
تركيا تبذل جهودا عسكرية ودبلوماسية للقضاء على الإرهاب في المنطقة وتأمين حدودها من التهديدات تستهدف امنها القومي.
ينتظر الشارع التركي يوم 15 شباط/فبراير الذي يزمع فيه قيام زعيم تنظيم بي كي كي الإرهابي عبد الله أوجلان بإطلاق دعوته للتنظيم وأذرعه المسلحة كي يتركوا السلاح، من أجل إنجاح عملية السلام التي أطلق زمام مبادرتها زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي مؤخرا.
ولكن ما الذي يعنيه هذا التاريخ. إنه اليوم الذي يذكره المجتمع التركي جيدا، ففي مثل هذا اليوم من سنة 1999 تمكنت تركيا من القبض على أوجلان وإحضاره إلى تركيا في عملية استخباراتية نوعية، حيث كان يقيم في كينيا آنذاك بعد خروجه من سوريا التي كان يتلقى فيها الدعم من نظام الأسد الأب.
وهنا لا بد من التنويه بأن تركيا عازمة بإصرار على تطهير المنطقة من الإرهاب، فما زالت قواتها المسلحة تدك أوكار الإرهابيين في شمالي سوريا والعراق، وكل يوم تصدر وزارة الدفاع التركية بيانا حول هذه العمليات وأعداد الإرهابيين الذين يتم تحييدهم من قبل الجيش التركي. لذلك يمكننا القول إن رغبة تركيا في الحل الدبلوماسي ناجم عن رغبتها بإحلال السلام دون إراقة الدماء بقدر الإمكان للخروج بأقل الخسائر، وفي أكثر من مناسبة أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن تركيا لن تتوانى عن تنفيذ عمليات عسكرية على نطاق واسع في الشمال السوري في حال رفض الإرهابيون ترك السلاح.

ولذلك سمحت وزارة العدل التركية لوفد حزب (DEM) بلقاء أوجلان في معتقله بجزيرة إيمرالي العسكرية، وهذا يعني أن تركيا منحته فرصة تاريخية لحل مشكلة الإرهاب بطريقة سلمية، مع أن القوات المسلحة التركية لديها القدرة الكافية للقضاء على الإرهاب بالقوة، ولكن غايتها إثبات حسن النوايا للجميع.
وخير ما يدل على ذلك هو أن تركيا تعمل على حل مشكلة الإرهاب بمنحيين المنحى الأول هو المنحى العسكري والمنحى الآخر هو المنحى الدبلوماسي، وكلا المنحيين هدفهما واحد وهو تطهير المنطقة من الإرهاب، فأنقرة اليوم مصرة على ذلك أكثر من أي وقت مضى بعد زوال نظام الأسد البائد، وتأسيس إدارة جديدة في سوريا، إذ كان نظام الأسد يدعم الإرهابيين ويتخذ منهم ورقةً للضغط. أمَّا الرئيس الانتقالي في سوريا أحمد الشرع فيطالب تنظيم بي كي كي:واي بي جي الإرهابي بالتخلي عن السلاح والانصياع للحل السلمي، فتركيا ترى أن وحدة الأراضي السورية تشكل عاملا ضامنا للحفاظ على وحدة الأراضي التركية أيضا.

ومن أبرز الأمثلة على الجهود الدبلوماسية التي تبذلها تركيا في سبيل هذا الهدف، تزامن زيارة فيدان إلى بغداد مع زيارة رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن إلى دمشق؛ وكذلك اتصال فيدان هاتفيا بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عقب زيارة قالن لطهران واجتماعه بوزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب ورئيس جهاز الأمن الإيراني علي أكبر أحمديان.

ولكن قوات بي كي كي/واي بي جي الإرهابية في الشمال السوري تعتمد اعتمادا كليا على الدعم العسكري واللوجستي الأمريكي، وتأمل حصولها على مزيد من التعزيزات لتستمر في سيطرتها على المناطق الغنية بالثروة النفطية والزراعية في الشمال الشرقي من سوريا، وكانت القيادية في تنظيم بي كي كي/واي بي جي إلهام أحمد طالبت بالدعم الإسرائيلي "لحماية" المناطق الحدودية في سوريا على حد تعبيرها. وهذا التصرف يشير لنا إلى أن إدارة قنديل الإرهابية قد لا تلقي بالا لدعوة أوجلان المنتظرة، وما يعزز هذا الاحتمال هو أن القيادي الإرهابي مراد قراييلان قال: "حتى لو طالب أوجلان بترك السلاح، فذلك لا يغير شيئا على أرض الواقع، لأن الأمر يتطلب وجوده بيننا لا أن يتحدث إلينا عبر تسجيل فيديو". فكلامه هذا يدل على عدم رغبة قنديل في ترك السلاح.

ولا بد من الإشارة إلى هذه التطورات تأتي بالتزامن مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرد الفلسطينيين من غزة، وإسكانهم في الأردن ومصر اللتين رفضتا ذلك جملة وتفصيلا، فترامب الذي يفاجئ العالم كل يوم بقرار جديد، هل سيطالب هذه المرة بترحيل أهالي غزة إلى المناطق التي تنتشر فيها القواعد العسكرية الأمريكية وقوات بي كي كي/واي بي جي الإرهابي التي ما كانت لتبقى هناك لولا الدعم الأمريكي؟