
في كلمة ألقاها خلال اجتماع التعاون الاستراتيجي التركي الماليزي في القرن الجديد
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، إنه لا يمكن لأحد أن يدفع الشعب الفلسطيني باتجاه نكبة تهجير جديدة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال اجتماع التعاون الاستراتيجي التركي الماليزي في القرن الجديد، على هامش زيارته الرسمية إلى كوالالمبور بدأها اليوم.
وتطرق أردوغان إلى التطورات في الأراضي الفلسطينية بالقول: "يجب أن تعود المنازل والأراضي وأماكن العمل التي اغتصبتها إسرائيل والمستوطنون إلى الفلسطينيين أصحابها الحقيقيين".
ـ 100 مليار دولار.. حصيلة دمار غزة
وأوضح أن "التكلفة المالية للدمار الذي لحق بقطاع غزة تقدر بـ 100 مليار دولار"، مبينا أن "المتسبب في ذلك هي إسرائيل وحكومة (بنيامين) نتنياهو".
وأضاف: "يجب على نتنياهو البحث عن موارد لتعويض الأضرار البالغة 100 مليار دولار المتسبب بها في غزة بدلا من البحث عن مكان للفلسطينيين".
وشدد في كلمته بالقول: "يجب تحصيل التعويض من الإدارة الإسرائيلية على الدمار الذي تسببت به في غزة، ومن ثم البدء بعملية إعادة إعمار القطاع".
الرئيس التركي تحدث عما ارتكبته إسرائيل في قطاع غزة، قائلا: "شهد مليونا إنسان محصورين في مساحة تبلغ 360 كيلومترا مربعا واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية وحشية وبربرية في القرن الأخير".
وأردف: "بفضل المقاومة (الفلسطينية) البطولية فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ولا نعتقد أن المقترحات الرامية إلى طرد الفلسطينيين من الأراضي التي عاشوا فيها لآلاف السنين يمكن أن تؤخذ على محمل الجد".
وأوضح أن تركيا أرسلت حتى الآن أكثر من 100 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأبدت موقفا واضحا تجاه حرب الإبادة الجماعية ضدها عبر قطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل.
وأكد أن أنقرة بذلت ولا تزال كافة الجهود لوقف الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ومحاسبة المسؤولين أمام القانون الدولي.
أردوغان أشار إلى أن بلاده تعرضت خلال 15 شهرا من هذه الجهود المتواصلة "لضغوط شديدة وتهديدات وحملات تشويه السمعة من قبل اللوبي الصهيوني".
وتابع: رغم ذلك لم نترك المظلومين في غزة وفي فلسطين عموما لحظة واحدة بدون سند.
واعتبر الرئيس التركي أن الفترة الماضية من الحرب على غزة "كشفت لنا عجز النظام الدولي، إذ لم يتمكن مجلس الأمن الدولي وقف المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع".
واستطرد: العالم الغربي فشل فشلا ذريعا في هذا الاختبار على مدار 471 يوما، كما فشلت المؤسسات الإعلامية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان التي اكتفت بمشاهدة مقتل مئات الصحفيين، في اختبار غزة أيضا.
وشدد على أنه بالرغم من كل هذا "فإن إخوتنا في غزة والذين تجسدت فيهم معاني العزة، صغارا وكبارا، رجالا ونساء، لم يستسلموا ولم يركعوا أمام الظالمين، ولم يتركوا وطنهم".
أردوغان حذر من أن "أي ضرر لا يتم تعويضه سيشجع الجاني على ارتكاب المزيد من الجرائم"، مؤكدا أنه "لا يمكن السماح لإسرائيل بمواصلة طريقه وكأن شيئا لم يكن، بعد أن تسبب في هذا الدمار الهائل، وكل تلك المعاناة والمجازر".
الرئيس التركي أكد أن العالم الإسلامي قادر على إعادة إعمار غزة في وقت قصير جدا، مشترطا من أجل ذلك "تحصيل الأموال التي هي حق أساسي لأهل غزة من إسرائيل".
كما دعا لإعادة المنازل والأراضي والمحال التجارية التي استولت عليها إسرائيل و"المستوطنون الغاصبون"، إلى أصحابها الحقيقيين من الفلسطينيين.
وتابع: بجانب إعادة إعمار غزة، من الضروري تكثيف جهودنا من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات وحدة جغرافية، عاصمتها القدس الشرقية. وإني أؤمن بأن كل هذه الأمور تمثل واجبا أخويا ودَيْنا في أعناقنا تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم.
ـ نظام عالمي عادل
وتحدث أردوغان في كلمته عن ضرورة بناء نظام عالمي عادل يحتضن الجميع ويرى بالاختلافات ثراءً وأنها "ضرورة ملحة وليست خيارا".
وأكمل "العالم بحاجة إلى فهم جديد ونظام عالمي جديد لحل مشاكله في جميع المجالات من الاقتصاد إلى الدبلوماسية ومن التجارة إلى الأمن".
وأكد الرئيس التركي على أن هيكلية الأمم المتحدة التي لا يوجد فيها تمثيل للعالم الإسلامي لا يمكنها أن تنشر العدالة لأنها غير عادلة بحد ذاتها.
وتابع: "لا يمكن أن يحل السلام والهدوء والتنمية الإنسانية في مكان لا توجد فيه عدالة يتم تجاهلها لمصالح وحشية".
والجمعة، قال نتنياهو إن "السعودية لديها مساحات شاسعة وبإمكانها إقامة دولة فلسطينية عليها"، وذلك ردا على سؤال لمذيع القناة "14" العبرية، بشأن تمسك الرياض بإقامة دولة فلسطينية من أجل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وتأتي تصريحات نتنياهو بعد أيام من حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عزم بلاده الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، وأن السعودية لم تعد تشترط تأسيس دولة فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل، ما أثار رفضا إقليميا ودوليا واسعا.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
ـ العلاقات مع ماليزيا
وخلال كلمته شكر أردوغان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم والشعب الماليزي على كرم الضيافة، وقال إن جذور العلاقات بين الشعبين التركي والماليزي تعود إلى القرن السادس عشر وأنهما يتقاسمان مجموعة مشتركة من القيم تاريخيا وثقافيا.
وأشار إلى أن العام الماضي شهد الذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، معربا عن أمله في أن تستمر هذه العلاقات الوثيقة والودية بين البلدين بشكل أقوى في المستقبل، وتكتسب زخما في جميع المجالات.
وأضاف أنه في إطار الانفتاح التركي لقارة آسيا، كان لماليزيا دائما مكانة متميزة.
وأوضح أن تركيا رفعت علاقاتها مع ماليزيا إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية في عام 2014، ثم إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة في عام 2022.
وفي السياق، أفاد بأن منشأة "توساش" في ماليزيا تحولت إلى مركز فعال يوفر فرص عمل لأكثر من 100 مهندس ماليزي شاب.
أردوغان أشار أيضا إلى وجود تعاون تركي ماليزيا في بناء سفن المهام الساحلية وفي مجال الطائرات المسيّرة من طراز "عنقاء" التركية.
وأفاد بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 5 مليارات دولار في عام 2024، مؤكدا أنهم يهدفون لرفع هذا الرقم بشكل متوازن إلى 10 مليارات دولار خلال المرحلة المقبلة.
كما أعرب الرئيس التركي عن فخرهم بنجاحات ماليزيا الممتدة من الدبلوماسية إلى الإنتاج والتمويل والتجارة، متمنيا لها التوفيق في رئاستها الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وأكد أن تركيا وماليزيا متضامنان في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في القضايا التي تهم العالم الإسلامي.
وتابع: أتابع بكل تقدير الدعم الذي تقدمه ماليزيا لقضية غزة وفلسطين. كما أرحب بموقفها الحازم في مكافحة الإسلاموفوبيا. نحن عازمون على تعزيز علاقاتنا مع ماليزيا في إطار مجموعة الدول الثماني النامية وتوسيع تعاوننا في مجال التنمية الاقتصادية.
وأوضح أن زيارته إلى ماليزيا جاءت في وقت يشهد العالم فيه تغيرات كبيرة، ولفت الانتباه إلى حقيقة مفادها أنه في حين تتغير عادات الإنتاج والاستهلاك والتوزيع بشكل جذري، فإن العالم ينجرف في الوقت نفسه إلى معركة تقاسم جديدة.
وذكّر أردوغان بأن مؤسسي النظام العالمي هم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن الذين يضعون قواعد اللعبة في العديد من المجالات من العلاقات الدولية إلى الاقتصاد والمالية والتجارة هي نفس الدول.
ـ نهب الموارد
الرئيس التركي تحدث عن النظام الجديد ونهب الثروات بالقول "تم استخدام جزء كبير من الموارد الباطنية والثروات من الشرق إلى الغرب على مدى السنوات الثمانين الماضية لدعم القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لهذه البلدان وتمويل رفاهية شعوبها".
وتساءل أردوغان "هل هي مصادفة أن حركات الاستقلال التي بدأت في الستينيات توقفت لاحقا بسبب الانقلابات العسكرية؟ هل هي مجرد مصادفة أن ضحايا الصراعات بين القوى الرئيسية في الحرب الباردة كانوا عموما من الدول المضطهدة؟ هل يمكننا أن نرى الإطاحة بالزعماء الذين أرادوا رفع علاقاتهم التجارية مع القوى العظمى إلى مستوى أكثر توازناً وعدالة عملا بريئا؟ إذا كانت حصة 55 بالمئة من سكان العالم اليوم من إجمالي دخل 1.3 بالمئة فقط، ألا توجد مشكلة نابعة من هذا النظام؟".
وواصل أردوغان تساؤلاته "هل يمكننا أن نقبل أن الطفل المولود في أمريكا الشمالية لديه فرص أكثر من 70 طفلا يعيشون في إفريقيا؟ يمكننا مضاعفة المقارنات والأمثلة، ليس من الصحيح ولا من الممكن أن يستمر هذا البناء الذي يحمي الأقوياء والطغاة والنخبة والأغنياء بدلا من الصالحين والمظلومين والضعفاء، بنفس الطريقة".
وشدد الرئيس التركي في حديثه "نعرب عن اعتراضنا على هذا النظام الظالم، حيث لا يكون الحق للقوي، بل يكون الحق دائما لمن يملك القوة، في تركيا نعتقد أن النظام الذي لا يمثل فيه العالم الإسلامي المتجاوز عدد سكانه ملياري نسمة، لا يمكنه أن يوزع العدالة لأنه غير عادل".
وأكد أن شعار "العالم أكبر من خمسة" أصبح أحد رموز هذا البحث عن نظام جديد.