|
ماكرون إلى مصر والسيسي إلى فنزويلا

لا شك أنّنا لا نصادف النفاق الذي أظهرته الديمقراطية الغربية في فنزويلا في نموذج تلك الدولة اللاتينية وحسب. فنموذج فنزويلا يمثل مع سائر المواقف الأخرى في مختلف بقاع العالم تصرفا يزيد الأمر سوءا ووخامة. وكما قلنا سابقًا، فإنّ ترامب ليس وحيدًا في هذا الأمر؛ إذ إن كلّ دول الاتحاد الأوروبي، ربما باستثناء اليونان، لا تتورع عن الوقوف في صف الرئيس الأمريكي.

وربما تكون المشاكل الخاصة التي تعيشها كل دولة مع فنزويلا تلعب أدوارًا منفصلة خلف كواليس الغضب الذي يحمله العالم الغربي، لا سيما الولايات المتحدة، ضدّ فنزويلا. يقولون إنّ مادورو جعل بلاده، بالإرث الذي خلفه له تشافيز، في حالة صراع مع العالم كله، وإنّ السبب الرئيس لهذا الأمر هو المشاكل الاقتصادية.

هذا صحيح، فيمكن –في الحقيقة– التركيز على مناقشة فكرة أن أسلوب الاشتراكية المتبع في فنزويلا يجرّ البلد نحو خط من التوتر بدلا من استغلال مواردها على النحو الأمثل، كما أنه يساهم بشكل كبير في جعلها غير قابلة للإدارة. لكن لماذا يتطلب هذا الأمر إلقاء اللوم بالكامل على مادورو أو تشافيز؟

قولوا لي بالله عليكم هل الخلاف بين واشنطن وكاراكاس منحصر في قضية الرأسمالية فقط؟ وهل الخلاف بين الولايات المتحدة والصين نابع من مسألة الرأسمالية؟ وهل الصين بعيدة جدًّا الآن عن الرأسمالية أو نقطة التكامل مع العالم؟

لا يخفى على أحد أننا أمام نموذج صريح من نماذج كسر الغرور تتعرض له فنزويلا بسبب شعورها بالاستقلالية أو موقفها الرافض للاستسلام للإمبريالية بأيّ شكل.

كما يعلم الجميع أنّ الدول التي تقاوم الولايات المتحدة والإمبريالية بوجه عام تتساهل في تحميل الغرب وواشنطن مسؤولية المشاكل النابعة من سوء الإدارة، وكأنّ الغرب كبش فداء. فعلى سبيل المثال فقد تحوّل هذا الأمر إلى حجة في إيران التي يسعى من يديرونها إلى تأجيل الإدارة والخدمات الجيدة التي يدينون بها لشعبهم من خلال استغلال التوترات المستمرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والصهيونية، وهو ما تحول إلى آلية تجعل من التخلف قدرا واقعيا لا بد منه.

فهل نحن أمام وضعية مماثلة في فنزويلا؟

لا ريب أنّ شيئًا كهذا موجود ذلك في فنزويلا، لكن هذا لا يعطي الولايات المتحدة الحق في دعم أيّ انقلاب وإسقاط الحكومة كما تشاء. وبقي أن نقول إنهم عندما يفعلون هذا ويرونه عاديًّا لا يكونون قد فعلوا شيئًا سوى إضفاء طابع أكثر رسمية على هذا النوع من التخلف الذي يعيشه ذلك البلد.

ولا يجوز أبدًا أن يكون هناك حالة من الحيادية في هذه الوضعية بين مادورو والإمبريالية الانقلابية الأمريكية. وكان هذا الحياد قد استغلّ لدينا في تركيا لخدمة نوع من الحيادية التي شهدناها في نموذج "لا للشريعة أو الانقلاب"، أي خدم في نهاية المطاف النزعة الانقلابية، ولقد عشنا هذه الحالة مرات عديدة. ذلك أنه لم يكن هناك احتمال لحقيقة باسم الشريعة، لكن الانقلاب كان بمثابة حقيقة موجودة دائما فوق رؤوسنا وعشناها في كثير من المناسبات. ولقد تحول احتمال الانقلاب إلى حقيقة في أكثر من مرة، كما أوقف قبل وقت قصير للغاية من أن يتحول إلى حقيقة في مناسبات أخرى. بيد أن الأشخاص الذي اعتُقد أنهم يريدون الشريعة عجزوا حتى عن إقامة معسكر سياسي لأنهم لم يعرفوا ماذا يريدون بالتحديد في تركيا، كما أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن التعبير عن المطالب السياسية الواقعية في تركيا وتنفيذها. كما لم يتحولوا أبدا إلى تهديد واحتمال واقعي. ولهذا السبب عندما ذكرت حيادية "لا للشريعة أو الانقلاب" بين قوى غير متكافئة فإنه صبت – لا محالة – في مصلحة الجانب القوي.

إن ما يقال بشأن سوء الإدارة في فنزويلا هي فقط مواضيع تضفي صبغة لاشرعية على الانقلاب. بل إن لولا هذه المواضيع فلن يتمكن أحد من إضفاء على الصبغة على الانقلاب. فهذا النوع من المواضيع كانت دائما مرافقة لكل الانقلابات في تركيا، بل إننا شهدنا في بعض الأحيان إسناد هذه الأقاويل إلى حقيقة واقعية. لكن لم يمر وقت كثير في مثل هذه المواقف حتى أدرك الجميع أن المخططين للانقلاب هم أنفسهم الذين فعلوا هذه الأعمال بصفتهم حلقة متممة من حلقات الانقلاب.

إن الحصار الاقتصادي المفروض على فنزويلا والذي أدى إلى الإدارة السيئة للبلاد، وكذلك زعزعة استقرار ذلك البلد من خلال سد قنوات الحوار السياسي مع الحلفاء المحليين؛ كل هذا يعتبر جزءا من مخططات الانقلابيين. وعندما تتم تصفية الحسابات مع الانقلاب فلا شك أن كل من شارك في هذه المؤامرة سيحاسب حسابا عسيرا.

الأمر ذاته ينطبق على ما حدث في مصر، التي أحيت قبل 3 أيام الذكرى الثامنة لثورتها، عندما كانت طوابير المحروقات هي النموذج الذي لجأوا إليه، وهو من بين النماذج الأكثر انتشارا، للبرهنة على أن محمد مرسي فشل في يونيو/حزيران 2013 في إدارة البلاد بعد أقل من عام واحد على انتخابه. بيد أن ما حدث في ظل ظروف يتحكم فيها الجيش بالكامل بشبكة توزيع المحروقات كان – في الحقيقة – عملا تخريبيا أقدم عليه الجيش لتصوير أن عصيان الأوامر يشبه زعزعة استقرار البلد. وكان هذا ما مهد الطريق أمام الطريق الذي أفضى إلى انقلاب الثالث من يوليو/تموز.

وفي ذكرى الثورة نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا حمل عنوان "مصر.. السجن المفتوح للمنتقدين" تحدثت فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان الشديدة تحت حكم السيسي.

واليوم يقبع أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في سجون الانقلاب التي تشبه سجون العصور الوسطى، فهم يعيشون في ظل أقسى ظروف التعذيب، أو بالأحرى فإن تلك السجون تشهد بانتظام أسبوعيا خروج بعض أولئك المعتقلين داخل نعوش تحملهم إلى قبورهم. فأحوال أولئك الذين يقضوا بعد عدم تحملهم لتلك الظروف القاسية يحكي للعالم المشكلة الخطيرة التي يعاني منها العالم الإسلامي. وهذا هو النظام الذي يريده من يرون انقلاب فنزويلا مشروعا بزعم أن تلاعبا بالانتخابات قد حدث.

وكان الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي وجد صعوبة كبيرة في التصدي لاحتجاجات السترات الصفراء في بلاده، قد أعلن في ظل هذه الظروف أنه سيجري زيارة رسمية إلى مصر الانقلاب لتطوير العلاقات معها في حين أن القاهرة تشهد تطورات أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الثورة.

فما الذي يأمل ماكرون، الذي اقتربت ديمقراطيته من حدود احتجاجات السترات الصفراء، في أن يحصل عليه من السيسي الذي حول ميدانا للتظاهر الديمقراطي إلى بحيرة دماء ومقبرة جماعية لنحو 3 آلاف شخص؟ فلا أرى أنهم يمكن أن يشعروا بالخجل من أن ينقلوا السيسي إلى فنزويلا التي فشلوا حتى الآن في تنفيذ الانقلاب بها.

#مصر
#السيسي
#فنزويلا
#مادورو
#ماكرون
#السترات الصفراء
5 yıl önce
ماكرون إلى مصر والسيسي إلى فنزويلا
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية