|
أين سيجدون الوحدة التي خسروها في الخليج؟

عقدت النسخة التاسعة والثلاثين من اجتماع مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض. وكان ضمن الأهداف المخططة للاجتماع إزالة كلّ العوائق في طريق إقامة سوق خليجية مشتركة لضمان التعاون الاقتصادي حتى عام 2025 في إطار خطة مستقبلية تركز على دول الخليج وإتمام الإجراءات اللازمة لتأسيس قيادة عسكرية خليجية متحدة. وفي الواقع أطلقت كلّ الإعلانات بهذه الطريقة، وكانت التصريحات في هذا السياق. لكننا لم نسمع بأي مقترح أو مخطط أو حتى برنامج ملموس لتنفيذ هذه الأهداف.

وفي حقيقة الأمر لم يعد هناك إمكانية للحديث عن شيء اسمه مجلس التعاون الخليجي بسبب الحصار الذي تفرضه 3 دول من أعضائه ضدّ قطر منذ عامين. فهذا الحصار، الذي لم توافق عليه الكويت وعمان لكنهما عاجزتان عن التعبير عن ذلك صراحة، كان خطوة قضت فعليًّا على كيان المجلس بوصفه وحدة سياسية واقتصادية قبل أي شيء.

لقد كان هذا هو ملخص الأزمة التي أقحم بها ابن زايد وابن سلمان المنطقة فيها بسبب تصرفاتهما المتهورة التي لا تعرف للقواعد والتقاليد سبيلًا. فهذه الأزمة كانت تشكل خلال القمة الخليجية الأخيرة تعارضًا كبيرًا مع حقيقة أهمية الاتحاد الذي شدّد عليها ويعلم الجميع مداها.

كان آخر اجتماع قد عقد العام الماضي برغبة ملحة في عدم دعوة قطر واستمرار العملية التي تستهدف تدميرها حتى نهايتها. بل إنّ هذا الاجتماع عقد في وقت صرحت فيه الكويت وعمان علانية بأنهما لا تشعران بامتنان بسبب هذه الوتيرة، حتى أنه لو استمر الوضع على هذا المنوال فإنهما تشعران بالقلق حول أن مفهوم الخليج سيصبح جزءا من الماضي بصفته اتحادًا سياسيًّا واقتصاديًّا.

وفي الواقع ليس هناك اتحاد في منطقة الخليج، وأما التعاون فليس موضع نقاش حاليًّا باستثناء بعض الحالات الضرورية للغاية. فأجندة الإمارات والسعودية الواقعتين تحت سيطرة بن زايد وبن سلمان مختلفة تماما عن أجندة المجلس التي تبناها إلى يومنا هذا. فهذان الرجلان كانا يحاولان جر الخليج كله، كما جرا بلديهما، نحو مغامرة كبرى تفصل بينه وبين أولويات العالم الإسلامي.

تطبيع العلاقات مع إسرائيل، التهميش الشديد للقضية الفلسطينية، تبني علاقة استسلام بلا حساب مع الولايات المتحدة، الدعوة نظريا للتعبئة العامة لمواجهة إيران في حين مواصلة التعاون معها عمليا من تحت الطاولة، وهو ما يثير رياح الحرب الباردة الدائمة داخل أركان العالم الإسلامي الذي تشهد كل بقعة من بقاعه دماء وظلم واستعباد ومجازر ومغامرات لا يعلم أحد إلا الله أين وكيف ستنتهي.

ويبدو أن واقعة خاشقجي كان لها تأثير محذر، بل وصادم، من وجهة نظر مجلس التعاون الخليجي على الأقل، لكي يرجع بن سلمان وبن زايد عن مغامرتهما.

لقد وجه الملك سلمان دعوة لأمير قطر لحضور اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي تستضيفه الرياض هذا العام، وهي خطوة كانت بمثابة المفاجأة بالنسبة للجميع، بل إنها إشارة على أن هناك نية للرجوع سريعا عن السياسة التي تقصي قطر.

من الواضح أن الضغط الذي تمارسه واقعة خاشقجي على السعودية في مختلف أنحاء العالم قد أجبر الرياض على التصرف بعض الشيء كبلد طبيعي. وفي الواقع لم يكن هناك أي سبب منطقي أو شرعية للحصار المفروض على الدوحة؛ إذ يأتي في مقدمة المطالب المطلوبة من قطر إغلاق القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الجزيرة والتخلي عن دعم الأسماء المقربة من الإخوان المسلمين والإعلان عن البيعة المطلقة للسعودية.

لم تكن هذه الطلبات تحظى بالاهتمام الكافي من العالم الخارجي ربما لأنها تبدو وكأنها تستند إلى سبب منطقي في سياق الخلاف بين الدول الخليجية. بيد أن واقعة خاشقجي وضعت كل السياسيات الخليجية تحت المجهر وأماطت اللثام عن كل ما هو غريب وعجيب ومخالف للعقل البشري وانتهاك لحقوق الإنسان. واليوم صار الجميع ينظر إلى كل هذه العجائب نظرة مختلفة بوصفها أمورا تنفذها إرادة قادرة على ارتكاب جرائم من قبيل جريمة قتل خاشقجي.

سينظر الجميع من الآن فصاعدا من هذا المنظور إلى المصائب التي يتورط بها وليا العهد الإماراتي والسعودي في اليمن، وكذلك للدعم المقدم للنظام المصري بقيادة الانقلابي السيسي الذي قتل الآلاف من أبناء شعبه، وكذلك الدعم المقدم لخليفة حفتر الذي قلب كل شيء في ليبيا رأسها على عقب بحجة واهية تستند إلى مكافحة الإرهاب في وقت كان الحوار الوطني قائما بكل إيجابياته وسلبياته، ولا سيما كذلك للمعاملة التي يلقاها أفراد العائلة المالكة والعلماء ورجال الأعمال الذين اعتقلوا بلا محاكمة بحجة مكافحة الفساد داخل السعودية...

فهذه النظرة تكون هكذا بحكم طبيعة الأمر. فواقعة خاشقجي مهدت الطريق أمام ظهور وجهة النظر هذه مع الكشف عن طريقة قتله وسلطت الضوء بطريقة مختلفة على هذه الأحداث.

لم يشارك أمير قطر – بطبيعة الحال – بنفسه في اجتماع مجلس التعاون الخليجي في الرياض، تلبية لدعوة ملك السعودية، لكن وزير الدولة القطري هو الذي حضر الاجتماع ممثلا عن الدوحة.

وقد قدم لنا البيان الختامي للاجتماع كل الخيوط حول كيفية عمل آلية هذا المجلس. وكما كان متوقعا، فقد اعتبرت السعودية هذا الاجتماع كأداة بسيطة للحصول على الدعم الدولي في واقعة خاشقجي. وقد أعلن عن التصريحات الخاصة للغاية التي كشفت عنها السعودية في هذا الصدد على أنها بيان المجلس، فتم التعبير عن تقديم جهود الرياض بشأن الكشف عن تفاصيل الواقعة وإقرار العدل.

بيد أن المشاركين في الاجتماع لم يناقشوا مسائل كهذه، كما لم تكن هذه العبارات نقاطا ستوقع عليها الدول الثلاث الأخرى على الأقل (قطر والكويت وعمان). هذا فضلا عن أن قطر اعترضت على هذا البيان الذي قيل إنه "مشترك" بسبب هذه النقطة وكذلك لأنه لم يشر إلى الأزمة معها.

من الواضح للجميع أن السعودية لا تبحث عن الحقيقة والعدل في واقعة خاشقجي، لكن على الأقل عليها ألا تصدر تصريحات مازحة لا تليق أبدا لخطورة الأمر من قبيل "دعوة تركيا لمزيد من التعاون من أجل الكشف عن ملابسات الواقعة".

#ياسين أكتاي
#تركيا
#محمد بن سلمان
#محمد بن زايد
#الخليج العربي
٪d سنوات قبل
أين سيجدون الوحدة التي خسروها في الخليج؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة