المفاوضات بين لبنان وحكومة الاحتلال… أولويات متباعدة على طاولة واحدة

10:4411/12/2025, Perşembe
الأناضول
المفاوضات بين لبنان وحكومة الاحتلال… أولويات متباعدة على طاولة واحدة
المفاوضات بين لبنان وحكومة الاحتلال… أولويات متباعدة على طاولة واحدة

الخبير العسكري ناجي ملاعب: - إسرائيل تعمل على تسويق فكرة أن ضغوطها دفعت لبنان إلى التفاوض بصيغة مدنية سياسية، تمهيدا لطرح مشاريع اقتصادية مستقبلية - مشروع "الشريط الاقتصادي" بين لبنان وإسرائيل ليس جديدا وهو يقوم على إنشاء منطقة غير سكنية مخصّصة للاستثمار الصناعي الباحث السياسي توفيق شومان: - استكمال انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني لن يقابل بخطوة موازية من إسرائيل، لأنها تسعى إلى منطقة عازلة خالية من السكان - ثمة فوارق كبيرة وواسعة بين الأهداف اللبنانية والأهداف الإسرائيلية، ولذلك استبعد الوصول إلى نتائج ملموسة المحلل السياسي آلان سركيس: - أي علاقة اقتصادية أو مسار سلام بين لبنان وإسرائيل يبقى مرهونا بتغيّر المعادلات الإقليمية والداخلية وإيران لا ترغب بذلك - ملف جنوب الليطاني عاد للواجهة لكن تقدم العمل به يبقى معطّلا بسبب عدم تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701



تتسارع وتيرة المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية وسط ضغوط أمريكية وأوروبية مكثفة لدفع الجانبين نحو تهدئة مستدامة، في وقت تتشابك فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتبرز ملفات أساسية أبرزها وقف اعتداءات تل أبيب، والهدنة، والفرص الاقتصادية المحتملة.

ووفق ما ذكره محللون للأناضول، تهدف إسرائيل عبر هذه المفاوضات إلى فرض منطقة عازلة أمنية في نهاية المطاف تحت غطاء اقتصادي، بينما يركز الجانب اللبناني على حماية سيادته ووقف الاعتداءات الإسرائيلية وإعادة الأسرى وانسحاب إسرائيل.

ويرى المحللون أن المرحلة الحالية من المفاوضات بين الطرفين ستكون معقدة ودقيقة، وتستلزم التوفيق بين الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، في وقت تبقى المعادلات الإقليمية عاملا حاسما في تحديد مسار الاتفاقات المستقبلية.



وتدخل المفاوضات، المنعقدة تحت مظلة لجنة "الميكانيزم"، مرحلة "اختبار النوايا" قبل اجتماعها المقبل في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، للتأكد من مدى تجاوب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الضغوط الأمريكية الهادفة إلى خفض التوتر وإتاحة مناخ مناسب لتفعيل المفاوضات.

ويقابل ذلك استعداد لبناني لاتخاذ خطوات إضافية لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، مع اقتراب استكمال هذا المسار جنوب نهر الليطاني بحلول نهاية العام.

وفي 5 أغسطس/ آب الماضي أقر مجلس الوزراء اللبناني حصر السلاح بيد الدولة بما فيه سلاح "حزب الله"، وتكليف الجيش بوضع خطة وتنفيذها قبل نهاية عام 2025.

لكن أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم أكد مرارا أن الحزب لن يسلم سلاحه، ودعا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية.

وأنشئت لجنة "الميكانيزم" بموجب وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، وتقوم بمراقبة تنفيذه، وتضم كلا من لبنان وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).

والأربعاء الماضي، أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن نتنياهو كلف مبعوثا رفيعا للقاء مسؤولين لبنانيين، في "محاولة أولى لتأسيس أرضية للتعاون الاقتصادي".

تزامن ذلك مع قرار الرئاسة اللبنانية تعيين شخصية مدنية (السفير السابق سيمون كرم) لرئاسة الوفد في اللجنة الخماسية المكلّفة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، في خطوة انتقدها حزب الله واعتبرها "سقطة للحكومة ومخالفة لكل التصريحات التي كانت تقول إن إشراك أي مدني شرطه وقف الأعمال العدائية".

وكان اتفاق لوقف إطلاق النار أنهى عدوانا إسرائيليا على لبنان بدأ في أكتوبر 2023 ثم تحول إلى حرب شاملة في سبتمبر 2024، وخلف أكثر من 4 لاف قتيل و17 ألف جريح.

ومنذ سريان الاتفاق، ارتكبت إسرائيل آلاف الخروقات التي أسفرت عن مقتل وإصابة مئات اللبنانيين، إلى جانب استمرار احتلالها خمس تلال جنوبية ومناطق أخرى.



الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب أوضح أن مبادئ التفاوض تتناول ملفات الأمن أولا، وفي مقدمتها تسليم الأسرى، والانسحاب حتى الخط الأزرق وفقاً للقرار 1701، إضافة إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية بشكل كامل والشروع في إعادة الإعمار.

وأشار للأناضول إلى أن إسرائيل تعمل على "تسويق فكرة أن ضغوطها دفعت لبنان إلى التفاوض بصيغة مدنية سياسية"، تمهيدا لطرح مشاريع اقتصادية مستقبلية، ضمن رؤية أمريكية أوسع لتعزيز الترابط الاقتصادي في المنطقة.

ولفت إلى أن طرح مشروع "الشريط الاقتصادي" بين لبنان وإسرائيل ليس جديدا وهو يقوم على إنشاء منطقة غير سكنية مخصّصة للاستثمار الصناعي.

ولفت أن "إسرائيل هدمت خلال السنوات الماضية ما يصل إلى 6 كيلومترات من الأبنية والمنشآت على طول الحدود، الأمر الذي قد يكون تمهيدا لحل بهذا الاتجاه، لكنه في المقابل يواجه عقبات كبيرة".

وأضاف أن من أبرز هذه العقبات ملكية الأراضي في المنطقة الحدودية، إذ تشمل آلاف الدونمات العائدة لأوقاف لبنانية وإسلامية ومسيحية، ما يستدعي إجراءات موافقة معقدة من المؤسسات الدينية، وعلى رأسها المرجعيات الكنسية، في حال تقرر إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة.

وتساءل ملاعب عما إذا كانت التطورات الحالية، بما في ذلك ترسيم الحدود، قد تعيد إحياء مشروع خط الغاز الإسرائيلي–القبرصي–اليوناني نحو أوروبا، المتوقف منذ 2018، مشيرا إلى أن "أي اتفاق اقتصادي كبير في المنطقة لا يمكن أن يمر من دون موافقة أمريكية ودور تركي فاعل".

وعن سبب توقف ذاك المشروع الذي رُصد له 25 مليار دولار، أوضح أنه توقف لأسباب قد تتعلق بكميات الانتاج المحدودة أو اعتراض تركيا على المسار البحري في منطقة اقتصادية متنازع عليها.



من جهته، استبعد الباحث السياسي والصحفي اللبناني توفيق شومان أن يكون استكمال الجيش اللبناني انتشاره في منطقة جنوبي الليطاني، "يمكن أن يقابل بخطوة موازية من جانب الاحتلال الإسرائيلي"، معتبرا أن "المسألة بالنسبة له أبعد بكثير من ذلك".

وتابع، في تصريح للأناضول، "الإسرائيلي يريد إقامة منطقة عازلة وحتى خالية من السكان، وهي التي يسميها الأمريكيون والإسرائيليون منطقة اقتصادية، ولذلك تبدو المرحلة المقبلة معقدة ومتجهة إلى تصعيد عسكري أوسع مما هو عليه الآن".

وبينما تصرّ إسرائيل على تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى منطقة عازلة وتسعى للترويج لها كمنطقة "اقتصادية"، يرفض "حزب الله" هذا الطرح ويطالب بحصر المفاوضات في انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها وإعادة الأسرى وإعادة الإعمار.

وبحسب شومان، فإنه ليس هناك ما يؤشر إلى أن لجنة "الميكانيزم" يمكن أن تلجم الاعتداءات الإسرائيلية، معتبرا أن "دور هذه اللجنة على ما يبدو، أن تفتح الباب أمام مفاوضات لبنانية اسرائيلية للبحث في كل المجالات التي تريد اسرائيل بحثها مع لبنان".

ورأى أن "تطعيم الوفد التفاوضي اللبناني بشخصية مدنية ليس سوى نافذة أرادت اسرائيل فتحها عبر الضغط للوصول إلى مفاوضات واسعة مع لبنان، وبصرف النظر عما يريده لبنان".

وتابع: "لبنان وافق على تطعيم وفده بشخصية مدنية لأهداف تختلف عن الأهداف الإسرائيلية"، مضيفا أن "بيروت تهدف وتأمل بوقف اعتداءات إسرائيل وانسحابها من الأراضي اللبنانية المحتلة، بينما تهدف تل أبيب إلى تحويل الجنوب اللبناني إلى مناطق أمنية فضلا عن تطبيع العلاقات مع لبنان".

وشدد على أنه "ثمة فوارق كبيرة وواسعة بين الأهداف اللبنانية والأهداف الإسرائيلية، ولذلك لا أظن أن تصل لجنة الميكانيزم إلى نتائج ملموسة".



من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي آلان سركيس إن ملف جنوب الليطاني عاد للواجهة في ضوء اتفاق وقف النار المبرم في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لكن تقدم العمل بالملف يبقى "معطّلا" بسبب عدم تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701.

وأشار إلى أن "حزب الله يعيد بناء قوته الذاتية بأمر إيراني، وهو ما ترفضه إسرائيل".

ويدعو القرار 1701 الصادر في 11 أغسطس/ آب 2006، إلى وقف العمليات القتالية بين "حزب الله" وإسرائيل، آنذاك، وإنشاء منطقة خالية من السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني جنوب لبنان، باستثناء الجيش اللبناني وقوة اليونيفيل.

وأضاف سركيس للأناضول أن "القرار 1701 يتضمّن بندا أساسيا يتعلق بنشر 15 ألف عنصر من قوات "اليونيفيل" جنوب الليطاني، مستدركا أن ولاية "اليونيفيل" تنتهي في 2026، ما يجعل القرار 1701 "ساقطا عمليا".

ورأى أن "أي تسوية مستقبلية ستكون عبر اتفاق جديد يحظى بموافقة الأطراف الثلاثة: لبنان، إسرائيل، الولايات المتحدة".

وعن حصرية السلاح، أوضح أن حصر السلاح جنوب الليطاني "خطوة مهمة لكنها غير كافية"، لافتا إلى أن المطالب الإسرائيلية والأمريكية تتجاوز الجنوب إلى "نزع سلاح حزب الله في كامل الأراضي اللبنانية".



وأشار سركيس إلى أن التفاوض بين لبنان وإسرائيل يجري "برعاية وضغط أمريكي وأوروبي"، وأن المرحلة الراهنة دخلت منعطفا جديدا بعد تعيين السفير سيمون كرم.

وأوضح أن لبنان يحاول حصر مهمة آلية تطبيق وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي، معربا عن اعتقاده بأن الواقع يشير إلى أن تعيين المندوبين المدنيين جاء "استجابة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية".

وذكر أن لجنة "الميكانيزم" تشكّلت برئاسة أمريكية وعضوية فرنسية ولبنانية وممثلين عن الأمم المتحدة وإسرائيل، معتبرا أنها تمثّل "مدخلا لتفاوض جدّي يتجاوز الطابع العسكري".

وأضاف سركيس أن إسرائيل تركّز على "ضبط الحدود بشكل كامل وتطبيق مبدأ حصر السلاح في كل لبنان".

واعتبر أن توسيع مهام القوة الدولية سيخضع للقرار السياسي وموازين القوى في البلاد، ولا سيما إذا تجدّدت الحرب.

ولفت إلى أن أي علاقة اقتصادية أو مسار سلام بين لبنان وإسرائيل يبقى "مرهونا بتغيّر المعادلات الإقليمية والداخلية".

وختم بالقول إن إيران "لا ترغب بذلك حاليا، والوضع قد يتبدّل فقط في حال اندلاع حرب تؤدي إلى تدمير حزب الله وسقوط المانع الأساسي (إيران) أمام مثل هذا المسار".

#لبنان
#مفاوضات
#اسرائيل