|
رحيل عالم القرآن "محمد علي الصابوني"

نبدو وكأننا في فصل خريف قاحل، حينما نشاهد رحيل العلماء من بيننا واحدًا تلو الآخر، نراقب بحزن أفول نجم من نجوم سمائنا. خلال شهر واحد فقط أفلت ثلاث من تلك النجوم، أولًا الشيخ محمد أمين السراج، وفي الأسبوع الماضي العالم التاريخي المميز بأسلوبه منقطع النظير، الأستاذ محمد غينج، وأخيرًا أحد أبرز علماء العالم الإسلامي، الشيخ محمد علي الصابوني، رحلوا إلى جوار ربهم.

إنه نوع من الارتحال الذي لا يمكننا معه قول كلمة "رحل عنا"، إذ أنهم بالنسبة لمن يعطيهم قدرهم يدرك أنهم حاضرون بما تركوه خلفهم من نور وهدى يضيء الطريق، وآثار يصعب نسيانها، وطلاب تغذوا وشربوا من مناهل معارفهم عقلًا وروحًا.

لقد ودعنا الشيخ محمد علي الصابوني السبت الماضي، لقد ودّعناه إلى جوار ربه حيث مثواه الأخير، رحل وهو الذي قد ترك من بعده صدقات جاريات بقيت سنين من خلال جهاده واشتغاله بالعلم.

ولد الصابوني في حلب، وتلقى تعليمه الابتدائي على يد أبيه الذي كان أيضًا أحد العلماء البارزين. ولا داعي لقول أن البيئة العلمية والثقافية التي نشأ وترعرع فيها كانت بيئة عثمانية، لكن يبدو أنه يجب التذكير بذلك. وفي الوقت ذاته كانت تلك البيئة تعكس كل ظروف الاحتلال والتفكك التي حلت بجغرافيا الدولة العثمانية. كذلك الحال كان في مصر التي قصدها بعد مرحلة الثانوية، حيث التحق في جامعة الأزهر ليبدأ بتحصيل العلوم الإسلامية. وبعد فترة من الوقت عاد مجددًا إلى سوريا، ليواصل مسيرته العلمية والتعليمية فترة من الوقت، ليتجه بعد ذلك إلى مكة للعمل في جامعة الملك عبد العزيز هناك، كمحاضر في كليتي الشريعة والتربية. وخلال وجوده هناك كتب معظم أعماله العظيمة، والتي من بينها كتابه الشهير "صفوة التفاسير"، والتي ترجمة إلى اللغة التركية وقوبلت بجمهور واسع من القراء.

على الرغم من أنه معروف بهذا الكتاب ذائع الصيت، إلا أن له العديد من الكتب الأخرى أيضًا، ومع ذلك فإن معظمها يدور حول المركز الذي تصدر فيه، ألا وهو فهم القرآن الكريم وتفسيره. وتجدر الإشارة إلى أن كتابه "صفوة التفاسير" ليس كتابه الوحيد في تفسير القرآن، بل هو عبارة عن كتاب جميع فيه زبدة الآراء المقبولة من جميع التفاسير الموجودة للقرآن الكريم. وربما يبدو الكتاب للوهلة الأولى كتاب جميع ونقل، لكن على العكس؛ حيث أن عملية اختيار الزبدة تحتاج إلى معرفة ودراية عظيمتين.

هناك كتاب آخر أيضًا للشيخ الصابوني، ألا هو "قبس من نور القرآن الكريم"، والذي يحتوي على 8 مجلدات، وهو كذلك من الكتب التي في المقدمة من حيث الدراية، سواء من خلال المنهج أو الطرح. كذلك له كتاب آخر في التفسير؛ "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن"، وهو مثال على التفسير الموضوعي الذي يركز على آيات الأحكام في القرآن الكريم، والتي تشكل مصدر الفقه الشرعي في كليات الحقوق الإسلامية.

وبالإضافة لكل ما سبق، كتابه البارز كذلك "التبيان في علوم القرآن، وهو كتاب يبحث في الموضوعات العامة المتعلقة بالقرآن وتفسيره. وغير ذلك الكثير من الآثار العظيمة للشيخ الراحل الصابوني، التي من بينها ملخصات لتفاسير ابن كثير والطبري، فضلًا عن نحو 600 ساعة من تسجيلات فيديو يعرض فيها تفسير القرآن الكريم بالكامل. والعديد العديد من المؤلفات المهمة من حيث طريقة شرح رسالة القرآن لأهل عصرنا وحاضرنا.

لقد شهد مسجد الفاتح في الحقيقة عدد الأشخاص الذين تأثروا بهذه الأعمال، وبما تركه من آثار، حيث كان مشهدًا مهيبًا لعدد المصلين في باحة المسجد.

لا شك أن الجانب الذي يتمم موقف الشيخ الصابوني من وضع القرآن الكريم في قلب حياة المسلم، هو جهاده على صعيد العمل بالعلم. لم يصمت إزاء الظلم الذي مارسه النظام في سوريا، لطالما كان شاهدًا على مرحلة الظلم والاستبداد التي بدأت منذ أواخر السبعينيات، وحينما أعاد النظام سيرته الأولى قبل عشر سنوات، وبدأ حملة ظلم وقمع ممنهج، خرج الصابوني ليعلن عن موقفه بكل وضوح. لقد دعم الشيخ الصابوني الثورة السورية منذ بدايتها، وهو رئيس رابطة العلماء السوريين، قد حاول وضع أفق يأمل بتأسيس حياة حرة وإنسانية وشريفة لكل السوريين على حد سواء.

كان الشيخ الصابوني بعد أن أقام في مكة سنوات عديدة أجرى فيها دراساته العلمية، قد انتقل إلى مدينة يالوفا التركية، ولقد تحول منزله فيها إلى مركز لدراساته وإرشاداته العلمية. كان عثمانيًّا بامتياز، ولطالما كان يحكي لكل من يزوره عن الدور الذي تلعبه تركيا في العالم، ولا سيما بالطبع في العالم الإسلامي.

إن وداع هذا العالم الموقّر بهذا المشهد المهيب من مسجد الفاتح، من مدينة إسطنبول، يشير إلى حجم الرمزية التي يتميز بها ليس في سوريا فحسب، بل في عموم العالم الإسلامي. ولقد بدا ذلك من خلال القنوات والمنصات التي أذاعت خبل رحيله ومحاولة توضيح هذه الرمزية التي يتمتع بها.

رحمه الله وجعل مكانه في عليين.

#محمد علي الصابوني
#حلب
#تركيا
#ياسين أكتاي
٪d سنوات قبل
رحيل عالم القرآن "محمد علي الصابوني"
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة