|
عبر آيا صوفيا.. الرسالة التي أوصلتها تركيا للعالم

إن فتح آيا صوفيا للعبادة مرة أخرى، فتح الباب أمام العديد من النقاشات كما كان متوقعًا، ليس في تركيا فحسب بل في جميع أنحاء العالم بآن واحد. وبالطبع كان من المتوقع كذلك أن تكون سببًا في تخبط عواطف البعض.

ليس من الغريب أن أولئك الذين ثاروا على هذا الأمر وكأن آيا صوفيا كانت كنيسة بالأمس أو قبل يومين وتحولت إلى مسجد اليوم، أن يتهموا المسلمين بالتعصب واضطهاد المسيحيين. لقد نكاد أن نكون قد اعتدنا على أن يكون المسلمون هم ضحية الحروب في الشرق الأوسط بأسلحة الغربيين وتدخلاتهم ومؤامراتهم، وفي الوقت ذاته يتم إلصاق صفات "الإرهاب" و"التعصب واللاتسامح" بالمسلمين كذلك. وبالتالي لا يمكن أن نتوقع من هذا الغرب الذي لا يفتأ بكل ما يملك من نفاق عن تعويدنا على ذلك التناقض؛ أن يصدر عنه موقف آخر حول آيا صوفيا.

لكن على صعيد آخر هناك زاوية تم فتحها من خلال فتح آيا صوفيا. تمامًا كما جاء على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال خطابه عند تمام الساعة 20:53 مساء الذي ألقاه عقب قراره افتتاح آيا صوفيا للعبادة، حيث قال "إن إحياء آيا صوفيا، يعني أن لدينا ما نقوله للعالم بأكمله، للأمة التركية والمسلمين والإنسانية جمعاء".

لقد كان هذا الخطاب بمثابة بيان أو وثيقة في الحقيقة عن حقوق الإنسان المسلم وحرياته ومظاهر إحيائه. إلا أن هذه الكلمات التي قالها تعتبر الأعمق بين الأجوبة على سؤال؛ ماذا يعني مسجد آيا صوفيا؟.

إن باب الجدل الذي فُتح على مصراعيه على مستوى العالم عقب هذه الخطوة، والوثائق والمعطيات التاريخية التي بدأت للظهور على أعين واهتمام الجميع حول العالم، تشير بدورها إلى ماذا كانت تعنيه تلك الكلمات.

بينا كان العالم غارقًا في ضلاله الأيديولوجي حول قرار آيا صوفيا، بدأ يتعلم فجأة كيف حافظ المسلمون طيلة التاريخ على مختلف معابد الأديان حول العالم، من كنائس وبيَع ومعابد البوذية والهندوسية، وكيف تعاملوا مع أصحاب هذه الديانات والمتعبدين في تلك المعابد. وفي المقابل، أُتيح لهذا العالم عبر آيا صوفيا أن يرى كيف تعامل الغرب على مر التاريخ مع أصحاب الأديان والمعابد الأخرى. وكلما زادت النقاشات حول آيا صوفيا، سنصبح قضية مقارنة الحضارات وتاريخ العقيدة أكثر طرحًا وتناولًا، كما سيبدأ التساؤل يدور حول ماهية هذا المعتقَد، من خلال المعطيات بأكملها وما تحمله من أمثلة مثيرة.

على سبيل المثال، حثينما تم تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ما هو الوضع الذي كانت عليه آنذاك؟ ماذا فعوا إزاء الكنائس الأخرى -غير آيا صوفيا- في إسطنبول التي تم فتحها عن طريق الحرب؟ ماذا فعوا إزاء المسيحيين الذين أرادوا مواصلة عباداتهم في هذه الكنائس؟ من شأن آيا صوفيا أن تخبر العالم بدقة عن تعامل الفتح الإسلامي، وتعطي للإنسانية أكثر الرسائل العالمية الملفتة للنظر إلى اليوم.

إنهاء قضية إحياء للقيم التي ستعود بالفائدة على الحاضر وكل البشرية، وتضيء الطريق بمفهوم إيجابي. مظهرة الاحترام للسلام العالمي والتعددية والتعدد الثقافي، والعرق، والدين، واللغة، واللون، واحترام التنوع البشري دون أي تفريق، بل وإمكانية ربط ذلك بركائز الحقوق.

على صعيد آخر، عندما تم تحويل آيا صوفيا إلى مسجد عقب فتح إسطنبول، فإنها لم تكن كنيسة نشطة في ذلك الوقت. بل إن الفاتح حينما رآها غير قائمة على عودها خالية من الجماعة، أمر بترميمها وافتتاحها مسجدًا وكأنه بناها من جديد. لقد كانت آيا صوفيا على وشك الهلاك نتيجة عدم رعايتها عقب الغارات الكاثوليكية. وبالتالي على الجميع أن يعلم أن السلطان الفاتح أقام آيا صوفيا وأحياها من جديد، وجعلها مسجدًا إثر ذلك.

وإلا فإن الجميع يعرف بأن تحويل كنيسة تنشط فيها الجماعة للعبادة، إلى مسجد ليس من تعاليم الإسلام.

إذن هذا هو الخطاب الجديد الذي تريد تركيا وكذلك المسلمون إيصاله للعالم.

إن اليونان التي تحاول لعب أدواء المظلوم المشتكي من تركيا، كانت قبل مائة عام فقط من الآن تحوي العديد من المساجد. وإن قرار آيا صوفيا دفع الجميع للتساؤل؛ ما مصير تلك المساجد وما هو حالها اليوم؟ دعوني أخبركم إذن: لقد تم تدميرها أو حرقها أو تحويلها لكنائس، أو توقفت العبادة فيها بسبب التهجير والجرائم. ونحمد الله أنه لا يمكن العثور على هذا النوع من الممارسات في تاريخ أيّ من المجتمعات الإسلامية. وإن عدم وجود ولو مسجد واحد في أثنيا في حاضرنا المعاصر يكشف بالتالي عن كنه قرار آيا صوفيا.

وحينما نقول تكشف عن كنهه، نرجو أن لا يسيء أحد فهم ذلك ويعتبره نوعًا من الانتقام والتشفي، بل على العكس إن كنه قرار آيا صوفيا بالنسبة لتركيا والمسلمين؛ لديه من الرسائل ما يقوله للعالم.

لقد أعاد قرار آيا صوفيا للأذهان التسامح والعدالة لدى المسلمين؛ واللذين تجلّيا خلال فتح القدس على يد سيدنا عمر أولًا (سلمًا)، ومن ثم على يد صلاح الدين الأيوبي.

لكن الحال لم يكن كذلك في القدس ذاتها سواء قبل مجيء المسلمين، أو إبان الحروب الصليبية، ما يفتح الباب أمام مقارنة لا مفر منها. وإن الناس الذين سئموا من عنصرية وانعدام الرحمة لدى عالمنا اليوم، ولا يزالون يبحثون عن الرحمة والشفقة مع ذلك؛ سيقرؤون تلك المقارنات بعيون مشرقة وقلوب متشوقة.

إن لدى تركيا والمسلمين الكثير مما تقوله للعالم بأكلمه، من خلال قرار آيا صوفيا. هناك عدالة ورحمة يكمن أن ينقل المسلمون العالم إليها الذي يعاني من انعدام الضمير والعدالة.

إلا أن قرار آيا صوفيا ماذا يمكن أن يقول للعالم الإسلامي الذي يأكله بعضه بعضًا اليوم، دعونا نتحدث عن ذلك في المقال القادم.

#آيا صوفيا
#تركيا
#أردوغان
4 yıl önce
عبر آيا صوفيا.. الرسالة التي أوصلتها تركيا للعالم
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية