|
صنم الديمقراطية الذي التهمته واشنطن في فنزويلا

تشهد فنزويلا حاليا أكثر المحاولات الانقلابية نفاقا ولصوصية في عصرنا تحت عين وبدعم العالم الديمقراطي الذي لا يبخل بدعمه، دون حياء أو ملل، لمحاولة الانقلاب هذا ضاربا عرض الحائط بكل القيم الحديثة التي ادعى تبنيها حتى يومنا هذا.

وإذا كنا نتحدث عن العالم الديمقراطي فإننا نتكلم عن أمريكا ترامب الذي نعتناه سابقا بـ"راعي البقر المعزول".

لكننا نرى الآن أنه ليس وحيدا عندما يتعلق الأمر بانقلاب تشهده فنزويلا التي بدأت الولايات المتحدة أن تحوم حولها هي وعدد من دول أمريكا اللاتينية التي استمالتها بهذه الطريقة أو تلك، وكأنهم يحاولون نهب الدولة التي تمتلك الاحتياطي الأكبر من النفط في العالم.

إنهم يحاولون إسقاط زعيم وصل إلى الحكم بالانتخابات بعدما حصل مؤخرا على دعم 68% من أبناء شعبه، باسم الديمقراطية، بل عن طريق قتل كل القيم الديمقراطية.

كان مادورو قد أعيد انتخابه رئيسا لفنزويلا بعدما حصل على 68% من أصوات الناخبين، بيد أن المعارضة التي يقودها رئيس البرلمان قالت إنها لم تعترف بنتائج الانتخابات.

وهي الكلمة التي ألقت بظلالها على كل القيم والحساسيات الديمقراطية في الولايات المتحدة بين ليلة وضحاها.

فهل شهدت الانتخابات تزويرا؟ أين الديمقراطية والإنسانية؟ "إذا كان هناك تزوير في الانتخابات فهذا مرده إلى واشنطن لا محالة".

وكما ترون، فما إن يشاع أن أي انتخابات شهدت تزويرا تعرب واشنطن عن رد فعل وكأن كل خطوطها الحمراء قد تم تجاوزها هناك واحتلت أراضيها وداس أحدهم على جرحها.

فعلى أي حال فإن صناديق الانتخابات هي شرف الديمقراطية. واستنادا إلى تلك الحجة، كان كافيا أن يتمتم رئيس البرلمان وزعيم المعارضة خوان غوايدو، الذي ما كان يمكن أن يصل إلى السلطة أبدا عن طريق الانتخابات، قائلا "إن هذه الانتخابات مزورة"، ليكمل كلمات الأغنية بأعذب الكلمات راعي البقر الوحيد الذي لديه حساسية غير عادية نحو الديمقراطية.

وعندما حصد عبد الفتاح السيسي، الذي وصل إلى الحكم في مصر بانقلاب دعمته واشنطن، 98% في الانتخابات، صاح شعب مصر كله قائلا "لم تشهد بلادنا أي انتخابات، فهم فقط فتحوا الصناديق لتخرج منها هذه الأرقام".

ولم يصدر أي اعتراض باسم الديمقراطية حينها من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى دول أمريكا اللاتينية التي تساند اليوم واشنطن ضد مادورو.

بل إن مصر لا تزال تتلقى المساعدات الأمريكية.

وكما تعلمون فقد حدث نقاش حول بعض الحقائق التاريخية مؤخرا، وساهمنا من جانبنا في هذا النقاش بمقالين وقلنا إن هناك اليوم تصورا للعالم مختلفا للغاية، وبطبيعة الحال تقدميا، مقارنة بالماضي لدى تلك العقول التي تتبنى القيم التاريخية باسم الإسلام أو القرآن.

لقد تقدم عالم اليوم، سواء من حيث حقوق الإنسان أو المؤسسات التي تؤسس لهذه الحقوق، لدرجة تجعله قادرا على تغيير عالم هذه العقلية بشكل جذري، بيد أن المسلمين لم يحصلوا على نصيبهم من هذا التقدم، وكأننا يجب علينا أن نتعلم الشيء الكثير من العالم الغربي، الذي يعيش في ظل تاريخ أكثر تقدمها اليوم، لنستطيع أن نسد هذه الفجوة.

وكأن هذه الوضعية تحتم علينا أن ننظر بنظرة أكثر اختلافا إلى القرآن الذي يبدو وكأنه يتخلف بعض الشيء عن هذا المفهوم، أو على أقل تقدير يتعارض معه. وهذا هو تدليس الجاذبية الغربية التي تحاول إبعادنا عن المعنى الزمني للقرآن المليء بالحكمة الخاصة به.

وليجمّلوا ما يفعلون كما شاءوا، فليس هناك أي شيء خلف هذا القناع سوى هذه الوحشية والجشع والنفاق والإمبريالية. يتحدثون عن تعرض الشعب الفنزويلي للمجاعة تحت حكم مادورو في دولة تمتلك المخزون النفطي الأكبر في العالم.

وبهذه الطريقة يحاولون تصوير مادورو وكأنه عاجز عن إدارة بلده، بل إنهم يتمادون في أكاذيبهم هذا ليقولوا إن تلك الدول عاجزة عن إدارة شؤونها بالرغم من كل هذه الثورة الهائلة.

بيد أنهم لا يتحدثون أبدا عن أن ذاك العالم "الديمقراطي" المزعوم يمنع فنزويلا من الوصول إلى مصادر ثروتها بسبب العقوبات الجائرة التي يرفضها عليها.

بالضبط كما يروجون بين كل الشعوب الإسلامية دون حياء لفكرة أن العالم الإسلامي متخلف اقتصاديا وسياسيا وعلميا وفنيا بسبب الإسلام، وذلك دون أن ينظروا إلى أن الحكام الذين يحكمون تلك الشعوب هم من رجالهم المستبدين الذين سلطوهم عليهم من خلال الأدوات ذاتها.

يحاولون تلقين فنزويلا من خلال مادورو، والعالم أجمع من خلال فنزويلا، درسا مفاده أن الاستقلالية تعتبر خيالا بعيد المنال. فالولايات المتحدة تصنع بيديها صنما مستخدمة عبارات مثل الديمقراطية المزينة وحقوق الإنسان، ثم تعبده وتجبر شعوب العالم على عبادته.

بالضبط كما كان العرب قبل الإسلام يصنعون أصناما من العجوة، فإذا جاعوا أكلوها. لا تتورع واشنطن عن أكل الأصنام التي صنعتها بيديها وروجت لها بين شعوب العالم بأسره.

وللأسف فإن ادعاء الديمقراطية الذي نحب كثيرا اليوم أن نؤمن به ما هو بالنسبة للولايات المتحدة سوى صنم عجوة، أقصد صنم نفط.

ومن الواضح أن امتلاك فنزويلا الاحتياطي الأكبر عالميا من النفط يحرض واشنطن على أن تلتهم صنمها الديمقراطي بأكثر أنواع الشهية سوءا ونفاقا.

فأصل المسألة بسيط إلى هذا الحد. فمهما حاولتم رؤية أو تصوير عالم اليوم على أنه مختلف عما مضى من خلال أي تحليل تاريخي تريدونه، فإن الحدث ذاته نمطي للغاية، كما أن دوافع عناصره عتيقة وبالية إلى هذه الدرجة. هذا فضلا عن أن كون المثال الذي سردناه حدث أيام عرب الجاهلية لا يعني أنه حدث مرة واحدة وانتهى.

فهذا التصرف الجاهلي يمكن أن يظهر أمامكم في أي زمان ومكان، بالضبط كما ظهر أمامنا اليوم. تعتبر الجاهلية إحدى السمات العالمية للبشر حتى وإن وجدوا صعوبة في هضم المفهوم التاريخي.

فيمكنها أن تحدث انتكاسة في أي لحظة، حتى في معظم الأحيان لدى أكثر الأشخاص تعلما من الذين نعتقد أنهم تخطوا هذا المفهوم منذ زمن بعيد...

#أكتاي
#ياسين أقطاي
#فنزويلا
#أمريكا
#واشنطن
5 yıl önce
صنم الديمقراطية الذي التهمته واشنطن في فنزويلا
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة