التجنيد والتوظيف على النمط الفرنسي"...

#لبناني
#فرنسا
٪d سنوات قبل
وزير لبناني في فرنسا
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك
لم تعد أوروبا مصدر الأفكار الثورية التي تؤثر على العالم اليوم
عصام العطار
إسرائيل.. تنظيم إرهابيّ يهدد أمن المنطقة