|
عندما يصبح الإرهابي علمانياً!

ياسين أقطاي | يني شفق

قُتل "ياسين بورو" وسط الجماهير التي ثارت لإنقاذ "كوباني"، وللفت اتنباه العالم الى المأساة التي تعيشها. كان ذلك في يوم السابع من أكتوبر، فهو ليس بالحدث الجديد، ولا بد أنكم قد حفظتم تفاصيل تلك الأحداث عن ظهر قلب لكثرة ما نوقشت في الإعلام. لقد نقلوا للعالم مأساة كوباني وأكدوا على ضرورة وقوف العالم بأسره -وعلى رأسه تركيا- من أجل إيقاف تنظيم الدولة الإرهابي، ولكن كيف لمثل هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة أن يكونوا قد قدموا المساعدة لكوباني.؟

إن مرتكبي هذه الجريمة قد تخلوا عن إنسانيتهم، وانصرفوا عنها بعيداً. هل من إرهاب أخطر وأسواء من الذي ارتكبوه بأنفسهم؟ لا شك لدينا بأن تنظيم الدولة قد بني على قتل مبادئ الإسلامية الأساسية وتحريفها وتخريبها، ولكن أليس من الجرم أن تكون كوباني سبباً في تقبل هذه الشبكات الإجرامية على أنها تنظيمات ساعية للحرية؟ بهذه الحالة يكون التنظيم قد اختطف واغتصب مفهوم "السعي إلى الحرية".

"لقد قتل ياسين بورو مرات عديدة وليس مرة واحدة وعلى يد مجموعة كبيرة من الأشخاص. فقد أخرج من البيت الذي حوصر فيه وأطلق عليه الرصاص ومن ثم طعنه بالسكين، ولكن ذلك لم يكفي فقد تم رميه ودحرجته من على درج الطابق الثالث، وحين وصوله الأرض وهنا يظن أنه كان قد فارق الحياة، تم سحبه على الأرض وإخراجه إلى الشارع وتمت محاولة قطعة رقبته، ثم تم دهسه بسيارة وتهشيم رأسه بالحجارة. وكأن كل هذا لم يكفي بعد، فقد حرق بها بعبوات المولوتوف. حين تم العثور على ثته وجثث اثنين من أصدقائه الذين قتلوا في تلك الحادثة كانت أجسادهم في حالة لا يمكن التعرف عليها. حتى أن أقاربه المقربين تعرفوا عليه بصعوبة.

إن هذا النوع من القتل ليذهب العقول. فالانتقام وتفريغ الغضب بجسد انسان –مجرد إنسان مجهول بالنسبة لديهم- بهذه الطريقة الوحشية وكأنه لا تكفيه ميتة واحدة ليقتلوه بعشرات وسائل. يذكرنا هذا المشهد بمشهد الإعدام المروع الذي صوره الفيلسوف التاريخي الفرنسي مايكل فوكولت في كتابه "ميلاد الزنزانة"، بل إن هذا المشهد ليفوقه في الفظاعة. حيث هناك تتركز الرغبة في التعذيب والانتقام من ذلك الجسد إلى الدرجة التي لا تعود ميتة واحدة تكفي بل يرغب في تعريض الجسد إلى التعذيب المتواصل.

أذكر أنني كتبت هنا قبل سنوات عن المعاملة السيئة التي تعرضت لها جثامين أعضاء حزب العمال الكردستاني (تنظيم بي كا كا الإرهابي). فالتشويه بالجثامين خط أحمر مهما تعددت وجهات النظر التي ننظر منها إليه. حللوا كلامي هذا جيداً قبل انتقاده. فأنا أقول ان كل من يقوم بالتعذيب بحق الجثامين مجرم، وليس بحق الأكراد. مهما كان فاعله. هل هذا واضح؟

إن أنصار حزب العمال الكردستاني يقومون من خلال الصراعات التي ينشؤونها بما هو أفظع بكثير مما يشتكون منه. مما يعني شيئاً واحداً وهو الانعدام الأخلاقي في دعواهم وصراعاتهم. فهم يردون على العنصرية التي يشتكون من التعرض إليها بالتمسك بسلوكهم العنصري. وهم يحاربون ضد الظلم والاضطهاد إن كاد واقعاً عليهم، أما إن كانوا هم من يمارسون الظلم والاضطهاد فلا غضاضة في ذلك.

إن الأكراد الذي تعرضوا البارحة على يد قوات "مخابرات الدرك ومقاومة الإرهاب" إلى القهر والاضطهاد والاختطاف والمصير المجهول يقومون اليوم بأسوء من ذلك من خلال وحدات حماية الشعب الكردية. إن ما طبقته "مخابرات الدرك ومقاومة الإرهاب" في التسعينيات كان أشبه بالحكم الذاتي حيث كانت خارجة عن القانون وتأتمر بأمر نفسها. ولكن على الأقل كانوا لا يدعون "الديمقراطية". (أتمنى هنا أن يكون واضحاً أنني أوجه كلامي إلى حزب العمال الكردستاني وليس الأكراد).

إن المنازل والمحال التي استهدفت وهدمت وحرقت خلال أحداث كوباني كانت كلها مختارة على أساس الانتماء السياسي لأصحابها. فجميع المنازل والمحال التجارية التي استهدفت كانت أماكن لم يعطِ صاحبوها حزب الشعوب الديمقراطي أصواتهم أو أعطوا أصواتهم لمنافسي الحزب. وأدت الأحداث إلى مقتل ما يزيد عن الأربعين مواطناً. وقبل يومين تم إطلاق الرصاص في الرأس على ثلاثة عناصر من جنودنا كانوا في لباسهم المدني وعزّل في وسط المدينة في "يوكسيك كوفا". كيف يظن الواقف خلف هذه الأحداث أنه ينقذ كوباني بهذا الشكل؟ ينقذها مِن مَن ؟؟

وبعد كل هذا أتساءل إلى ماذا ترمي تلك الدعاية واسعة الانتشار في الصحافة الغربية إلى براءة حزب العمال الكردستاني من خلال فيديو المرأة المحاربة ؟؟

هل تكفي كلمات تلك المرأة التي تحمل في يدها السلاح والرسائل العلمانية التي وجهتها لغسل وحشية وإرهاب حزب العمال الكردستاني؟

إن كان الإرهاب سيلقى القبول أمام هذا الفيديو عن العلمانية، فإن ما نراه في الفيديو ليس إرهاباً، بل هو في الحقيقة الإرهابي نفسه. وإن كان إثبات العلمانية سوف يلغي حقيقة السلوك الإرهابي والوحشي، وقد حدث، فإن ذلك يسقط أحد الأقنعة عن وجه المقاتلين ضد الإرهاب.

ما حقيقة الوجه تحت القناع؟

لا يستطيع القناع أن يخفي آلاف المعاني تحته.


٪d سنوات قبل
عندما يصبح الإرهابي علمانياً!
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة