|
ما الذي نعرفه عن جزيرة "ميس"؟

إن ما يحدث في شرق البحر المتوسط، هو عبارة عن صراخ معتاد تقوم به اليونان دائمًا، وإن التموضع الغربي وعلى رأسه فرنسا؛ ضد تركيا، يعيد ذكرياتنا التي كان مصيرها النسيان في أعماق أذهاننا. لقد ذكرتنا بتلك الجزر التي تحمل أهمية للأعماق من أجل حياة منطقة الأناضول، ومن بين تلك الجزر "جزيرة ميس" التي تقع قبالة جزيرة كاش على سواحل أنطاليا.

ما الذي نعرفه عن تلك الجزر؟ ما هي حقوق تركيا واليونان والدول الأخرى وعلاقة ذلك بالمسألة المُعاشة هناك؟ هذه الأسئلة التي يجب أن نطرحها في الأوقات العادية ونعد لها الأجوبة؛ هل سنقوم الآن بالمرور عليها مرور الكرام وننساها مجدّدًا مرة أخرى؟

طالعوا المنتجات الأكاديمية الي تتصدر جامعاتنا، والتي أنشئت بالأدب التركي أو الأجنبي الذي جعلنا له علاقة بتركيا؛ وحينما تطالعوا شاهدوا ماذا سترون؟ حتى لا نبخس أحدًا حقه؛ نعم هناك بعض الدراسات التي سنعثر فيها على أجوبة لأسئلتنا. إلا أن تلك الدراسات بشكل عام لم تستوعب جميع النقاط ولم تستعرض ما حدث منذ البداية حتى النهاية. لطالما كانت هذه الداراسات الموجودة في الجامعات محدودة، بدأت طريقها لتتركه في المنتصف دون أن تتمه. لكن الآن يبدو أن جزيرة "ميس" قد باتت على جدول اعمالنا، أليس كذلك؟ ولنر كم عدد الدراسات الحقيقية التي بين أيدينا حول هذه الجزيرة؟

دخلت هذه الجزر في ملك المسلمين منذ العصر العباسي، ومع حكم السلجوقيين باتت هذه الجزر للأتراك، إلا أنها برزت على رأس أجندة الدولة العثمانية في زمن السلطان مراد الثاني. وفي عهد السلطان سليم الثالث سميت استقرت عوائل "الكاشيين" في هذه الجزيرة، لتكون آخر مستوطنة تركية. لكن كم عدد الدراسات التي أجريت حول هذه القضايا؟ أذكر في الحقيقة أن أحد الأسماء البارزة التي تظهر عناية خاصة لهذه القضايا قال بأن هناك العديد من الدراسات الأجنبية في أستراليا حول هذه الجزيرة. كما أذكر قبل سنوات حينما أرسلت لي جمعية التاريخ التركية كتيّبًا من أجل كتابة تقرير حوله، كان الكتّيب قد أعدته اليونان وأرسلته إلى منظمة اليونسكو، تزعم فيه انتماء جميع جزر بحر إيجة إلى اليونان، بناء على أساطير يونانية. وبالفعل قمت بما يقع على عاتقي حيال ذلك وأعددت تقريرًا مطوّلًا حول ذلك، إلا أنني لا أعرف ما الذي جرى عقب ذلك آنذاك، إلا أنني أستطيع أن أخمّن؛ حتى ولو وصل التقرير لأعلى الجهات المعنية فإنهم للأسف رجحوا النوم بهدوء بدلًا من أن يقدّموا مجرد مقتراحات. ومن ثم عمدت خارجيتنا في الماضي على تقليد ينقل الجزر للإيطاليين، من أجل "المساهمة في السلام العالمي".

ربما تكون أولى المعلومات التفصيلية حول جزيرة ميس في الأدب التركي، قد تم كتابتها بعد احتلال اليونان للجزيرة بغير حق في مارس/آذار عام 1913. كان الكتاب الذي أعده الصحفي في صحيفة "هلال عثمان"، والذي يعرف هذه المنطقة بشكل جيد، حبيب زاده علي كمال، يحمل عنوان "جزر إسبورتا وتاريخها". كان الموضوع الأول للكتاب الذي كان يتحدث عن الجزر الستة وجزر "إستان كوي"؛ هو جزيرة ميس. وفي مقدمة الكتاب يتحدث المؤلف أنه يهدف إلى تقديم المعلومات بدقة حول الجزر "المرشوشة كاللؤلؤ في بحر إيجة، والتي نحن بحاجة إليها من أجل مستقبلنا". كما استعرض الكاتب إلى جانب التاريخ العام لجزيرة ميس، العلاقة بين الجزيرة وبين الأتراك والمسلمين عامة، كما استعرض كذلك المساجد وأعمال الخير الأخرى التي يقوم فيها الأتراك في الجزيرة، لا سيما صهاريج المياه. ومن جملة ما نقله حول ذلك، صهريج المياه الذي حفره أحمد باشا القيصري، وسجل صك ملكية عليه مشيرًا إلى أنه وهب هذا الخير لأهالي جزيرة ميس.

هل جزيرة ميس جزء من الجزر الاثني عشر أم لا؟ على الرغم من أنه ظل موضوع نقاش، فإن مصيرها ظل مرهونًا بالجزر الاثني عشر، ولذلك لا ينبغي اعتبارها مستقلة عن قضية تلك الجزر. لقد صدر أول تقرير للشؤون الخارجية في الحقيقية يعبّر عن هذه المشكلة، خلال السنوات الأخير من الحرب العالمية الأولى. حيث أعده عام 2016 شخصيتان من رموز خارجيتنا الموقرين؛ هما رومي أوغلو فخر الدين، ومحمد نابي. وحمل التقرير عنوان "طرابلس الغرب، والجزر الاثنا عشر"، وكانهم منذ ذلك الحين ربطوا مصير تلك الجزر بمصير ليبيا.

على الرغم من أن هذا التقرير قد أكد على وجوب النظر في قضية تلك الجزر الاثني عشر مع قضية ليبيا معًا، إلا أنه بقي طيّ الإهمال دون اتباع ما أوصى به. بينما برز حق الطرف الآخر في تلك الجزر، من خلال معاهدة سيفر عام 1920، ومعاهدة لوزان عام 1923، والمحادثات بين تركيا وإيطاليا عام 1938، وأخيرًا في باريس عام 1947 حيث تم نقل تلك الجزر إلى اليونان. إلا أنه بعد 103 أعوام من كتابة ذلك التقرير، تبين مرة أخرى كم كانت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية وتعيين المناطق الاقتصادية بين تركيا وليبيا (عام 2019) صائبة وفي مكانها. لم يتم تطبيق ما وضعاه هذان الاسمان العريقان في خارجيتنا عام 1916، بعد أن غادر الإيطاليون تلك الجزر عقب الحرب إذعانًا للقانون الدولي، وعلاوة على ذلك بقيت تركيا آنذاك للأسف غير مدركة لأهمية حقوقها في تلك الجزر وكذلك أهمية الجغرافيا ذاتها.

إن حقوق تركيا في البحر المتوسط أمر واضح. على تركيا في هذا العالم الأعمى الذي تحدد القوة قانونه الدولي، أن تكون نشطة وفق أبعاد ثلاثة؛ 1) أن تظهر وجودها في المنطقة بشكل قوي، 2) مواصلة الدبلوماسية، 3) وهو الأهم؛ أن تتخلص من الحسابات التاريخية الداخلية، وأن تشرح للعالم حجج قضيتها العادلة بلغة علمية مفهومة.

#جزيرة
#ميس
4 yıl önce
ما الذي نعرفه عن جزيرة "ميس"؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة