|

المدرسة الكمالية بغزة.. شاهد على العمارة الأيوبية ولكن

هذا المبنى هُجر لأكثر من عقدين من الزمن، وبدت عليه معالم التآكل جرّاء عوامل التعرية وغياب أعمال الترميم

10:38 - 15/04/2023 السبت
تحديث: 14:52 - 15/04/2023 السبت
الأناضول
المدرسة الكمالية بغزة.. شاهد على العمارة الأيوبية ولكن
المدرسة الكمالية بغزة.. شاهد على العمارة الأيوبية ولكن

بين متاجر وعمارات سكنية حديثة في حيّ الزيتون بالبلدة القديمة شرقي قطاع غزة، يتوارى مبنى أثري هو المدرسة الكمالية التي جرى تشييدها في العهد الأيوبي عام 1237م.

هذا المبنى هُجر لأكثر من عقدين من الزمن، وبدت عليه معالم التآكل جرّاء عوامل التعرية وغياب أعمال الترميم، وهو مُشيد من الحجر الرملي ومن أهم شواهد العمارة الأيوبية الإسلامية.

ويُلاحظ قلة استخدام الزخارف الإسلامية الهندسية أو النباتية في التصميم الخارجي والداخلي للمبنى، باستثناء زُخرفتين ظهرتا بشكل واضح فوق نوافذ المبنى الكبيرة، وربما محى الزمن عددا آخر من الزخارف كانت موجودة.

وقلة الزخارف المستخدمة في المباني يعتبرها مؤرخون من إحدى ميزات العمارة في العهد الأيوبي، جراء انشغال الأيوبيين بالحروب مع الصليبيين.

ويتزيّن المبنى بأقواس موجودة في تصاميم الأبواب وبعض الأروقة الخارجية والأواوين، وهي مجالس كبيرة لكل منها سقف وثلاثة جدران.

وفي فناء المدرسة، التي تطل عليه الأواوين المتبقّية والغرف، نمت أعشاب وحشائش بعد أعوام طويلة تُرك فيها المبنى مهجورا، فلم يتم تنظيفه وترميمه إلا منذ أقل من عامين.

ويتصدر الجهة الشمالية من فناء المدرسة تل من رمال ونفايات جرى تجميعها أثناء أعمال تنظيف تطوعي نفّذها شباب عام 2022 لإعادة الروح للمبنى.

وتتكون البلدة القديمة في غزة من أربعة أحياء رئيسية هي الشُّجاعية، والدرج، والتفاح، والزيتون، وتتركز المواقع والمنازل الأثرية في الشُّجاعية والزيتون.

الملك الكامل

وقالت مديرة المتحف الأثري في قصر الباشا والمرشدة السياحية بوزارة السياحة والآثار ناريمان خلّة للأناضول إن قطاع غزة على مرّ العصور ضم عددا كبيرا من المدارس لم يتبقَ منها اليوم غير المدرسة الكمالية أو الكاملية.

وسُميّت بالكمالية نسبة إلى الملك الأيوبي الكامل (أبو الفتح ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين الأيوبي) الذي بناها عام 1237م.

ناريمان أوضحت أن المدرسة خُصصت منذ إنشائها في نشر تعاليم الشريعة الإسلامية وفقا للمذهب السُني، إذ جاء الأيوبيون بعد الدولة الفاطمية التي نشرت المذهب الشيعي في المناطق التي حكمتها.

وتابعت أن "الأيوبيين بعد استلامهم مقاليد الحكم أرادوا أن ينشروا التعاليم الإسلامية السنية، فبدؤوا بتشييد المدارس التي ستكون منبرا لهم".

كما تم استخدام المبنى لإيواء طلبة علم وفقراء وتجار، وكانت المدرسة ملكا عاما للدولة الأيوبية ثم نُقلت الملكية والاستخدام إلى الدولة المملوكية.

وشُيّدت المدرسة على مساحة 570 مترا، لكنها تقلصت حاليا إلى نحو 300 متر فقط.

العمارة الأيوبية

مع مرور الزمن، طرأت تغيرات كبيرة على المبنى الأثري، حيث اختفى سوق النحّاسين الذي كان يطل عليه.

وكان الباب غير الرئيسي للمدرسة يطل على سوق النحاسين، فكان التجار العاملين في المجال، سواء في عهد الدولة الأيوبية أو المملوكية، يعتبرون هذا المكان ملاذا لهم لنيل قسط من الراحة بعد يوم عمل طويل، وفق لناريمان.

وأضافت أن مساحة المبنى تقلصت واختفى بعض من معالمه بفعل ظروف التعرية وعدم اهتمام ملاكه الأصليين.

وعن ملامح العمارة في العهد الأيوبي، أفادت بأن الباب الرئيسي للمدرسة يعلوه قوس مُدبب من الحجر الرخامي نُقشت عليه زخارف.

وبينت أن المدرسة الكمالية، المكوّنة من طابقين، ضمت عددا من الغرف (غير معروف تحديدا) وعددا من الأواوين تبقى منها اثنان في الطابق السفلي.

وهذان الإيوانان يطلان على فناء المدرسة الواسع، وتطل عليهما غرف سفلية.

وأخذت نوافذ المدرسة أشكالا مختلفة، بعضها صُمم بشكل طوليّ (مستطيل) والبعض الآخر كان كبير الحجم، وتميز عدد منها بوجود قوس مُدبب أعلاها.

كما تميّزت المدرسة بقبابها وأقواسها، ولوحظ في الجدران الداخلية وجود خُزن كانت تسمى "يوكات" وتُستخدم لتخزين الأغذية والملابس.

وتراوحت سماكة الحجر الرملي الذي أُسست منه المدرسة، بحسب ناريمان، بين 80 و100 سنتيمتر، مما يساعد المبنى على الاحتفاظ بالأجواء الباردة صيفا والدافئة شتاء.

وعن الزخارف التي نُقشت على الجدران، قالت ناريمان إن العمارة الإسلامية عامة تستخدم الزخارف الهندسية أو النباتية، حيث توجد نقوش للنجمة السداسية أو الثمانية أعلى النوافذ المتواجدة في الطابق الثاني.

اكتشاف وترميم

منذ العهد المملوكي وحتى عام 1930 جرى استخدام مبنى المدرسة لتعليم الشريعة الإسلامية وإيواء فقراء وطلاب علم وتجار.

وفي 1930، تم تحويل المدرسة في عهد رئيس بلدية غزة فهمي بك الحسيني إلى مدرسة للبنات خاصة بالمرحلة الثانوية.

وقالت ناريمان إنها تلتقي عادةً بسيدات فلسطينيات (كبيرات في السن) يُخبرنها بأنهن تخرجن من هذه المدرسة التي تلقين فيها علم الشريعة الإسلامية.

وفي 2012، تعرّفت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية على المبنى، الذي كان مهجورا لفترة امتدت لنحو عقدين من الزمان، كمدرسة أثرية تعود إلى العهد الأيوبي، بحسب الدليل السياحي الذي أصدرته الوزارة وحصلت عليه وكالة الأناضول.

وتعددت ملكية هذا المبنى الأثري لعدد من العائلات الفلسطينية، سواء متواجدة في قطاع غزة أو خارجه، مما أعاق سيطرة الوزارة على المبنى وتنفيذ أعمال ترميم للمحافظة عليه، وفقا لناريمان.

وأوضحت أن بعض مالكي المبنى يعيشون حاليا في طابقه الثاني، حيث أسسوا غرفا في الجهة الجنوبية منه واستغلوا غرفة موجودة في الجهة الشرقية والتي بقيت كما هي.

ونهاية 2015، سيطرت الوزارة على المبنى وتمكنت من ترميمه بالتعاون مع مركز إيوان في الجامعة الإسلامية عام 2021.

فيما نظف متطوعون المبنى في 2022، بتمويل من شركة الاتصالات الفلسطينية الخلوية "جوال"، بحسب ناريمان.

ومشيرةً إلى عدم توافر ميزانية، أوضحت أن المبنى لا يزال بحاجة إلى عمليات ترميم وتنظيف دورية للحفاظ على ما تبقّى منه، وفي حال حظي بالاهتمام فمن المقرر تحويله إلى مركز ثقافي.

وعبر داعمين، تولى الوزارة اهتماما كبيرا بترميم المواقع الأثرية، ومن أبرزها ترميم المدرسة الكمالية في 2021، وقصر الباشا أعوام 2005 و2015 و2022، بجانب أعمال ترميم مستمرة في دير القديس هيلاريون منذ 2017، فيما جرى ترميم الكنيسة البيزنطية قبل عامين، بحسب ناريمان.

#العمارة الأيوبية
#المدرسة الكمالية
#غزة
1 عام قبل