|
الشهداء الثلاثة عشر

خلال الحرب العالمية الثانية كان من ضمن الأنشطة الرئيسية التي انصب تركيز الشباب المسلم عليها، البناء الفكري والأعمال الخيرية المكثفة التي نُظمت من خلال جهود جمعية "المرحمة".


وقد واجه الشباب مخاطر جمة في سبيل مساعدة المهاجرين تمثلت في إنقاذهم من حصار "الشتنيك" ونقلهم إلى سراييفو، وإيوائهم في مركز التجمع بجسر علي باشا، وكورانا، ومناطق أخرى في المدينة، ومدارس بندباشي، ودور الأيتام، ومسجد ومنازل هراسنو.


وتولت بعض العائلات استضافة عائلة مهاجرة واحدة أو أكثر من عائلات المهاجرين القادمين من مناطق مختلفة من البوسنة. فعلى سبيل المثال، استضافت عائلة آصف سرداريفيتش في منزلها ثلاث عائلات مهاجرة من روغاتيكا، ضمّت 12 شخصًا. وخصصت العائلة للمهاجرين طابقًا من المنزل مع مطبخ في الفناء، بينما احتفظت لنفسها بغرفة واحدة فقط ومطبخ في الطابق السفلي.


كانت إحدى أكبر المشاكل التي واجهها المهاجرون هي الغذاء، حيث كانت المساعدات الغذائية المقدمة للمهاجرين في سراييفو، إلى جانب المساعدات من الملابس والمعدات، قليلة للغاية. ولذلك كان لا بد من الخروج من سراييفو لتأمين الغذاء.


فتطوع أربعة شباب من جمعية "الشبان المسلمين" - آصف سرداريفيتش، ونور الدين جاكيتش، وساقب نيشيتش، وعثمان كروباليا - لهذه المهمة الصعبة، وخرجوا من سراييفو لتأمين الحبوب والمواد الأخرى للمهاجرين. وواجهوا مضايقات مستمرة على طول الطريق من قبل الفاشيين الكروات (الأوستاشا) المقاتلين الشيوعيين اليوغسلاف (البارتيزان). وعندما وصلوا بالقرب من فيتيز ومعهم أحد عشر عربة محملة بالطعام والمواد الأساسية، استولى المقاتلون الشيوعيون على جميع البضائع وقبضوا على آصف وأصدقائه. ثم نُقل الشباب المعتقلون إلى سجن في قرية "كروسيتشا". وفي إحدى ليالي مارس، حوالي الساعة 11 مساءً، تم اقتيادهم إلى نهر لاشفا القريب. وكانوا يكبِّرون باستمرار مدركين لمصيرهم المحتوم. وأخيرًا ساد الصمت بعد سماع أصوات الرصاص تتردد في ظلمة الليل. وهكذا في تلك الليلة الباردة من شهر مارس عام 1945، أُلقي بجثث أربعة أبطال من شبان جمعية "الشباب المسلم" في النهر بعد إعدامهم. كان آصف يبلغ من العمر 25 عامًا، بينما كان نور الدين وعثمان يبلغان من العمر 23 عامًا، وكان ساكب لا يزال في سن العشرين.


أثناء قراءتي لكتاب "ثلاثة عشر شهيدًا من جمعية الشبان المسلمين" (منشورات بروفا) للبروفيسور الدكتور عصمت كاسوماغيتش (1928-2020) أحد أقرب أصدقاء علي عزت بيجوفيتش، مرّت أمام عيني العديد من القصص المؤثرة المشابهة للقصة أعلاه. قصة عن حسن بيبر، وخالد كايتاز، ونصرة فضل بيجوفيتش، وعمر ستوباش، الذين أُعدموا عام 1949 بعد محاكمة هزلية أشبه بالمسرحية. وقصة عاصم جامجيتش، وفكرت بلوكو اللذين أُعدما دون محاكمةٍ حتى. وقصة عمر كوفاتش ذا الجسم النحيل الذي لم يتحمل قسوة التعذيب، فمات عن عمرٍ يناهز 17 عامًا فقط. وقصة أسعد كراجوزوفيتش الذي حاول الفرار إلى الخارج عبر الحدود النمساوية، لكنّ الإنجليز سلموه للبارتيزان، فنُفذ فيه حكم الإعدام بعد أن شاهد ما حلّ بأصدقائه. وقصة مصطفى بوسولاجيتش رئيس جمعية "الشباب المسلمين" وأكبرهم سنًا.

ثلاثة عشر شهيدًا، كلٌّ منهم نجمٌ ساطعٌ واعدٌ، قُتلوا جميعًا بينما كانوا يناضلون من أجل أن تصبح البوسنة بلدًا مسلمًا مستقلًا.

ثلاثة عشر بطلًا، لم يُعثر على قبرٍ لأيٍّ منهم، فُنصب لهم نصب تذكاري مشترك في "مقبرة كوفاتشي" في سراييفو، حُفرت عليه أسماؤهم جميعًا.


لا يتذكر اليوم سوى عدد قليل من الناس هذه الشخصيات الرائدة من جمعية "الشبان المسلمين" التي تأسست عام 1939. ويُشير البروفيسور الدكتور إسماعيل كاسوموفيتش، مؤلف الكتاب، إلى أنه كتب الكتاب لتخليد ذكرى هؤلاء الأبطال وتعريف المزيد من الناس بهم، وقدروى قصص بعضهم ممن عرفهم شخصياً بتفاصيل مؤثرة للغاية.


تعرفتُ على كتاب "ثلاثة عشر شهيدًا من جمعية الشبان المسلمين" خلال زيارتي إلى "باليكيسير" يوم الأربعاء الماضي لإلقاء محاضرتين. وقد أرشدني إلى هذا الكتاب أخي العزيز "مرزوق جرابس" من ترافنيك، الذي قام بترجمة الكتاب إلى اللغة التركية. وقد فتح لي مرزوق من خلال تقديمه للكتاب بابًا واسعًا على معلومات قيّمة عن التاريخ المعاصر للبوسنة. وأنا ممتن له على ذلك.


وبهذه المناسبة أودّ أن أؤكد مرة أخرى على ضرورة توثيق قصص التجارب والنضالات والشخصيات البارزة التي ظهرت في جميع أنحاء العالم الإسلامي بدقة. فهذه السجلات لن تساعدنا على فهم حاضرنا بشكل أفضل فحسب، بل ستكون أيضًا بمثابة خرائط طريق للأجيال القادمة. فليست هناك تفاصيل غير مهمة، وكلها تستحق والتقدير.


#الشهداء الثلاثة عشر
#البوسنة والهرسك
#جمعية الشبان المسلمين
#الحرب العالمية الثانية
11 gün önce
الشهداء الثلاثة عشر
واجب الجامعات تجاه غزة
أمواج "طوفان الأقصى" تثور في الجامعات الأمريكية
ميزان الضمير
صمود غزة ورحلة إحياء مدرسة الوعي الحضاري
الطلاب المؤيدون لفلسطين يُعيدون الأمور إلى نصابها