|
الرئيس أردوغان في سيرت

يفتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم السبت، مشروعًا مهمًا للغاية في مدينة سيرت التركية، في جو تناقش فيه تركيا نموذج الاقتصاد الجديد المبنيّ على الاستثمار والإنتاج والتوظيف كأولوية بديلة عن الاقتصاد القائم على الفائدة، ليكون هذا المشروع واحدًا من أكثر الأمثلة ذات المغزى لهذا النموذج الاقتصادي. وبعبارة أخرى، فإن هذا المشروع يشرح نموذج الاقتصاد الجديد بأوضح طريقة ملموسة وواقعية يمكن للجميع أن يفهمها.

هذا المشروع الذي سيكون أول مصنع لصهر الزنك في تركيا، هو مهم للغاية سواء من خلال طريقة تمويله أو من خلال مساهمته في الإنتاج وسد عجز الحساب التجاري لدى تركيا، وهو مهم كذلك من حيث البرهنة على أن نموذج الاقتصاد الجديد ليس أمرًا عبثيًّا وأنه يرتكز على أساس متين.

تصل التكلفة الاستثمارية للمرحلة الأولى للمصنع إلى 102 مليون دولار، وتُقام في "OSB” بولاية سيرت شرقي تركيا، بشراكة تركية-قطرية. وبمجرد الوصول إلى العمل بطاقة كاملة تبلغ نحو 90 ألف طن، فإن هذا يعني أن المصنع سيلبي 40 بالمئة من احتياجات تركيا من الزنك.

بالطبع يُشار إلى أن تركيا حتى الآن تستورد جميع احتياجاتها من الزنك من الخارج، بحجم استهلاك يبلغ سنويًّا 250 ألف طن. والجدير بالذكر أن تركيا تصدر كمية كبيرة من المواد الخام التي تستخرجها من مناجم الزنك، نحو إيران أو الصين أو غيرهما من مراكز التشغيل والمعالجة، ومن ثم تستوردها من هناك بعد التصنيع، لكن بتكلفة أكبر بالطبع.

على الرغم من أن الزنك يعد معدنًا استراتيجيًّا للغاية، إلا أننا نعتمد في تحصيله بشكل كبير على الخارج. نجد أن الولايات المتحدة مثلًا في الشهر الماضي، أدرجت مادتي الزنك والنيكل ضمن مجموعاتها المعدنية الاستراتيجية، لأنها على الرغم من أن امتلاكها قطاعًا صناعيًّا ضخمًا يعتمد على الزنك، إلا أنها تعتمد على الاستيراد الأجنبي لهذه المادة بنسبة 83%.

وعلى صعيد تركيا، فإن تكلفة استيرادها لاحتياجاتها من الزنك والبالغة 250 ألف طن كما ذكرنا، تبلغ نحو مليار دولار في الوقت الحالي.

بشارة اكتشاف الموارد الباطنية الغنية

بمجرد الانتهاء من المرحلة الأولى والتي ستلبي 90 ألف طن من مجمل الاحتياجات البالغة 250 ألف طن من الزنك، سيبدأ المصنع بالتوجه إلى رفع الطاقة الإنتاجية لتغطية 160 ألف طن المتبقية، ليصل في النهاية إلى هدف يلبي كافة احتياجات تركيا من الزنك.

وفي هذا الصدد وُضعت جميع الخطط اللازمة من أجل توسيع المصنع، لا سيما وأن مخطط الشراكة التركية-القطرية كشف عن خطة التمويل بهدف الوصول إلى طاقة إنتاجية أعلى. ولذلك لا ينبغي النظر لهذا المشروع على أنه مشروع واحد فحسب، بل هو الخطوة الأولى ضمن طريق استثماري طويل ومستمر.

إن الثروة المعدنية الموجودة في منطقتنا، لا سيما في سيرت وشرناق وبيتليس وهكاري، تعتبر كافية من أجل تأسيسات أوسع وإنتاجات أضخم. ولذلك السبب يمكن النظر إلى افتتاح هذا المشروع اليوم على أنه بشارة مهمة على صعيد الثروة المعدنية التركية، والاستفادة منها عبر الإنتاج الذي يحقق بدوره قيمة إضافية أعلى.

إنشاء "نظام بيئي صناعي" حقيقي في المنطقة

ولذلك السبب فإن مشروع "مصنع صهر الزنك" في سيرت التركية، هو الخطوة الاولى لمشروع استثماري ضخم مستمر حتى عام 2024، وبتكلفة إجمالية تصل إلى نحو 500 مليون دولار. ولقد تم بالفعل تنفيذ جزء كبير من هذه الاستثمارات والتخطيط لها من قبل المجموعة الاستثمارية المعنية.

وفي الواقع، سيكون افتتاح الرئيس التركي أردوغان اليوم لهذا المشروع، بمثابة وضع حجر الأساس لمصنعين آخرين، أحدهما للرصاص والفضة، والآخر لحمض الكبريتيك، في ضوء المبادرة الاستثمارية ذاتها. وسيكون إنشاء هذه المصانع نتيجة حتمية لمصنع صهر الزنك.

على صعيد آخر، ستؤسس بعض هذه الاستثمارات عبر النظام البيئي الصناعي، الذي سيتم تأسيسه مع هذا المصنع وما يليه من مشاريع. ونحن نرى بالفعل أن العمل يسير على قدم وساق في سبيل تأسيس نظام بيئي صناعي متعدد الطبقات، تصدر عنه منتجات تعتمد بشكل أساسي على المعادن التي ستنتجها هذه المصانع فحسب.

500 مليون دولار حجم استثمارات، و7500 فرصة عامل حتى 2024

إن المحصلة الرقيمة التي يمكن أن تساهم بها هذه الاستثمارات على صعيد التوظيف وإنتاج فرص العمل، هي 3 آلاف فرصة عمل ضمن المرحلة الأولى، بينها 500 عامل في مصنع سيرت، إلى جانب 2500 عامل ضمن سلسلة التوريد في سيرت وشرناق وهكاري، بدءًا من المناجم إلى المصانع.

وبحلول العام 2024، من المتوقع أن يصل عدد الوظائف بالفعل إلى 7500، بفعل الاستثمارات التي ستنتهي حتى ذلك التاريخ. هذا بغض النظر عن المكاسب الإيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي التي ستحققها هذه الاستثمارات.

إن نشر تركيا للصناعة في جميع أنحاء البلد دون تمييز، يعتبر العامل الأهم للبرهنة على أن التطور الصناعي الحقيقي الذي حققته تركيا مؤخرًا، لا يعتمد فقط على الغرب فقط. ولا شك أن المصنع المفتتح اليوم هو خطوة مهمة للغاية في هذا الصدد.

لا سيما حين الحديث عن مناطق شرق وجنوب شرق تركيا، حيث نسبة البطالة تبدو مرتفعة بشكل مضاعف مع مناطق غرب تركيا، وهذا يفسر ضرورة وأهمية هذه المشاريع بالتالي. تبلغ نسبة البطالة بين فئة الشباب نحو 32% في سيرت وحدها. ولا شك أن من أهم خطوات مكافحة الإرهاب هو القيام باستثمارات حقيقية من شأنها تقليل البطالة.

وبما أن المواد الخام من الزنك والرصاص التي ستنتجها المنشأة سيتم توفيرها من هكاري وشرناق بشكل خاص، فإن ذلك يوضح الدور المهم الذي ستلعبه هذه المناطق في التكامل على صعيد وطني إلى جانب التكامل على صعيد مناطقي. وبمعنى آخر، لن تكون جبال جودي وكاتو وهيريكول؛ ساحة للإرهاب من الآن فصاعدًا، بل ستكون ساحة بارزة تساهم في الإنتاج والتصنيع وبناء الدولة.

مساهمة قوية لتركيا على صعيد التكنولوجيا والتقنية

تأسس المصنع خلال وقت قياسي قصير لم يتجاوز 16 شهرًا، بعد أن وضع حجر الأساس في مدينة سيرت بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2020، بحفل حضره وزير الصناعة السيد مصطفى فارانك، ووزير الطاقة السيد فاتح دونماز. لتبدأ أعمال البناء عقب ذلك في أغسطس/آب من العام ذاته، ولقد وصلت إلى هذا المستوى المنشود من خلال الاستمرار في البناء بأقصى سرعة دون أي انقطاع، على الرغم من كل التدابير والقيود التي فرضتها جائحة كورونا.

لا شك أن عملية التأسيس والبناء أكسبت تركيا خبرة مهمة في مجال نقل التكنولوجيا ومجالات البحث والتطوير. وبعد الاطلاع على نماذج لمنشآت شبيهة في كل من الصين وإيران وأيرلندا وبريطانيا، تمكن المشروع تحت إدارة الشريك التركي رجل الأعمال الشاب والمثالي، فكرت باي درمان، من إنتاج نموذج جديد وأكثر تقدمًا.

كما أن جذب المشروع للعشرات من المهندسين العاملين في مجال البحث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات ضمن الشركات ومصانع إنتاج المعادن الأخرى المخطط إنشاؤها في المستقبل، عزز من الثروة الوطنية الخاصة بتركيا.

هدية وفاء إلى أهالي سيرت

إن تقاطع طريق قدَر الرئيس التركي مع مدينة سيرت معلوم. فمسقط رأس زوجته الكريمة سيدة تركيا الأولى هو مدينة سيرت، والمحطة الأبرز في بدايات الطريق كانت سيرت، حيث قرأ في ميدانها القصيدة التي تسببت بسجنه وحظره من مزاولة العمل السياسي، وسيرت نفسها كانت المدينة التي فاز فيها ضمن الانتخابات البرلمانية، ليدخل البرلمان لأول مرة ممثلًا عنها.

ولذلك نقول بأن هذا المشروع الذي يأتي ضمن الإمكانيات وأفق التطوير الذي وضعه الرئيس التركي أردوغان، يعتبر بمثابة هدية وفاء لأهالي سيرت، فضلًا عن كونه هدية شكر للمستثمرين منهم.

وأود بدوري هنا أن أشكر جميع من شارك وساهم في هذا الاستثمار. وأرجو أن يجلب الخير والمنفعة لهذا البلد.

#تركيا
#سيرت
#مصنع صهر الزنك تركيا
#أردوغان
#ياسين أقطاي
#تركيا وقطر
#استثمار قطري في تركيا
٪d سنوات قبل
الرئيس أردوغان في سيرت
واجب الجامعات تجاه غزة
أمواج "طوفان الأقصى" تثور في الجامعات الأمريكية
ميزان الضمير
صمود غزة ورحلة إحياء مدرسة الوعي الحضاري
الطلاب المؤيدون لفلسطين يُعيدون الأمور إلى نصابها