|
ردًّا على السعوديين.. الحرمين والسلاطين

قبل أن ندخل في عزلة حجر صحي ونغلق البيوت على أنفسنا، كنت قد أشرت إلى احتمالية إلغاء موسم الحج هذه السنة بسبب تبعات فيروس كورونا، وها هي التطورات التي لا نزال نشهدها؛ تسير في هذا الاتجاه. في الحقيقة إن خوف المسلمين والعالم الإسلامي من عدم التمكن من أداء العبادة التي ينتظرونها كل عام بفارغ الصبر، يفوق خوفهم من آثار الفيروس وتهديده. أو على الأقل من موسم حج قاسٍ بشروطه وظروفه ومختلف عن كل عام.

على صعيد آخر، فإن السعودية التي تعاني أصلًا من تراجع اقتصادي بسبب تبعات كورونا، ستكون محرومة من مدخول يساوي 12 مليار دولار فيما لو تم إلغاء الحج. الميزانية السعودية التي انقلبت رأسًا على عقب انخفاض أسعار النفط، دفعت وزير المالية للتصريح بأن الأيام القادمة ستشهد مرحلة لم يسبق لها مثيل على الإطلاق. وبغض النظر عن ذلك، فهناك جدل قد بدأ حول مدينة "نيوم" التي تعتبر إحدى خيالات محمد بن سلمان لتحقيق رؤية 2030؛ لم ينس الشعب السعودي بعد الأخبار التي تحدثت عن مقتل مواطن لمجرد أنه رفض إعطاء أرضه لصالح المشروع.

هناك أيضًا مسألة "الرواق العثماني" التي أفرد لها بالأمس مقالًا خاصًا بها، طه كلينج، يتعرض الرواق الآن لحملة "احتلال" من قبل رواد مواقع التواصل أو الذباب الإلكتروني، وإن الحقيقة التي تختبئ وراء إثارة هذه المسألة؛ هو اضطراب الإدارة السعودية وبحثها عن مفترق طرق. وما زعمهم بأن الرواق منسوب إلى سيدنا عثمان لا إلى العثمانيين، إلا مجرد هروب من المشاكل والأزمات التي تحيق بهم، وصرف أنظار الشعب عنها.

إن معاداة العثمانيين لطالما شهدت مراحل متعددة وباتت تُستخدم أداة في التنافس الإقليمي مع تركيا، ولقد باتت تأخذ بعدًا جديدًا غير مسبوق. يستمر الجدل حول أشياء تبدو وكأنه لا شيء آخر يمكن أن يشغلوا أنفسهم به بينما يمر العالم في نفق مظلم، يثيرون النقاش حول خدمة العثمانيين للحرم، ولا يعلمون أن السلاطين العثمانيين هم أول من حازوا على لقب "خادم الحرمين الشريفين" بعد صلاح الدين الأيوبي. لكن ومع ذلك فإن أراشيف السعودية تؤكد ما قام به العثمانيون من خدمات بما لا شك فيه. في هذا الصدد ، تم تضمين هذه الخدمات في الغالب في موسوعة الحج، التي يتم إعدادها من قبل المؤسسات السعودية الرسمية.

بصرف النظر عن الدراسات التركية بهذا الخصوص، هناك العديد من الدراسات الجادة بهذا الصدد صدرت عن مؤرخين عرب أو غير مسلمين حتى. بل هناك أيضًا العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة التي سلطت الضوء على ذلك. وهذا كله يعني أن خدمة العثمانيين للحرمين حقيقية تاريخية لا يمكن الجدل فيها. ولن يغير تلك الحقيقة صيحات على مواقع التواصل الاجتماعي من هنا وهناك. لكن ومع ذلك فإن العداوة والخصومة الشنيعتين اللتين تم إدخالها في عقول السعوديين ضد تركيا، على أساس التاريخ، تحتاج سنوات طويلة للتغلب عليها.

هناك ثريا فاروقي في كتابها حول الحج والسلاطين كانت قد عرضت منذ سنوات عديدة، كيف أن السلاطين العثمانيين قاموا بخدمة المسجد الحرام على أتم وجه، فيما يدحض ما يريد البعض نكرانه اليوم. لقد نشرت أنا أيضًا عام 2017 حول هذا الخصوص تحت دراسة نشرتها مجلة الدراسات والعلوم التابعة لجامعة السلطان محمد الفاتح، تحت اسم "الحج والسلطة: أعمال الترميم العثمانية المبكرة للحرمين"، حيث أوضحت فيه بالوثائق مدى خدمة العثمانيين للحرم.

وبما أن النقاش تم فتحه وانتهى الأمر، فإنني سأفعل ما يتوجب علي وسأبدأ هنا سلسلة مقالات حول ذلك. سأتناول في هذه المقالات، النقاشات حول الميراث العثماني الذي بقي حتى يومنا هذا، وكذلك "إدارة الحج" التي وعد بها الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود.

لقد دخل الحرمان تحت الإدارة العثمانية حينما دخلت منطقة الحجاز تحت إدارتها، وذلك في العام 1517 على يد السلطان العثماني ياووز سليم، بينما كان عائدًا من حربه بمصر. في تلك الأثناء كان شريف مكة محمد أبو نمي الثاني بن بركات قد أرسل ابنه إلى السلطان سليم في القاهرة، ليخبره عن ولائه طوعًا للدولة العثمانية. وأزيدكم من البيت شعرًا، أن العديد من الأمانات المقدسة الموجودة اليوم تم تقديمها هدية بشكل شخصي من قبل أمير مكة وشريفها أبو نمي إلى السلطان العثماني ياووز سليم.

بعد ذلك التاريخ لم تقم الدولة العثمانية بواجباتها تجاه المسجد الحرام لأنه قبلة المسلمين ومحط أنظار أفئدتهم فحسب، بل قامت بذلك أيضًا انطلاقًا من حس المسؤولية والأمانة. منذ دخول الحجاز تحت حكم الدولة العثمانية سارع السلطان سليم إلى تقديم المساعدات وبدء أعمال الإصلاح مما أنعش الوضع الاقتصادي هناك. فضلًا عن البنى التحتية التاريخية التي تم تدمير معظمها اليوم، فقد قام بأعمال ترميم للكعبة ومحطيها منذ ذلك الوقت. لقد قام السلطان سليم على الفور بإنشاء أوقاف جديدة فضلًا عن الأوقاف التي كانت موجودة أصلًا، وخصص لها من بعض خزانة الأموال في مصر. حيث قبل عودته من مصر، خصص عائدات 9 قرى من أجل كسوة الكعبة، فضلًا عن خدمات أخرى على غرار من سبقه من السلاطين، جعلته أول سلطان عثماني يحوز على لقب "خادم الحرمين الشريفين". وإن وظيفة خدمة الحرم وأعمال الحج كانت من بين الوظائف الأساسية التي تتوجب على عاتق السلطان بالذات، وذلك اعتبارًا من السلطان سليم.

أخيرًا بعد استقباله وفد الولاء من شريف مكة، رد السطان سليم الأول بإرسال مساعدات لأهل الحجاز بقيمة 200 ألف ليرة ذهبية كي يتم توزيعها على 12 ألف شخصًا. وكما كانت هذه العطايا حسنة في خدمة أهل الحجاز وأعمال الحج، فإن الخدمات الأخرى جلية وواضحة بعيدة عن النكران.

#الحج
#السعودية
#الرواق العثماني
4 yıl önce
ردًّا على السعوديين.. الحرمين والسلاطين
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة