|

الحركة الطلابية الأمريكية.. محاولة لردع جنون السياسة

مقال د. سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة صباح الدين زعيم التركية، يقول فيه: - الطلاب في الجامعات الأمريكية اتخذوا إجراءات غير مسبوقة لوقف الجنون الإسرائيلي الخارج عن السيطرة. - استراتيجية الحملة التي شنها الطلاب في عشرات الجامعات الأمريكية ضد الاحتلال الإسرائيلي والهجوم على غزة لها جذورها التاريخية. - كانت معارضة حرب فيتنام سببا حاشدا عزز النشاط الطلابي في مئات الجامعات الأمريكية. - منذ منتصف سبعينيات وطوال ثمانينيات القرن الماضي لعبت الجامعات في الولايات المتحدة دورا مهما في النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

09:49 - 11/05/2024 Cumartesi
الأناضول
الحركة الطلابية الأمريكية.. محاولة لردع جنون السياسة
الحركة الطلابية الأمريكية.. محاولة لردع جنون السياسة

تفاخرت الولايات المتحدة الأمريكية دائما بكونها زعيمة "العالم الحر" والمدافعة عن الديمقراطية وسيادة القانون والقيم الليبرالية، مثل حرية الصحافة وحرية التعبير والتجمع.

انطلاقا من هذه المفاهيم وقوانين الكونغرس الأمريكي فرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عقوبات على العديد من الدول؛ بينها روسيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية والصين، بذريعة انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في هذه البلدان.

لكن ما نراه اليوم أن الولايات المتحدة تتجاهل عمدا الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة ضد الفلسطينيين، الذين يعانون على مدار عقود من الاحتلال (الإسرائيلي) العسكري الوحشي.

وعلى مدى أكثر من 200 يوما، ارتكبت إسرائيل العديد من المجازر والفظائع التي لا يمكن تجاهلها في قطاع غزة، أو إضفاء الشرعية عليها.

ومنذ ذلك الحين (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) سقط أكثر من 125 ألف ضحية في الهجمات الإسرائيلية على مكان مأهول صغير (في إشارة لقطاع غزة)، منهم ما لا يقل عن 45 ألفا ما بين قتيل ومفقود، أكثر من 70 بالمئة منهم نساء وأطفال.

- تجاهل أمريكي وجنون إسرائيلي

ومنذ كانون الثاني/يناير الماضي، وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية وجدت أنه "من المعقول" اعتبار أن تصرفات إسرائيل في غزة يمكن أن تشكل "إبادة جماعية"، دعمت شخصيات بارزة في الرأي العام الأمريكي والمؤسسة السياسية بشكل عام، بإصرار جرائم إسرائيل دون أي ندم أو قلق حقيقي أو تعاطف حتى مع الضحايا.

ومع استمرار تجاهل هذه الحقائق، أعدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والكونغرس، الغطاء المناسب لتوفير الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للنظام الصهيوني.

وفي السياق، حيث أحبطت الولايات المتحدة جميع الجهود الدولية لردع آلة القتل الإسرائيلية باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 4 مرات، منذ بداية الحرب وممارسة الضغط السياسي على العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية.

وفي واقع الحال فإن الأسلحة التي توفرها واشنطن لإسرائيل تنتهك بشكل مباشر قوانينها الخاصة، التي تحظر الاستخدام المتعمد والعشوائي للأسلحة ضد السكان المدنيين والبنية التحتية، فضلا عن استخدام التجويع كأداة لإخضاع السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة.

- صحوة طلابية بالجامعات الأمريكية

ومع ذلك وفي ظل مساعدة الساسة الأمريكيون وتشجيعهم لجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، رفض الطلاب في الجامعات الأمريكية قبول هذه الحقيقة، واتخذوا إجراءات غير مسبوقة لوقف الجنون الإسرائيلي الخارج عن السيطرة.

واجتمعت أكثر من 100 جامعة وكلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بمشاركة عشرات الآلاف من الطلاب، ضد هذه الإجراءات والسياسات، وتعهدت بفرض نهاية للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.

- تاريخ من النضال الطلابي

ومن المؤكد أن هناك سوابق للنضال الطلابي في التاريخ الأمريكي الحديث. خلال حقبة الحقوق المدنية في الستينيات، لعبت كليات أصحاب البشرة السوداء تاريخيا دورا رئيسيا في تنظيم الطلاب, وتعبئة المجتمعات لمكافحة العنصرية المؤسسية.

(كليات أصحاب البشرة السوداء هي مجموعة من مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة، تأسست قبل عام 1964 بهدف توفير التعليم للأمريكيين الأفارقة)

وبالمثل، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، كانت معارضة حرب فيتنام سببا حاشدا عزز النشاط الطلابي في مئات الجامعات الأمريكية.

ورأى المؤرخون أن أعمال العنف التي اقترفتها الدولة في جامعة مدينة كينت (بولاية أوهايو الأمريكية) في مايو/أيار 1970، والتي قُتل فيها 4 طلاب وجُرح 9 اخرين، كانت نقطة تحول في المعارضة العامة لحرب فيتنام.

وابتداء من منتصف السبعينيات وطوال الثمانينيات من القرن الماضي، لعبت الجامعات في الولايات المتحدة دورا مهما في النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وبدأت بالفعل الحملات التي قادها الطلاب، وتدعو إلى الانفصال عن الشركات المستفيدة من الفصل العنصري والعقوبات ضد جنوب إفريقيا، تؤتي ثمارها.

وبحلول عام 1988 كانت 156 جامعة وكلية تجردت من الشركات التي تربطها أي صلة بنظام الفصل العنصري، مما أدى إلى انهيار النظام بعد بضع سنوات.

- استراتيجية تاريخية في الحراك الطلابي

إن استراتيجية الحملة التي شنها الطلاب في العشرات من الجامعات والكليات الأمريكية ضد الاحتلال الإسرائيلي والهجوم العسكري على غزة لها جذورها في هذا التاريخ.

وغالبا ما تحدث تغييرات السياسة والنظام الاجتماعي في الولايات المتحدة بطريقتين مختلفتين، وفي بعض الأحيان يتقاطع كلا النهجين.

الأول هو من "الأعلى إلى الأسفل"، وفي هذه العملية تبدأ النخبة الحاكمة والطبقة الثرية، من خلال مؤسساتها ومراكزها السياسية، بالضغط على الطبقة السياسية لتبني تفضيلاتها ومطالبها السياسية، وبمجرد أن تصبح هذه المطالب قوانين تقوم المحاكم والسلطة التنفيذية بتطبيقها، ومن ثم تبيعها وسائل الإعلام للشركات والجمهور لخلق موافقة عامة.

أما النهج الثاني فهو من "القاعدة إلى القمة"، في هذه الحالة تبدأ التغيرات السياسية والاجتماعية بمجموعة متنوعة من الأشخاص الذين ينتقدون الوضع الراهن، ويسعون إلى تغيير جذري لا ترغب الطبقة الحاكمة والدولة العميقة في قبوله.

ويندرج الطلاب الناشطون والحركة العمالية ضمن هذه الفئة، وعادة يتم تجاهل المطالب الشاملة لهذا النهج بشكل كامل، أو يتم مواجهتها بمقاومة شرسة من قبل أصحاب المصالح القوية .

كما أنه عندما تشتد الضغوط، يتم اللجوء في كثير من الأحيان إلى العنف الوحشي الذي تمارسه الدولة.

واليوم، تخشى الصهيونية والمدافعين عن الهيمنة الأمريكية العالمية من النشاط الطلابي، وسبب ذلك هو أن مثل هذه الحركة لديها القدرة على التأثير على الرأي العام، وتغيير موقفه تجاه دعم حقوق الفلسطينيين.

ونرى أن تصنيف منتقدي النظام الصهيوني كمعادين للسامية أصبح أمرا مبالغا فيه من قبل جماعات المصالح الإسرائيلية، لدرجة أنه لم تعد تؤخذ هذه الاتهامات على محمل الجد.

إن الشجاعة والتصميم اللذين أظهرهما الطلاب في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية كانا مذهلين، وإذا تم الحفاظ على الزخم، من الممكن في نهاية المطاف تغيير المواقف العامة تجاه القضية الفلسطينية، وعلى نطاق أوسع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة برمتها.

وكما قالت عالمة الأنثروبولوجيا الثقافية الأمريكية مارغريت ميد "لا تشك أبدا في أن مجموعة صغيرة من المواطنين المتفانين والمفكرين يمكنهم تغيير العالم"، وانطلاقا من هذه الجملة يمكن أن نصل إلى النتيجة.

​​​​​​​-------------------------------------------

** كاتب المقال سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة صباح الدين زعيم التركية.

** الأفكار والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول التحريرية.


#إسرائيل
#احتجاجات الجامعات الأمريكية
#الحراك الطلابي في الولايات المتحدة
#الحرب الإسرائيلية
#الدعم العسكري الأمريكي
#الديمقراطية
#حقوق الإنسان
#فلسطين
#قطاع غزة
12 gün önce